كان بودي أن استمر بالحديث عن موضوع الدولة الكوردستانية، الحلم / الهدف الكردي العالمي لخمس حلقات أو أكثر، ولكن الصحة المتداعية تحول دون ذلك للاسف الشديد، وفي الحقيقة ما أكتبه هنا إ نما يأتي على هامش ما يكتبه الاكراد أنفسهم،لان القضية هي قضيتهم بالدرجة الاولى، وفيما اقول بان الاحتراب الكردي /الكردي، والاحتراب بالنيابة، والتغذية القومية ذات النكهة الشوفينية، من أهم الاخطار التي تهدد مشروع الدولة الكوردستانية الكلية أو الجزئية، فإني هنا أريد أن اضع بعض النقاط على بعض الحروف فيما يخص القضية، حيث تبرز في الأثناء الكثير من المفاهيم التي ذات العلاقة بصلب القضية هدفا وصيرورة، وذلك مثل : الدولة الكردوسانية الكبرى، والصغرى، والحكم الذاتي، والفيدرالية، والحقوق المدنية، وما شابه، حيث نحاول أن نركتن إلى المنطق بداية، ثم نعرض القضية على الواقع.
ماذا لو أن الظروف سمحت بتشكيل دولة كوردستان الجزئية أو دولة كوردستان الصغرى، كأن يشكل أكراد إيران أو العراق هذه الدولة؟ بطبيعة الحال ينبغي الترحيب بهذه الدولة، وعدم التفريط بها بحجة إنها ليست مطابقة للحلم والحق التاريخي للاكراد بدولتهم الكوردستانية الكبرى، وعلى كل أكراد العالم دعمها وتعزيزها، وهذا لا يتناقض مع استمرار العمل من أجل كوردستان الكبرى، وما ذا لو أن الاكراد هنا أو هناك حصلوا على حق الكونفدرالية في جغرافية تواجدهم؟ إنه نصر كبير بطبيعة الحال لهؤلاء الأكراد، ومن ثم للاكرا د في كل أنحاء العالم، وينبغي دعمهم وتعزيز مكسبهم، وكل ذلك لا يتضاد مع استمرار العمل من أجل ذاك الهدف الكلي الكبير، كذلك الحال فيما لو أن الاكراد في هذه الدولة أو تلك كسبوا سمة الحكم الذاتي، بل حتى لو كان المكسب عبارة عن الحقوق المدنية الاولى، مثل حق التكلم باللغة القومية، وحق المشاركة في صناعة القرار السياسي للبلد، وحق ممارسة التقاليد والثقافة القومية... إن كل مفردة من هذه المفردات ينبغي عدم التفريط بها، بل يجب تعزيزها، ودعمها، بل أن تحقيق كل مفردة من هذه المفردات يمكن أن تكون منطلقا لمفردة أعمق وأوسع، فإن الحصول على الحقوق المدنية الاولى ينبغي أن تكون مقدمة للعمل على استحصال حق أكثر عمقا، كأن يكون الحكم الذاتي،والظفر بالحكم الذاتي مقدمة للظفر بسمة الكونفدرالية، وهذه مقدمة للنضال على طريق الدولة الكوردستانية الصغرى، وهذه مقدمة للنضال على طريق الدولة الكوردستانية الكبرى، هذا تسلسل منطقي،ولكن فيما نعرضه على الواقع، قد لا يحرز على درجة عالية من القبول والقناعة، لان الواقع اعقد من المنطق هذا... وهو كلام صحيح، ولكن الفكر الكردي القومي ينبغي أن يحدد معالم الطريق منطقيا، ثم يصحح أو يعدل أو يزيد وينقص على الخريطة المنطقية، وإلاّ أي فائدة مثلا يمكن أن تذكر ان يقف أكراد تركيا سلبيا من الإنجاز الذي حققه أكراد العراق بحجة إنه دون مستوى ا لحلم الكبير؟
إن أي إنجاز كردي بدء ً من الحصول على حق مدني بسيط، أو حكم ذاتي، او رسم كونفدرابي، او دولة كوردستانية صغرى ينبغي الاحتفاظ به، ودعمه كرديا عاما، وليس خارج مألوف الحكمة أن تكون كل مفردة من هذه المفردات عتبة نضالية لمفردة أكثر سعة وعمقا.
إن الاصرار على مكسب كوردستاني واسع الطيف حق مشروع، ولكن التدرج، ومراعاة الظروف، وتقدير الواقع، واحترام الممكنات جزء لا يتجزا من العمل الجاد والناجح على طريق الاهداف الكبيرة، ودعم أي منجز كردي في أي بقعة من بقع تواجدهم هو الآخر جزء لا يتجزا من العمل الجاد على الطريق المذكور...
ليس هناك منطق صاف في العمل السياسي، كما أن الاستسلام الحتمي للواقع نوع من أنواع الموت، فلابد من الجمع بينهما، والضمير من وراء القصد.