شيعة العراق اليوم في محنة مركّبة، ويمكن القول إنهم في عين أكثر من دائرة حارقة، ومما يثير الدهشة، بأن صناَّع قرارهم السياسي بغفلة وتغافل عن ذلك، حيث الهم الأكبر لأيٍّ منهم هو المزيد من القوة والمصلحة الضيقة بمعنى الكلمة، تتناحرهم الخلافات الشخصية والحزبية والعائلية، لا يجمعهم سوى جامع واحد، هو الوقوف بوجه كل من يرفع أصبع الخطر والتحذير، وربما يشتدد هذا الجامع حاجةً لدى جميعهم فيما طُرِحت تصورات وأفكار تحمل بعض الامل بالحل، حيث لا يستحق صاحب أو أصحاب الطرح غير النبذ والحرب والتشهير!
كيف حال شيعة العراق اليوم فيما يُسمي الكثير من المحللين والساسة بان الحكومة في العراق (شيعية) سواء كانت التسمية إيمانا واعتقادا أم كانت لأغراض سياسية مسبقة؟
شيعة العراق اليوم في عين أكثر من دائرة حارقة، رغم الظاهر المشع بالقوة والكثرة والبهرجة!
أن تصدُّع التوافق ـ ولا أريد القول التحالف ـ الشيعي الكردي في الأيام الأخيرة هي الدائرة الاولى، فهذا التوافق كان قوة للإثنين، خاصة وإن كلا الطرفين يصفونه بالتاريخي والاستراتيجي! هذا التوافق يمر باصعب ظروفه، ويخطأ الظن من يتصور بانه تصدع عارض، ومن الخطأ القول أيضا، بأنه تصدع على مستوى الرموز، إن التصدع في العراق بين مكونات وليس بين رموز،هذه حقيقة يجب أنْ لا نغفلها.
الدائرة النارية الثانية هي ما يحدث في سوريا، لا مِن جهة الحدث نفسه، بل لان الجهة الغربية من العراق متعاطفة مع (الثورة / المعارضة) السورية،ولا يستبعد مراقبون أن هناك تواصلا خفيِّا وعميقاً بين قواعد جماهيرية عريضة ورموز سياسية كبيرة في الجهة الغربية وبين (ثوار، معارضي) نظام بشار الاسد، والحالة تأتي في سياق ما تشهده منطقة الشرق الاوسط من تجاذبات وشبه احتراب بين طوائف ومذاهب وقوميات هذه الامة (المرحومة!)، ويخطأ من يظن أن إطفاء نار هذه الدائرة يمكن أن يحصل بترضيات (مالية) ومغريات (وظيفية)، حيث هكذا يفكر بعض صناع القرار السياسي الشيعي في العراق، حتى على مستوى عال من المسؤولية سواء داخل الكيان الشيعي نفسه، او في هيكلية الدولة والحكومة، فالمسألة أعمق من هذه السياسة الصبيانية الساذجة، إنها مسالة تاريخ، وتاريخ معقد.
الدائرة النارية الثالثة هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فكما أن الطائفة السنية العراقية واقعة بشكل عام تحت متطلبات الامن القومي لهذه الدولة السنية أو تلك، كذلك الطائفة الشيعية في العراق، ولم يعد هذا من الأسرار، بل ذلك من أهم اسباب عدم استقرار العراق باتفاق المحللين السياسين والمهتمين بالشان العراقي خاصة،والشان الشرق الاوسطي عامة.
الدائرة النارية الرابعة هي الخلافات الشخصية بين صناع القرار السياسي الشيعي العراقي، فهؤلاء لا تحكمهم مصالح البلد ولا مصالح الطائفة بقدر ما تحكمهم مصالحهم الشخصية، تماما كما هم سنة العراق، وربما أكراد العراق، بتفاوت في الدرجة بطبيعة الحال.
التحالف الوطني الذي يفترض فيه أن يكون قوة للعراق والشيعة تحول إلى مجموعة مشاكل تعصف بالكيان الشيعي العراقي بالصميم، وكل ما يُقال عن تماسك التحالف وقوته مجرد كلام، والغريب حقا،ان تحرص كتلة أو قائمة إئتلاف القانون في الايام الاخيرة على وحدة وتماسك التحالف، وهي التي أطلقت التسمية الطائفية على التحالف يوم كان بعنوان (الإئتلاف العراقي)، ولكنها السياسة قاتلها الله، تفسد كل شيء.
شيعة العراق في وضع لا يحسد عليه، وهم في عين العاصفة، تخلخل علاقات مع أهم صديق سابق، اي الاكراد، محاصرة غير معلنة نتيجة تحالف وتعاطف بين الجهة الغربية وما يحصل في داخل سوريا، خضوع بدرجة وأخرى لمتطلبات أمن قومي خارج العراق، تضعضع بنيوي في الجسم الشيعي بسبب الخلافات على المكاسب الشخصية والحزبية والعائلية، الشيعة العراقيون اليوم وسط أتون ناري محرج للغاية....
هل من حل ؟
لا أعرف....
الذي اعرفه حتى لو كان هناك حل، فإن صناع القرار السياسي الشيعي، وبلا استثناء لا يرتضونه ولا يتفاعلون معه...
ذلك، لأنّه حل!