لا توفر وسائل الإعلام الإسرائيلية فرصة سانحة لتناول موضوع العلاقة مع قطاع غزة وسلطة حماس القائمة فيه، لا سيما بعد مرور سبع أعوام كاملة على خطة فك الارتباط والانسحاب الأحادي من قطاع غزة ومستوطناته، التي كان يسكنها سبعة آلاف مستوطن فقط، يحرسهم جيش إسرائيلي كامل ومدجج بالسلاح والعتاد ضمن بحر فلسطيني ديمغرافي متلاطم.
المحلل السياسي لصحيفة هآرتس العبرية، والتي تعد منبراً لرموز اليسار الإسرائيلي أو على الأقل الوسط السياسي الإسرائيلي، لم يفوت هذه المناسبة التي تحاول من خلالها إسرائيل تصدير نموذجها في حل مشاكل قطاع غزة إلى الضفة الغربية الأكبر حجماً والأكثف سكاناً، عن طريق التأكيد على نجاعة خطة أبو المستوطنات (آرئيل شارون) بالانساحب الأحادي من مستطوطنات بناها بنفسه وأشرف عليها، فزعمت عبر محللها للشؤون العسكرية (آفي يخسروف) أنه فيما تواصل الجرافات المصرية منذ فترة ردم الأنفاق quot;غير الشرعيةquot; التي تربط بين رفح المصرية وقطاع غزة، والمقصود بذلك الأنفاق الموجودة في الجانب الفلسطيني وغير الخاضعة لمراقبة quot;حماسquot;. فحتى الآن ردمت مصر نحو 120 نفقاً من أصل نحو 1200، الأمر الذي أدى إلى إلحاق الضرر بالنشاط التجاري الذي يتم عبر هذه الأنفاق، لكنه من ناحية أخرى زاد في حجم البضائع المستوردة من إسرائيل إلى قطاع غزة عبر معبر كرم سالم، بحسب زعم المحلل الإسرائيلي، أكد (يخسروف) أن معبر كفر سالم وهو المعبر الوحيد المفتوح حالياً بين quot;إسرائيلquot; وقطاع غزة، يمثل نموذجاً يوضح العلاقات المعقدة بين إسرائيل وحماس، من خلال النشاط اليومي الدائر هناك، إذ يشهد هذا المعبر نشاطاً تجارياً كبيراً، بصمت ومن دون أن يلفت انتباه أحد. وتعدّ الأرقام خير دليل على ذلك، فعشية إبحار أسطول الحرية إلى غزة في أيار/مايو 2010، كان يجتاز معبر كفر سالم من 60- 70 شاحنة، أمّا اليوم، فوفقاً لكلام رئيس إدارة المعابر في وزارة الدفاع الإسرائيلية يمر عبره نحو 250 شاحنة يومياً.
قد يكون إغلاق الأنفاق حالياً وسعي الحكومة المصرية إلى هدمها تباعاً سبباً مهماً من وجهة نظرنا لزيادة حركة النشاط التجاري على معبر كرم أبو سالم ومرور الشاحنات التجارية عبره، وهو الأمر المنتظر تجاوزه خلال الفترة القريبة المقبلة من خلال الاتفاق على فتح معبر رفح رسمياً وبشكل دائم ومنظم بين قطاع غزة والحكومة المصرية، لكن ذلك لا يعني النتيجة التي توصل إليها المحلل العسكري من وجود تنسيق أمني سري بين حماس وإسرائيل بعيداً عن المبادئ التي تقوم عليها فصائل المقاومة الفلسطينية.
ويؤكد المحلل الإسرائيلي أن الجانب الإسرائيلي quot;يصف هذا التعاون ب quot;المذهلquot;، فالمطالب الأمنية يجري تنفيذها في الجانب الفلسطيني الذي يستطيع الإسرائيليون مراقبة ما يجري فيه في كل لحظة. فعلى سبيل المثال، جرى إدخال جرافات إسرائيلية (بالتنسيق مع الفلسطينيين) إلى قطاع غزة من أجل توسيع المعبرquot;، لكن وبحسب هآرتس، فإنه تجدر الإشارة إلى عدم وجود اتصال حقيقي بين العمال الإسرائيليين والعمال الفلسطينيين، إذ تفصل بين الطرفين منطقة quot;عازلةquot; حيث يجري تجميع البضائع المستوردة من إسرائيل.
والحال أن ارتفاع تكلفة الاستيطان الإسرائيلي في قطاع غزة، حيث لم تتمكن quot;إسرائيلquot; من توطين أكثر من سبعة آلاف مستوطن، كانوا بحاجة إلى جيش كامل لحمايتهم، وكان هذا الجيش هدفاً سهلاً لضربات المقاومة الفلسطينية، دفع شارون إلى تفكيك مستوطنات غزة فيما عرف بخطة فك الارتباط، وأراد شارون أن لا تبدو العملية هزيمة مطلقة لسياسة الاستيطان، فحملت العملية أهدافاً منها: عزل غزة كلياً عن باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإلقائها إلى مصر، وإحكام الحصار عليها مع التنصل من مسؤولية الكيان الإسرائيلي عن قطاع غزة كقوة احتلال، أي بقاء الاحتلال دون المسؤولية القانونية.
ولا يمكن في هذا السياق إنكار حالة الانقسام الفلسطيني، ومساهمتها في زيادة صعوبة الوضع، حيث تم تكريس فصل القطاع ليصبح مأساويا مع العدوان الإسرائيلي الشامل نهاية العام ألفين وثمانية، واستمرار الاعتداءات الصهيونية، وتفاقم الأزمات الناجمة عن استدامة الحصار وتحويل غزة إلى سجن كبير.
بيد أن ذلك كله لا يعني ما توصل إليه المحلل الإسرائيلي من نتائج quot;خياليةquot; في مقدمتها ترسيخ التطبيعي quot;الإجباريquot; مع كيانه في سياق عملية الابتزاز على إدخال المواد الغذائية، والغمز، في كل مرة، من جهة محافظة حركة حماس على مبادئها وأهدافها كحركة مقاومة فلسطينية تبتغي تحرير الأرض، ولعل المحاولات الإسرائيلية المتوالية تهدف إلى quot;تلويثquot; الحراكات الشعبية القائمة في سياق الربيع العربي ودعهما لحركات المقاومة الفلسطينية، كما يحاول كثير من quot;القومجيون العربquot; والمتحذلقون اليساريون تفريغ هذه الحراكات وسعيها لدعم حرية الإنسان العربي ومشاعره تجاه فلسطين لدعم أنظمة فاسدة... ومفسدة!

هشام منوّر... كاتب وباحث
[email protected]