في بلد مهم، للخارج، وأمريكا، كمصر، ومتراكم الأزمات، ومحكوم بحركةٍ ذاتِ مرجعية إسلامية، وذات مسلكية سياسية جدلية، كالإخوان، يحتاج إلى تضافر الخارج مع الداخل؛ لتتوقف تلك الحالة من السيولة السياسية، والأزمات التي تلاحقت فيه، بعد تنحي الرئيس السابق، حسني مبارك، وفي الفترة التي أدارها المجلس العسكري؛ ما جعل الكثيرين في حينها يتخوفون بشدة على مستقبل مصر، والمنطقة العربية.

وقد تمخض فوز محمد مرسي بالرئاسة عن قوتين رئيستين: قوةٍ معارضة، تتشكل من أنصار المرشح الخاسر، أحمد شفيق، وغيرهم من المتخوفين من laquo;أسلمة المجتمعraquo;، أو laquo;أخونة الدولةraquo;، وهم من ذوي الاتجاهات غير الإسلامية. والقوة الثانية تتشكل من أنصار الإخوان، والراغبين في أن يكون مرسي قنطرة إلى استكمال الثورة لأهدافها. ثم انضم إليهم، (الواقعيون) الذين ازداد عددُهم، بعد أن لمسوا تَمكُّن مرسي، من السلطة، وتحصيله صلاحياته المنقوصة.


وبعد أن واجه مرسي المشكلات الحقيقية، والتحديات اليومية، ولم يلمس المواطن المصري العادي تغيرا إيجابيا، أو وفاء بالوعود التي وعدها مرسي، وجد المعارضون له بيئة مناسبة للتصعيد الشعبي، ضده، وضد حكم الإخوان.

ولكن الضربة المؤلمة التي تعرضت لها مصر، دولةً وجيشا وشعبا في سيناء، والوضع الحرج الذي وُضع فيه مرسي، لم يَسمح له بالتراخي؛ فعزل رئيس الحرس الجمهوري، الذي قيل أنه كان السبب في صرف الرئيس عن المشاركة في تشييع جنازة الضحايا من الجنود والضباط. ثم مدير المخابرات العامة، فكبار القادة في المجلس العسكري، مع أن الحبر الذي كُتب به قرار تعيين المشير حسين طنطاوي، وزيرا للدفاع ما كاد يجف..
الموافقة الأمريكية:
تلك الخطوات المفاجئة والخطيرة، ثم الأخطر منها، ربما، وهو انتفاء ردة الفعل القوية المعارِضة من الخارج، ومن أمريكا، مثلا، أو حتى من القادة المعزولين أنفسهم، لا بد أنها دفعت المعارضين والمتحفزين لإسقاط الإخوان، إلى إعادة حساباتهم.

وقد جاءت هذه التحولات في ظل حملة عسكرية أمنية يخوضها الجيشُ المصري، ضد الجماعات المتطرفة والإجرامية، في سيناء، ويعلن مرسي، (وفي هذا رسالة للخارج)، أنه يشرف عليها بنفسه، ويحرص على فعاليتها.

رؤساء تحرير الصحف القومية:
ثم اتخذ مجلسُ الشورى قراراتٍ بتعيين رؤساء تحرير جدد للصحف القومية، وكانت هذه خطوة نحو تحجيم المساحة الإعلامية المناهضة، أو غير المنسجمة مع الإخوان؛ فليس بالضرورة، في هذه المرحلة، أنْ يكون رؤساءُ التحرير من الإخوان، أو من حَمَلةِ فكرهم، بل يكفي أن يكونوا من غير المعادين لهم، وقد أولى الإخوان، في شخص مرسي، وزارةَ الإعلام، أهميةً خاصة؛ فجاء وزيرُها منهم.

وكانت هذه الخطوات التي تتوخى إعادة صياغة الخريطة الإعلامية، بقدر الإمكان، متوقعةً، بعد أن لم يساعدهم الإعلامُ المصري، حتى بعد فوزهم في مجلسي الشعب والشورى؛ ما أفضى إلى التغطية على نشاطهم فيهما، وظهروا بعد عام، تقريبا، دون نتائج عملية، وحُوسبِوا من الرأي العام، وكأنهم حكام، مع أنهم لم يكونوا على رأس هيئة تنفيذية.

الفريق الرئاسي
وآخر الخطوات المهمة تعيينُ الرئيس لفريقه الرئاسي، من مساعدين ومستشارين.
وقد حاول بتشكيلته إرضاءَ أكبر قدر ممكن من الأطراف؛ فكان من مساعديه الأربعة رئيسُ حزب النور السلفي، في مقابل شخصية قبطية، وشخصية نسائية قريبة من الإخوان، وعضو في مكتب إرشاد الإخوان.

أما مستشاروه السبعة عشر فتنوعوا بين ليبراليين ويساريين وإسلاميين، ومنهم مثقفون، في مجال الشعر والكتابة والإعلام...
أما نائبه فواحد، وهو المستشار، محمود مكي، المعارض الصُّلْب لمبارك، والموثوق به من جماعة الإخوان.

مؤشرات التهدئة:
من الناحية الإجمالية يبدو أن اتجاه مصر نحو التهدئة، وليس معنى ذلك أن هناك ضمانات على توفر حلول حقيقية، وجذرية للأزمات الاقتصادية والاجتماعية في مصر...ولكن نوعا من الحسم قد تحقق، وخرجت البلاد من حالة التجاذب، والتنافر الشديد إلى حالة من التوافقات.

ولعل المظاهرات المتواضعةِ العدد التي خرجت في 24 أغسطس، أن تكون مؤشرا واضحا على تراجع المعارضة الواسعة.

ولم تخلُ الساحةُ من تراجعات لأشد الخصوم، وألدِّهم، كما كان من الإعلامي المثير للجدل، والمتهم بالتهجم على مرسي، توفيق عكاشة الذي قال في لقاء مع الإعلامي، وائل الأبراشي، إنه يؤيد الرئيس مرسي، وأنه يؤيد قراراته بإقالة طنطاوي، وعنان...، فقد انقلب من عدو إلى صديق!


مؤشرات اقتصادية دولية:
وفي المجال الاقتصادي، يمكن أن تُعَدَّ الموافقةُ المبدئية من الرئاسة والحكومة المصرية، على قرض البنك الدولي، وقد يكون مقداره 4.8 مليار دولار مؤشرا خارجيا على درجة الثقة الدولية بالوضع السياسي في مصر، من مؤسسات، كالبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وقد صرحت رئيسة البنك باستقرار الأوضاع في مصر، بوجود رئيس للبلاد وحكومة مستقرة.

.وقد أقر خبراء اقتصاديون بحاجة مصر إلى هذا القرض، مع أن هذا الاقتراض من البنك الدولي، والمتسبب في تفاقم المشكلات الاقتصادية لعدد من الدول التي اقترضت منه، جعلت الكثيرين من الوطنيين المصريين ينتقدون إقبال مرسي عليه؛ لأنه يثقل كاهل المواطن المصري، وقد لا يحقق إنجازات اقتصادية تنموية مستدامة.

وكذلك لقي انتقادات على خلفية إسلامية من باب تحريم القروض الربوية..وهذا الاقتراض مؤشر على (واقعية سياسية) وانخراط في المنظومة المالية العالمية، بما يعنيه ذلك من أوراق ضغط، وكذلك يدل على (براغماتية) في التعامل مع (القيود الإسلامية) ويعني رضوخا لموقع الحاكم، الذي يغير مواقف المعارضة، كما الإخوان أيام مبارك.

ولا يقتصر أمر الدعم الخارجي على شكل الإقراض من المؤسسات المالية الدولية، ( ولأمريكا اليدُ الطولى فيها) بل يتعدى ذلك إلى أشكال أخرى من التعاون.

فقد وقّعت وزارة التخطيط والتعاون الدولي اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي، خاصة بتنفيذ عملية تطوير المناطق العشوائية بمحافظتي القاهرة والجيزة. وتقضي هذه الاتفاقية بتخصيص مبلغ 20 مليون يورو؛ لتنفيذ عمليات تطوير المناطق العشوائية، التي تم الاتفاق عليها ضمن الاتفاقية المبرمة في يوليو الماضي بين كل من الحكومة المصرية والاتحاد الأوروبي والوكالة الألمانية للتعاون الإنمائي.

فما تقدَّم من علامات على مساندة خارجية، و(تقبُّل) سياسي عام في الداخل، قد يصلح مُرجِّحا على أن الأمور في مصر تتجه نحو التهدئة، والاستقرار؛ ما يُفنِّد تلك التهويلات عن مرحلة من الفوضى، والاحترابات الداخلية والأهلية التي تخطط لها أمريكا، لعموم المنطقة العربية.
والأوضاع في ليبيا وتونس واليمن لا يبدو- مع أنها تنطوي على تأزمات داخلية طبيعية ومتوقعة- أنها تتجه نحو تصعيد شامل، وتحولات عميقة في المرحلة الحالية على الأقل.