تلاحقت الأحداث quot;الكرديةquot; في سوريا والمنطقة أو بعبارة أدق ذات الباعث والمنزع الكردي لتصبغ يوم النوروز الذي يحتفل به الأكراد في المنطقة والعالم، ومعهم بعض دول الجوار، بالإثارة والتفاؤل.. وختاماً بالدم الأحمر القاني!
انتخاب الأستاذ غسان هيتو الكردي السوري، والمنتمي إلى واحد من أشهر الأحياء الدمشقية quot;الكرديةquot; في سوريا، وليس في دمشق وحدها، quot;حي ركن الدينquot; بدلالته الرمزية وبجذوره الإخوانية والإسلامية التي لم تخف نفسها في لهجة خطابه وأسلوبه، كان من وجهة نظر كثير من المراقبين، ضربة قوية إلى النظام السوري في ظل انفراط عقد الطوائف والأقليات التي كان يدعي حمايتها، وبداية هجرتها خارج سوريا، خوفاً من هواجس انتقام لاحقة بسبب اصطفاف بعضهم (لا كلهم) مع النظام، وتخوفهم من حالة الفوضى المحتملة والمقبلة، حتى الطائفة العلوية شرعت في لملمة ما تبقى لها في مناطقها الجغرافية التقليدية في جبال الساحل ويممت وجهها نحو دبي في الإمارات العربية المتحدة بالنسبة للأغنياء منهم، وإلى دول الجوار وخاصة لبنان والعراق، بالنسبة للفقراء الهاربين من إخطارات الاستدعاء المستمرة إلى التجنيد الإلزامي.
تسمية هيتو أو انتخابه رئيساً للحكومة المؤقتة تسبب في بعض النزاعات بين أعضاء الائتلاف، ومتى انتفت الخلافات بينهم أصلاً!، لكنه ولد شعوراً بالارتياح داخلياً بوصفه ضامناً لمنع تقسيم سوريا أو انقسامها، تلبية لمطالب قومية كردية سابقة، وشابه الأمر المشهد العراقي الذي تم فيه منح الأكراد مزيداً من الامتيازات مقابل استمرار بقائهم ضمن الجسد العراقي، لا سيما أن أكراد دمشق من دون بقية الأكراد في سوريا معروفون بندماجهم الاجتماعي والسياسي ضمن النسيج السوري من دون أي ترسبات أو عوائق.
إعلان أوجلان إلى أنصاره في ذكرة عيد النوروز وقف القتال مع الحكومة التركية الإسلامية المنزع برئاسة أردوغان، نقطة تضاف إلى رصيد أردوغان في مواجهة خصومه quot;الطائفيينquot; في معظمهم بعد ان تكشفت وجوههم في ظل الأزمة السورية، كما يدشن مرحلة جديدة في العلاقات التركية الكردية وهو بكل المعايير إنجاز تاريخي لكلا الطرفين، لا سيما ان الحزب الذي كان يتزعمه أوجلان كان يتمول من دول الجوار وبالذات سوريا، لمواجهة الأتراك، قبل أن تفضي مفاوضات تنفيس الاحتقان بين سوريا وتركيا إلى تسليمه إلى الأتراك لتجنب حشد عسكري تركي كان يهدد باجتياح الشمال السوري عقاباً على الدعم السوري له.
رسالة أوجلان إلى الأكراد دعت إلى وقف العنف وفتح صفحة جديدة وفوق كل ذلك، أعلن فيه تأييده لمطامح كل شعوب المنطقة في مسعاها نحو التحرر والاستقلال والديمقراطية، فيما اعتبر رسالة صريحة إلى الشعب السوري في مواجهة نظامه، وإعلان البراءة التامة من تحالفه مع دمشق في مواجهة تركيا، وهو أمر سوف يكون له انعكاس سريع على المواجهات العسكرية في الشمال السوري ومنطقة الجزيرة تحديداً والتي يشكل الأكراد غالبيتها، بعد أن وقف حزب العمال الكردي إلى جانب النظام السوري في مواجهة الثورة، ثم تراجع بعد عدة تحالفات واتفاقات ليلتزم الحياد الإيجابي إزاء تمدد الجيش الحر في منطاق نفوذ الأكراد التقليدية، ليأتي إعلان أوجلان ويكشف عن تحالف مستقبلي متوقع بين الأكراد والثوار من بقية الأعراق والمكونات الطائفية في المنطقة، في مواجهة الجيش النظامي، وبالتالي احتمال انهيار الشمال السوري برمته وخروجه عن سيطرة دمشق.
رد الأخيرة (دمشق) في يوم عيد النوروز وكذلك على الإعلان quot;الاوجلانيquot; الخطير والتاريخي جاء من خلال quot;التضحيةquot; بأحد الرموز الدينية الأكثر ولاء للنظام من المكون الكردي، وهو الشيخ البوطي، الذي اغتيل (ياللعجب!) في نفس اليوم وضمن ذات المعطيات، ليكون quot;كبش فداءquot; التضحية به الرد على الضربتين الكرديتين الموجعتين خلال ساعات قليلة، لا سيما أن ظروف وملابسات الاغتيال والتفجير الانتحاري الذي تولى التلفزيون السوري تغطتيه مباشرة وخلال دقائق (كالعادة) وقع في منطقة امنية شديدة التحصين في نفس مكان تفجير جسر الحياة الشهير قبل فترة وجيزة، وبالقرب من فرع حزب البعث أو ملاصقاً له للدقة، وخلف السفارة الروسية الموصوفة بالقلعة الأمنية المنيعة، فهل يعقل أن يضرب البرق مرتين في المكان ذاته؟!
كما أن صور التفجير المزعوم يبدو أنه كان يحمل مزايا الصداقة للبيئة فلم يخلف أي حريق أو آثار انفجار، والجثث المعروضة لم يبد عليها سوى آثار التصفية من قرب وبالرصاص، فيما لم يعثر على جثة الشيخ البوطي (حتى لحظة كتابة هذا المقال)، ما أطلق موجة من التعليقات المنتقدة للبوطي نفسه من قبل الموالين للنظام على صفحات الانترنت خوفاً من عملية انشقاق يدور الحديث عن الإعداد لها في كواليس أسرة البوطي، كما يقول المؤيديون أنفسهم!
في يوم عيد النوروز.. جاء الدور على الأكراد ليشكلوا محور الحدث في يوم من أهم أعيادهم السنوية، في محاولة أخيرة لاستجداء ولائهم والتفافهم بشكل فاشل بعد أن صدرت الإدانات من قبل المعارضة نفسها على حادث التفجير، رغم عداوتها مع فكر الشيخ البوطي لا شخصه، ما يعني أن محاولة تحويل البوطي إلى أيقونة شهادة خاصة بالنظام.. ربما تنقلب عليه.. قريباً.


... كاتب وباحث
[email protected]