تبادل طرفا الأزمة في سوريا الاتهامات حول إطلاق صاروخ أرض أرض بعيد المدى مزود بمواد كيميائية في منطقة خان العسل بريف حلب. ففيما نفى مقاتلو الجيش السوري الحر اتهامهم من قبل النظام السوري باطلاق صاروخ مزود برأس كيميائية، وحملوا دمشق مسؤولية هذا الهجوم. وقال احد الناطقين باسم الجيش الحر لؤي مقداد الذي يشارك في اجتماع المعارضة في اسطنبول quot;نفهم ان الجيش استهدف خان العسل باستخدامه صاروخا بعيد المدى ومعلوماتنا الاولية تشير إلى أنّه يحوي اسلحة كيميائيةquot;، إلا أنه سلط الضوء على حقيقة لا مراء فيها وهي أن الجيش الحر لا يملك أي صاروخ بعيد المدى ولا أي نوع من الأسلحة الكيماوية، وأنهم حتى لو امتلكوا مثل هذه الأسلحة لما استخدموها في اشتباكات يتواجد فيها عناصر من الثوار وعدد كبير من المدنيين كما هو الحال في منطقة خان العسل بريف حلب.
دمشق اتهمت المعارضة المسلحة باستخدام سلاح كيميائي في استهداف منطقة في شمال البلاد، ما اسفر عن مقتل 15 شخصا. واوردت وكالة الانباء الرسمية (سانا) ان quot;ارهابيين اطلقوا صاروخا يحتوي مواد كيميائية في منطقة خان العسل الواقعة في ريف حلبquot;، مشيرة إلى quot;مقتل نحو 15 شخصا معظمهم من المدنيين بالاضافة إلى عدد من الجرحىquot;.
وفي الثالث من آذار (مارس)، تمكن مقاتلو المعارضة من السيطرة على بلدة خان العسل بريف حلب الغربي بعد معارك ضارية تركزت في محيط مدرسة الشرطة وقتل فيها اكثر من 120 عنصرا من قوات النظام، واكثر من ستين مقاتلا معارضا، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان.
هناك عدة عوامل يجب قراءتها بعناية أثناء محاولتنا لفهم ما جرى في بدلة خان العسل، فالزوبعة التي أثارها الإعلام السوري والاتهامات المتراشقة بين المعارضة والنظام أتت بعد اقل من أربع وعشرين ساعة على انتخاب غسان هيتو السوري الكردي الجذور والحامل للجنسية الأمريكية رئيساً للحكومة المؤقتة من قبل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في اسطنبول، ما يعني احتمال كون الحادث رداً رسمياً على الحدث السياسي بامتياز وهو أمر لا يمكن إغفاله في ضمن التجاذبات السياسية بين النظام السوري والمعارضة السياسية.
الأمر الآخر اللافت للنظر كون الصاروخ بعيد المدى وهو النوع الذي لا تمتلكه المعارضة حتى الآن وإن امتلكته فهي غير قادرة على استخدامه بسبب نقص كودات التفعيل والإطلاق التي يحرص الروس على إبقائه معهم وتوجيه إطلاقها وقتما يشاؤون بحسب اتفاقيات تزويد السلاح بين روسيا وسوريا، وكونه يحمل رأساً كيماوياص يظل مثار تساؤل واستفهام في ظل عدم امتلاك المعارضة المسلحة في سوريا هذا النوع من السلاح أيضاً، وتهديد دول الغرب ومعها إسرائيل بأن تقوم بخطوات انفرادية للسيطرة على مراكز تصنيع وتخزين هذه الأسلحة في حال سقوطها بيد الجيش الحر أو من يسميهم الغرب بالمعارضة المتشددة كجبهة النصرة وغيرها من التنظيمات الإسلامية في صفوف الثوار السوريين، وبالتالي فإن مسألة وقوع مثل هذا النوع من السلاح هو من الصعوبة بمكان في ظل توعد القوى الغربية بالسيطرة عليه قبل وصول المقاتلين إليه.
الحملة الإعلامية التي شنها النظام من خلال تصوير ما جرى في بلدة خان العسل ونقل الجرحى والمصابين بالمواد السامة جراء سقوط الصاروخ بعيد المدى عليها، هو امر لافت للنظر أيضاً في ظل شح المعلومات والصور عن حلب وبالذات من قبل التلفزيون السوري الرسمي، والمسارعة في اتهام كل من قطر والولايات المتحدة وتركيا وبقية الدول الداعمة للمعارضة السورية بتسهيل وصول السلاح الكيماوي إلى المعارضة وغض الطرف عن استخدامه لها. فصرح وزير الاعلام السوري عمران الزعبي ان استخدام المعارضة لسلاح كيميائي quot;تصعيد خطيرquot; في مسار الازمة في البلاد، مطالبا المجتمع الدولي بالادعاء على الدول التي سلحت المعارضة quot;باسلحة محرمة دولياquot;. وحمل الزعبي حكومة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان وقطر quot;المسؤولية القانونية والاخلاقة والانسانية عن هذه الجريمة التي ارتكبها الارهابيون في خان العسلquot;. وقال ان quot;الجريمة التي وقعت اليوم استخدم فيها الارهابيون سلاحا محظورا وفق قواعد القانون الدولي وهي برسم المجتمع الدولي والدول التي تسلح وتمول وتؤوي الارهابيينquot;.

الحكومة السورية هي من يمتلك مخزونا كبيرا من الأسلحة الكيماوية، وهو يعد واحدا من اكبر المخزونات في العالم وليس في المنطقة فحسب، وهو ما أذكى مخاوف دولية واسعة النطاق بشأن الأمن واحتمالات استخدام تلك الأسلحة. وقد أقر النظام السوري للمرة الأولى في تموز (يوليو) 2012 بامتلاك أسلحة كيميائية وهدد باستخدامها إذا تعرض لتدخل عسكري غربي، مؤكدا أنه لن يستخدمها في أي ظرف ضد شعبه.
ما قام به الإعلام الرسمي من تسليط الضوء على مسألة استخدام السلاح الكيماوي وتورط روسيا وغيرها من الدول في تأكيد اتهامات النظام للمعارضة باستخدامه رغم سهولة اكتشاف من قام بذلك من خلال صور الأقمار الصناعية ومعرفة من أطلق الصاروخ بعيد المدى، يؤكد أن هناك أبعاداً أخرى وراء هذه الزوبعة، وربما كان استدعاء التدخل الخارجي في ظل تقاذف الاتهامات حول استعمال السلاح الكيماوي، بعد أن هددت الدول الغربية بذلك إن أصبحت مخازن السلاح الكيماوي في quot;خطرquot; بحسب تعبيرها.


... كاتب وباحث
[email protected]