سبعة وثلاثون عاماً، وتحديداً في الثلاثين من شهر مارس/آذار 1976، وكرد فعل فلسطيني متوقع على على ممارسات الاحتلال تجاههم من حظر التجول وإجراءات القمع والتمييز العنصري، والإفقار واغتصاب الأراضي وهدم القرى، هبّ الشعب الفلسطيني في جميع المدن والقرى والتجمعات العربية في أراضي عام 1948 ضد الاحتلال الإسرائيلي.
اتخذت الهبة حينها شكل إضراب شامل ومظاهرات شعبية عارمة، ردت عليها قوات الاحتلال بفتح النار على المتظاهرين، مما أدى إلى استشهاد ستة فلسطينيين، إضافة لعشرات الجرحى والمصابين، وبلغ عدد الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال أكثر من 300 فلسطيني.
ما دفع آلاف الفلسطنينيين في الداخل إلى الانتفاض على جلادهم تحت مسمى هبّة يوم الأرض هو قيام سلطات الاحتلال بمصادرة نحو 21 ألف دونم من أراضي عرّابة وسخنين ودير حنّا وعرب السواعد وغيرها، وتخصيصها للمستوطنات في سياق مخطّط تهويد الجليل، بعد أن صادرت خلال الأعوام ما بين عام 1948-1972 أكثر من مليون دونم من أراضي القرى العربية في الجليل والمثلث، إضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى من الأراضي التي استولت عليها إبان نكبة فلسطين. الاحتلال الإسرائيلي بات يتحكم بـ85% من أرض فلسطين التاريخية بعد أن سلب مئات آلاف الدونمات من أراضي عام 1967 ليقيم عليها أكثر من 500 مستوطنة. صحيفة laquo;هآرتسraquo; الإسرائيلية أوردت في عنوانها الرئيس اعتراف laquo;الإدارة المدنيةraquo; في جيش الاحتلال بأنه منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، صادرت quot;إسرائيلquot; نحو نصف الأراضي المعرّفة laquo;أراضي دولةraquo; لتقيم عليها المستوطنات، بينما سُمح للفلسطينيين باستغلال 0.7% منها، أي فقط 8600 دونم من مجموع مليون و300 ألف دونم.
الجزء الأصغر من المساحة الإجمالية لـ laquo;أراضي الدولةraquo; مسجل في الطابو باسم المملكة الأردنية الهاشمية التي كانت الضفة جزءاً منها حتى عام 1967، بينما استولت quot;إسرائيلquot; على الجزء الأكبر، أي الأراضي غير المستغلة، وعرّفتها laquo;أراضي دولةraquo; تتصرف فيها على هواها. ووسّعت quot;إسرائيلquot; سيطرتها على هذه الأراضي بعد أن منعت المحكمة العليا الجيش من السيطرة على أراض بذرائع عسكرية تبين لاحقاً أن الغرض الحقيقي منها هو إقامة مستوطنات، ما حدا بسلطات الاحتلال إلى الإعلان عن مساحات شاسعة من أراضي دولة لمواصلة المشروع الاستيطاني من دون عائق قانوني.
الاحتلال الإسرائيلي لا يزال يتحكم بـ671 ألف دونم من مجموع هذه الأراضي بعد أن خصص 400 ألف دونم (30%) لـ laquo;النقابة اليهوديةraquo; التي أقامت على غالبية هذه المساحة مئات المستوطنات. وخصص 103 آلاف دونم (7%) للشركات الخليوية والمجالس المحلية والإقليمية والمباني العامة (للمستوطنات). وتم تخصيص 160 ألف دونم (12%) للمكاتب الحكومية، مثل شركات الكهرباء والمياه والاتصالات الإسرائيلية، في مقابل 8600 دونم فقط للفلسطينيين، نحو 80% منها في محافظة جنين شمال الضفة. وجاء في إفادة ممثل laquo;الإدارة المدنيةraquo; أمام المحكمة أن المستوى السياسي، ممثلاً بوزير الدفاع، هو الذي يقرر أي أراضٍ يستولي عليها الجيش لتصبح laquo;أراضي دولةraquo;.
مكتب laquo;الإحصاء الفلسطينيraquo; أكد في تقرير نشره بمناسبة ذكرى يوم الأرض أن نحو 11 مليوناً و800 ألف إنسان يعيشون اليوم فوق أراضي laquo;فلسطين التاريخيةraquo; البالغة مساحتها نحو 27 ألف كيلومتر مربع، 51% منهم يهود يسيطرون على أكثر من 85% من هذه المساحة، في مقابل 49% فلسطينيون محشورون في أقل من 15% من هذه الأرض، laquo;ما يقود إلى الاستنتاج بأن الفرد الفلسطيني يتمتع بأقل من ربع المساحة التي يستحوذ عليها الفرد الإسرائيلي من الأرضraquo;.
رمزية يوم الأرض الذي كان من الانتفاضات الفلسطينية المبكرة ضد الاحتلال الإسرائيلي، تعاظمت بعد ذلك مع الانتفاضتين الأولى والثانية، وظلت الكرامة الفلسطينية محلاً لأي مواجهات مع قوات الاحتلال ما اختلف أسلوبها من عسكري أو سلمي، في تمازج بين الأرض والإنسان الفلسطيني، وليس مستغرباً ولا مفاجئاً أن تتفاعل قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال على كافة أرجاء فلسطين، لتحظى بدعم وتضامن شعبي، وتتنقل مسألة إقامة خيم الاعتصام تضامناً معهم من مدينة إلى أخرى، ناهيك عن الاعتصامات أمام مقرات الصليب الأحمر.
فمنذ أن دخل الأسرى مساراً جديدًا في كفاحهم ضد الاحتلال عبر خوض معركة الأمعاء الخاوية، والتفاعل الشعبي والإعلامي مع قضية الأسرى في تزايد ملحوظ، بصرف النظر عن انشغال بعض وسائل الإعلام العربية بملفات أخرى، ومحاولة سلطات الاحتلال التعتيم على قضية الأسرى ونضالاتهم بمبادرات جزئية وهامشية.
فعاليات التضامن الشعبي مع الأسرى الفلسطينيين من المتوقع لها أن تتواصل وألا تهدأ ضد الاحتلال الإسرائيلي، يزيد من زخمها وقوف كافة أطياف الشعب الفلسطيني مع هذه القضية الوطنية بصرف النظر عن انتماءات المتضامنين ورؤاهم السياسية، وإلى ما قبل شهر نيسان المقبل وتحديداً السابع عشر منه، سوف تتواصل كرة الثلج الغاضبة من ممارسات الاحتلال بحق الأسرى بصرف النظر عن أي مبادرات أو مقترحات لتنفيس الاحتقان الشعبي من الظلم والغبن الواقع بحق جوعى الحرية.. وحاملي مشعل الكرامة الفلسطينية، ما يبشر بربيع فلسطيني مزهر.. وبعيد عن أي حسابات ضيقة.
بيد أن يوم الأرض برمزيته التاريخية والوطنية سوف يضيف إلى نضال الأسرى بعداً إضافياً في ظل معلومات إسرائيلية استخباراتية متزايدة حول تعاظم مخاطر انفجار انتفاضة ثالثة في فلسطين المحتلة، وارتباط ذلك بأي حدث سياسي أو ذكرى وطنية، وربما نشهد قبل يوم السابع عشر من نيسان المقبل، يوم الاحتفال بيوم الأسير الفلسطيني، اندلاعاً محتملاً لحراك فلسطيني شعبي قد يتخذ من ذكرى يوم الأرض، ويربطها بكرامة الإنسان (الأسير الفلسطيني)، لتأكيد الترابط على عنصرية الاحتلال الذي يبني سياساته وحكوماته مؤخراً على مفهوم الاستيطان العنصري المنزع، والذي يستهدف الإنسان وكرامته بقدر ما يستهدف الأرض الفلسطينية ونهب دونماتها.
كاتب وباحث
التعليقات