ما من جديد في معاناة فلسطينيي سوريا سوى تزايد معاناتهم وتفاقم أوضاعهم الإنسانية المتردية، وسط تصاعد المعارك حول مخيماتهم وداخلها، وحصار هذه المخيمات ومنع كل مقومات الحياة الأساسية من ماء وغذاء وكهرباء ومواد اولية من الدخول إلى هذه المخيمات في ظل حالة من العقاب الجماعي لموقف الفلسطينيين في سوريا المتعاطف مع مأساة الشعب السوري والذي دفعهم إلى احتضان العائلات النازحة في بيوتاتهم ومخيماتهم كحال مخيم اليرموك الذي تحول من مخيم يغلب فيه العنصر الفلسطيني إلى جزء من مكون المخيم رغم تأثيره الواضح على قسمات كل من يسكنوه من السوريين (200 ألف فلسطيني مقابل 800 ألف سوري).

حال الأوضاع الإنسانية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين في سوريا، داخل المخيمات وخارجها، سوداوية ولا إنسانية بكل المقاييس، لا سيما مع تواصل شلال الدم وتواتر سقوط الضحايا منهم، بالتزامن مع عدم وجود أي حماية، أو تدخل أو إغاثة تذكر من الأطراف المختلفة محلياً أو دولياً.
المخيمات الفلسطينية في سوريا وكذلك التجمعات التي يتنشرون بها خارجها، وهي تجمعات لا تقل أهمية عن المخيمات من الناحية السكانية (كتجمعات برزة وداريا والقابون وركن الدين والحجر الأسود وغيرها) تتعرض لاستهداف كبير في ظل الحرب الدائرة بين النظام السوري، ومسلحي المعارضة، وهو الأمر الذي خلف أكثر من ألف ومائتي شهيد، وآلاف الجرحى، إلى جانب نزوح مئات الآلاف من اللاجئين داخل سوريا والبلدان المجاورة.
غياب أي دور حقيقي للقيادة الفلسطينية الرسمية التي تقبع في رام الله منشغلة بخلافها مع رئيس حكومتها المستقيل فياض، تجاه أحداث المخيمات في سوريا، وحضور دور إغاثي quot;ضعيفquot; لبعض الفصائل الفلسطينية لا يتناسب مع حجم المأساة هناك. فمأساة المخيمات في سوريا، بدأت تعكس تساؤلات مشروعة عن مكانة ملف اللاجئين لدى منظمة التحرير والسلطة والقوى الفلسطينية المختلفة، في ظل ما حالة من اللامبالاة بات اللاجئون في سوريا يشعرون أن قضيتهم مهمشة إلى أبعد الحدود، علماً أن هذا التهميش لن يترك آثاره على اللاجئين فحسب، بل تتعدى أبعاده الإستراتجية على القضية الفلسطينية برمتها.
التحرك الوحيد الذي quot;استبشرquot; به لاجئو سوريا خيراً كان منذ عدة شهور، وتمثل بزيارة رئيس دائرة اللاجئين في منظمة التحرير زكريا الآغا إلى دمشق لبحث ملف المخيمات وأوضاع اللاجئين الفلسطينيين بها، ورغم الزيارة القصيرة بسبب الظروف الأمنية بدمشق حينها، إلا أن quot;الآغاquot; لم يفته مقابلة المسؤولين السوريين ومطالبتهم بتسلم مكاتب حركة فتح الانتفاضة وكل ما تسيطر عليه من مقرات إلى حركة فتح التي يقودها عباس، وبدا حينها تسريب الخبر وكأنه متاجرة بمأساة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا سواء صدق الخبر أم لم يصدق حينها.
فمن سرب الخبر اتهم حينها أنه يحاول التشويش على تحرك منظمة التحرير بخصوص اللاجئين في سوريا، وأن الوقت ليس لافتعال مثل هذه المعارك الجانبية، بينما اتهم من سرب الخبر منظمة التحرير وحركة فتح عباس بالمتاجرة بملف اللاجئين مقابل استعادة ممتلكاتها في سوريا، في ظل موقف السلطة الرسمي quot;النأي بالنفسquot; عن الازمة السورية والذي رأى فيه النظام السوري موقفاً مشجعاً يستحق المكافأة عليه في ظل مواقف فصائل أخرى كحماس والجهاد الإسلامي التي خرجت قياداتها من دمشق كي لا يتم توريطها بالولوغ في الدم السوري والفلسطيني تالياً المسفوك هناك بذريعة الدفاع عن نظام مقاوم وممانع!؟
بيد أن إعلان الجبهة الشعبية- القيادة العامة مؤخراً قرار السلطات السورية تسليم مكاتب فتح الانتفاضة إلى فتح عباس عقب وفاة زعيم فتح الانتفاضة التاريخي أبو موسى العملة، جاء ليفضح تفاصيل اللعبة التي جرت تحت الطاولة بين النظام السوري وممثل منظمة التحرير (الآغا) وحقيقة ما جاء يفعله حينها في دشمق، في ظل عدم بروز أي أثر لزيارته وقتها، وانعكاس ذلك على وضع الفلسطينيين في سوريا قتلاً وتهجيراً ودماراً لبيوتهم.
ردة الفعل الرسمية والفصائلية الفلسطينية بشكل عام لتقديم الدعم والمساندة والحماية للاجئين في المخيمات السورية، quot;هزيلةquot;، فيما لم تقم السلطة سوى بزيارة وحيدة لسوريا من دون زيارة المخيمات. والمسؤولية الفلسطينية والعربية والدولية كبيرة في هذا السياق، حيث إن المئات من الآلاف بات بلا مأوى، فيما أن أكثر من ألف ومئتي شهيد سقطوا من غير أن يكون لهم حول ولا قوة، حيث يتعرضون لنكبة جديدة.
الجهات الفلسطينية رغم خلافاتها السياسية أمامها العديد من الوسائل لدعم وتوفير حماية اللاجئين، وذلك عبر العلاقات الرسمية بين السلطة وقوى فلسطينية بالنظام (قوى شبيحة إن جاز لنا التعبير كالقيادة العامة وفتح الانتفاضة وبعض الفصائل الهامشية المؤيدة للنظام)، أو حتى الفصائل المعارضة، فالسلطة أو منظمة التحرير تستطيع أن تستغل منصبها الذي حققته في الأمم المتحدة مؤخرا، لإحداث دفعة دولية تجاه توفير الحماية للاجئين، وإحداث الضغط المناسب على الأطراف كافة، إلى جانب اتخاذ الفصائل خطوات عملية بعيدا عن البيانات والاجتماعات.
كما إنه بالإمكان التحرك السياسي على صعيد العلاقات الدولية، مع الدول أو القوى التي تتحالف مع النظام، أو المعارضة، وذلك لوقف أعمال استهداف المخيم وزجه في المعترك القائم، إلى جانب التصعيد الإعلامي إزاء ما يجري.
الدور السياسي قد يكون المنطلق لمعالجة أوضاع الفلسطينيين في سوريا وحل المأساة القائمة، إلا أن الدعم المادي والإغاثي ذو أهمية كبيرة، في ظل انشغال العالم بمعالجة المأساة السورية عن معالجة آثارها الأخرى على بقية الشرائح الاجتماعية الموجودة في سوريا.
كثير من المخيمات بات أهلها يخرجون منها ليلا ويعودن إليها صباحا لانعدام الأمن والاستهداف المباشر لهم، وتشير بعض التقديرات إلى أن ثلثي اللاجئين باتوا مهجرين في سوريا نفسها، أو في دول الجوار كلبنان والأردن وتركيا.
وفيما تكتفي سلطة رام الله بالبحث عن ممتلكات حركة فتح ومنظمة التحرير في سوريا وسط حالة الدمار الذي يشهد البلد الأكثر تعاطفاً على المستوى الشعبي مع القضية الفلسطينية، يهيم اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على وجوههم داخل سوريا وخارجها، وسط موجات تعامل عنصري يتم التعامل بها معهم في بعض دول الجوار كلبنان والأردن، ومتاجرة قيادات رام الله وبعض الفصائل بقضيتهم لتحقيق مكاسب مادية أو حتى سياسية اعتبارية على حسابهم، بينما لا يقدم للاجئ الفلسطيني في سوريا أي دعم في انتظار مواجهة مصير أسود ومأساوي.. على الأقل.. حتى الآن!
... كاتب وباحث