من الظواهر القديمة وجديدة - في نفس الوقت ndash; هي تكل التي اجتاحت عالمنا العربي وألقت عصاها وبنت بيتا وخيمة هي ظاهرة الزواج السياحي. نعلم كل العلم بهجرة عاملات البيوت من الحبشة وهجرة صبايا أغادير وكازابلانكا من قراهم القابعة على النسيان إلى تلك المدن التي تعج بتجار الجسد، كما ونعلم هجرات أخرى ينفجر لها الفؤاد وتدمع لها العين: اللاجئات السوريات اللائي خرجن من ديارهن مرغمات تحت قنابل الأسد، باحثات عن لقمة العيش الكريمة، لكن هل بلغن ضالتهن المنشودة. كما ونجد أن الغزو الصيني المعاصر لم يقتصر على بيع السلع الهائفة فحتى في تصدير الجنس والأجساد البشرية هم فالحون. كل هؤلاء الصبايا يلتقين في دوار واحد وفي نقطة واحدة: هي أنهنّ خرجن من بلادهنّ ndash; إن لم يعملن بها - إلى مناطق ودول بحثا عن الأمان والرحمة لكن سوء الطالع وانحطاط أخلاق الأمة دفع بهؤلاء البنات، مرغمات إلى سبل العيش غير الكريمة، ساقهن راضيات إم مرغمات إلى محطة ترام الجنس الأخيرة التي تقتضي إما النزول أو الرجوع إلى محطة الانطلاق الأولى وهي الفقر اللانهائي. استغل بعض مرضى القلوب نقطة الضعف فيهنّ وفي فقرهنّ وعوز أسرهن للمال فأطلقوا صافرة البيع في مزاد علني لسماسرة البؤس الذين صاروا يحومون البلاد شرقا وغربا باحثين عن أولياء أمور يزفون لهم الخبر اليقين: بنتك حيجيها عريس غني، بنتك حتكون أميرة في بيتها، بنتك حتبني لك فيلا، بنتك... بنتك! ومن ثمة لا يفتأ الخبر في الانتشار بين ستات البيوت ومقاهي البلد وينطلق منها إلى سائقيّ التاكسي ورواد الحانات وقطاع الطرق وماشطات الشعر وراسمات الحنّاء والقابلات ودكاترة الإجهاض وسماسرة العقارات ومكاتب المحاماة المتخصصة في الزواج العرفي وحتى عند أعمامنا أصحاب الحوانيت المجاورة، نعم، انتشر الخبر كالنار على الهشيم تأكل ولا تذر!
يبدأ السمسار بأخو الصبية إن كان على صحبة وصداقة معه. يحدثه عن الأمر ويُمنيه بسيارة جديدة سيهديها إياه العريس الجديد. ثم ينقل الابن الخبر كالبرق لأبيه المتقاعد أو العاطل والذي ليس له شغل شاغل سوا تعاطي المخدرات والنوم إلى أن يؤذن الله له بأن يفيق. يجيب الأب بجملة بسيطة وبسرعة في أمر مصيري كهذا، قائلا: طيب ومالو ده مش حلال؟! يستطرد الابن مجيبا: أمال إيه يا بابا!
أنتم لا تعلمون يا سادتي كم من متاهات دخلنها هؤلاء الصبايا ولم يستطعن أن يخرجن منها؛ دهاليز بيع الجسد وهتك الشرف أودت بهنّ إلى الانزلاق الأخلاقي الذي لن يخرجن منه إلا بقدرة كريم رحيم. من ثمة سبحن هائمات في تيارات المرض النفسي الذي زايلهن طلية سنيّ حياتهنّ. فنحن يا سادتي نعلم كل العلم بأن تلك الظاهرة موجودة في كل بلادنا العربيّة وللأسف نتستر عليها كلنا تحت عباءة الشرع. فكيف لشيخ في سنّ السبعين أن يقترن بطفلة في عمر التاسعة لتكون له زوجا إن لم يكن في الموضوع إنَّ؟ شخص مثله لا بد أن يكون به مرض أو اختلال نفسيّ ألجأه إلى ممارسة اغتصاب طفلة في عمر حفيدته؟
حكى لي صديق أنه كان في رحلة عمل لإثيوبيا. عندما بلغ المطار اندهش لوجود أعداد كبيرة من الصبايا، صغار السن، وهن في حالة تأهب للسفر إلى الخارج. كن كلهن من الإناث؛ بدت عليهنّ علامات الخجل والتستر والتكتم. نعم، كل هؤلاء هنّ سلعة دولار وعملة صعبة للفحول من أولئك الذين يتسترون في شقق شارع النيل وفي غرف الشيراتون لمدة عشرين يوما وبعدها ينتهي الأمر ويعود كل منهما إلى مواقعه؛ وتبدأ الساقية من جديد. تعود الصبية لأهلها بعد الطلاق المبكر ويأتي السمسار ليعرض على أخيها الزوج القادم، لكنه يقول:
- بس لازم تعرفوا إن سعرها حيقل في المرّة الجاية!
يسأل الأب متلهفا ليعرف:
- إيه إيه، يعني مش حتدونا ٧٠ ألف جنيه المرّة الجاية؟
- لا يا حبيبي بنتك مش بكر!
يسمع الأب الأجابة فيصمت ولا ينبس. بينما الفتاة في غرفتها لا تعلم ما يدور بين الرجال من صفقات في حقها فهي كالدابة ناقصة عقل ودين! نعم، لا تستشار في أمرها. فهل هذا من الشرع في شئ أن تتزوج بعد شهر من الزيجة الأولى وألا تستشار في أمر يخصها، فضلا عن استلام أي حقوق لها. ماذا فعلنا بأنفسنا بربكم؟ ومن منّا يرضى هذا الانكسار والضيم لبناته؟ عرفي إيه وهباب إيه!
تشير الإحصائيات الأخيرة إلى أن معظم الدول العربيّة - من المغرب وصولا إلى مصر - تعاني من تلك الظاهرة. نجد فتيات بين سن ال12 وال17 وحتى في سن التاسعة يُعرضن كالرقيق أمام السيّاح والزبائن في مزاد علني لمن يشتري؟ وكي لا يقع الشاري في الزنا يبحث مفتي القرية وشيخها مع محامي السمسار عن مخرج شرعي حتى لا يحس العريس المتقدم بالذنب في ارتكاب الفاحشة. وكما ذكرت إن مدة هذا الزواج لا تدوم أكثر من بضعة أيام أو أسابيع. يرحل بعدها الشاري من السيّاح إلى بلده تاركا وراءه مطلقة وأمّا لطفل صغير وياحبذا أن تكون المولودة بنتا فهي بمثابة كنز من ذهب للأسرة الذي تربع ربّها على عرش البيت، سائلا:
- طمنيني يا أم جمال، بنت ولا ولد؟
- ولد يا حاج L
- إيه الهباب ده، مش كانت تجيب بنت L
وفي تلك الحالة يقول الأب متجهما مقطبا وقد بدت عليه علامات الغضب:
- قومي أمشي كلمي أم محمد عشان تجي تطلع الهباب ده!
وتكون قد ساهمت هذه الأسرة في مشروع اسقاط جنين وقتل روح بريئة كي تستطيع الزوجة المزعومة مواصلة زيجاتها من سواح آخرين. وللحديث تتمة!
التعليقات