التساؤل بهدف المعرفة وتعميق الإيمان.. نشاط عقلي مشروع، بل هو واجب، فلا يوجد لدى البشر أهم من البحث عن الله ليس بمعنى محاولة إثباته، وإنما من أجل تعزيز المعرفة والإيمان به أكثر، فألله حقيقة مطلقة يجب الإنصياع لها وتوجيه التساؤل حول طبيعته وصفاته وأفعاله من خلال القيام بمقاربات عقلية يتوجب عليها الإقرار بمحدودية إدراك العقل، وفي نفس الوقت عدم الخوف من التفكير الحر خشية الوقع في الكفر والإلحاد والتعرض الى عقاب نار جهنم.
تقدم الأديان جميعها الله.. بوصفه عادلا ورحيم وكريما محبا لمخلوقاته... وهذا التوصيف من منظور المشاعر الإنسانية صحيح جدا ويفترض ان تكون هذه هي صفات الله، ولكن السؤال : هل هذه هي حقيقة الله.. أم فهمنا البشري له، وإسقاط أفكارنا وخيالنا وأمنياتنا عليه وتصويره حسب ما نرغب ؟
خلق الله الإنسان القديم البدائي وتركه في مرحلة الطفولة العقلية من دون تجارب ولاخبرات وبلا وعي.. وإستهل الإنسان الاول حياته بشكل غريزي وحشي إعتمد على الإفتراس والقتل من دون أية ضوابط أخلاقية ودينية، وقد إستمرت طويلا تلك المراحل الحضارية المتدنية من تاريخ البشر.
والسؤال : عند تطبيق صفات الله في العدالة والرحمة على تلك المراحل من التاريخ.. نجد ان الإنسان الأول لم يكن له ذنب بما إرتكبه من جرائم همجية ضد أخيه الإنسان، فأين العدالة الإلهية من هذا في تزويد الإنسان بالوعي والإرادة ومنع الشر ؟
الأديان تجيب عن هذه الإشكالية بالقول : ان الله أراد إختبار إيمان وصبر البشر من خلال إبتلائهم بالمصاعب والنكبات والألم والاحزان.
ويُرد على هذا التبرير.. ان الإنسان القديم لم يكن راشدا ولديه الإدراك العقلي ومايكفي من التجارب والخبرات بما يؤهله للإمتحان والإختبار والتمحيص، بل كان طفلا من حيث العقل والخبرة، فكيف تقبل عدالة الله ورحمته تعريض ذلك المسكين الى شتى أنواع العذاب ؟
يضاف الى ذلك، مانتعرض له في العصور الحالية من كوارث الطبيعة والأمراض والمجاعات وطغيان الشر والحروب وسفك الدماء... لذا يصبح من حقنا التساؤل : لماذا لايتدخل الله لحماية مخلوقاته وهو العادل الرحيم المحب لها ؟!
عدم التطابق بين الله وصفاته.. يدفعنا الى البحث عن فهم آخر لطبيعة الله مغاير لطروحات الأديان التي حاولت تقديم صورة تقريبية له، مع الإبقاء على سؤال : هل الأديان من صنع البشر..أم منزلة من الله مفتوحا للبحث والنقاش.
نحن كائنات معذبة محاصرة داخل الكرة الأرضية.. خُلقت دون إختيارها، وتموت دون موافقتها، ولاتعرف ماذا ينتظرها بعد الموت.. ليت الله يتلطف بنا ويفتح لنا بعض خزائن أسراره ويخبرنا كيف أوجد المخلوقات والطبيعة والكون وأبدعه من دون نموذج سابق، ونقبل أن يتركنا حيارى لانعرف جواب سؤال : كيف خلق الله نفسه ؟.. فهذه ألأمنية المستحيلة لن تتحقق أبدا!
التعليقات