نعرف أن الكلاب تستطيع شم رائحة المتفجرات، والمخدرات، وحتى الدولارات في جيوب المختلسين! ولكن هل تستطيع شم رائحة المستقبل، خاصة إذا كان معقداً كما في العراق مثلاً؟ نوري المالكي يعتقد أن ذلك ممكن، فهو في خطابه المنفعل الأخير، عن أزمة البلاد، قال أن الكلاب هي أفضل من الأجهزة التي اشتريت بمئات الملايين واكتشف أنها مزيفة! هذا يعني أن الرجل وطاقم مستشاريه ومعاونيه لا يزالون يجتهدون ويبدعون في الاعتماد على الحل العسكري، والبوليسي، لمشكلات ومعضلات البلاد والعباد المزمنة. وسيستوردون فصائل جديدة من الكلاب البوليسية غير المزيفة لتشم لهم رائحة المتفجرات والإرهابيين، وبها سيأمنون المستقبل!

المالكي مصر على عدم الإقرار أن جوهر المشاكل القائمة هو سياسي وأخلاقي! حتى وإن اتخذ وجهاً إرهابياً أو دموياً، يدفع تكاليفه الباهظة الناس الأبرياء الغافلون!

كانت العملية السياسية قد قطعت شوطاً طيباً وأخذت تقارب السير على طريق النضج، في خضم من الدماء والخسائر الهائلة. حيث جاء من يسمونهم بأهل (الغربية) إلى العملية السياسية بعد معاناة مضنية، وركنوا للمصالحة الوطنية، وشكلوا تنظيمهم المسلح بالتنسيق مع الحكومة والأمريكيين، وانبروا يحاربون القاعدة ويقدمون أبنائهم ضحايا حتى استتب الكثير من الأمن والسلم الأهلي. وجاء بوش إلى الرمادي ليصافح عبد الستار أبو ريشة ويشكره على مأثرته الكبيرة بسحق عصابات القاعدة في الأنبار. ولم يلبث أبو ريشه أن قضى نحبه شهيداً مع الآلاف من رفاقه! وجاء الكثير من شخصيات ووجهاء الغربية إلى العملية السياسية مشاركين وزراءً ونواباً، متحملين الكثير من لوم وتقريع وتهديد قواعد سنية كثيرة، رأت أن الحكم في العراق هو في أحضان الإيرانيين والأمريكان ولا جدوى من السير في ركابه أو طليعته! من خرب كل ذلك؟ كيف أصبح هؤلاء الآن إرهابيين وأعداء العملية السياسية وفقاعات نتانة يلوح لهم بالهراوات الغليظة، ثم يجرى سحقهم، وبوحشية في الحويجة؟ من خرب كل منجزات المصالحة والتآخي وطريق الود والوئام في حل المشكلات، ومن أوصل الأوضاع إلى حالة تستدعي ثورة أهل (الغربية )؟ أحقاً أن طارق الهاشمي والعيساوي وربما غداً صالح المطلك، وإياد علاوي لديهم حمايات وأجهزة سرية ترتكب الاغتيالات والجرائم الأخرى؟ وإذا صح ذلك، كم في أجهزة المالكي وحلفائه في طائفته من يمارسون نفس الجرائم أو في الأقل إساءة استعمال السلطة،والإفراط في استعمال القوة؟ لماذا هناك واوي حلال، وواوي حرام؟ لماذا لا يحاكم جمع المتهمين وبكل شفافية ووضوح؟ هل نعدو الحقيقة إذا قلنا أن نهج المالكي في التجاوز على نتائج الانتخابات، والانفراد في السلطة، والاستئثار في المراكز والمناصب العليا؛ هو وراء ذلك؟ ( لا يزال وقد قاربت الانتخابات الجديدة، يحتفظ بمنصبي وزير الدفاع والداخلية ومعظم مفاتيح الأجهزة الأمنية والمخابراتية، وخزائن الأموال غير الخاضعة للمراقبة) هل نكون متحاملين إذا قلنا أننا نرى في كلامه وتصرفاته تعصباً طائفياً، وعدم قدرة على التفتح على الروح الوطنية؟ هل نكون متجنين إذا قلنا إنه ملتصق أو قريب جداً من السياسية الإيرانية في المنطقة؟ المالكي أراد استعمال قادة السنة بنفس الطريقة التي أستعمل فيها صدام قادة الحزب الشيوعي، حين تحالف معهم ليسوق نفسه لدى السوفيت والعالم الاشتراكي واليساري؛ ثم حين حقق غرضه انقض عليهم بإعدامات وملاحقات وتشريد. المالكي أراد أن يسوق نفسه في العالم السني الكبير؛ فاسترضى بعض السنة على مضض! واليوم وبعد ترنح عرش حكام سوريا سرى الرعب في أوصاله كما سرى في أوصال الإيرانيين وحزب الله في لبنان؛ فأوقعه معهم في تخبط ومتاهات رهيبة! إنه يمضى في طريق تعزيز وتحصين سلطته كدكتاتور،منتشياً بتدفق عوائد النفط الهائلة! صار حتى حلفاؤه من الشيعة، يعرفون ذلك، ويتخوفون منه، لكنهم وحفاظاً منهم على حكم الطائفة المهزوز في المنطقة لا يجرؤن على الانفصال عنه. الالتحاق بالروح الوطنية هي من أصعب الرحلات لمن اعتادوا الطائفية! المالكي اليوم يخطف الدولة لنفسه ولمزاجه ومخاوفه، راكلاً البرلمان الذي قيل أنه ثمرة الديمقراطية. والعراق ينحدر نحو هاوية الحرب الأهلية، وثمة نذر خطيرة في المستقبل لا يستطيع شم رائحتها المفزعة إلا بشر أسوياء، وفي حاسة شم إنسانية لا يمتلكها الكلب، ولا الأسد!