هو علّة الدنيا وما خُلقت له ndash; ولعلةٍ ما كانت الأشياء

لا تسألنّ عن الزّمانِ فإنّهُ - في رَاحتَيْكَ يدورُ كيف تشاء

(ابن هانئ الأندلسي)


في ضوء الشمس الغاربة وتحت زغاريد الفرح الصاخبة تبدّت الطفلة quot;سَمَرquot; أنيقة هادئة، رغم امتعاضها تحت وطأة الألم الحاد الذي انطوت عليه روحها الغضة الليِّنة. كشفت quot;سمرquot;، بنت السبع سنوات، عن جسم نحيل أُذبلت زهرته اليانعة بعد أن قُضِيَ الأمر عليها بموس القصاص. تقول ونظرتها الخضراء الجادة لم تفتقد كل سحرها وألقها بعد، لكنها تبدت غريبة لحظتئذ: quot;خُتنتُ قبل سويعاتquot;. يردّ عليها الحضور من الأهل: ألف مبروك يا عروسة! ويرمونها بالهدايا! نعم في هذه السنّة ٢٠١٣ من الألفيّة الثالثة!

نشأنا في بلادنا يا سادتي ولم نعِ يومذاك أو نفقه ما فعله أولياء أمورنا بأخواتنا! حَسِبنا لحظتذاك أنها عادة حميدة. إذ كُنّا نفرح أيما فرحٍ لِدقّ الطبول في بيوتنا وعندما يعمّ السرور تتراقص القلوب طرباً في مهرجان هو أشبه بقرابين الفراعنة التي تتمثل في شكل عرائس - بالطبع من الإناث - يهبونها ككبش فداء لنهر النيل الخالد كي يدر لهم الخير وكما كان ذاك في عهد الجاهلية الغبراء في شأن وأد البنت. لكننا يا سادتي حينا بلغنا من العمر أرشده تساءلنا: هل هذه فعلاً quot;مكرمةquot; أو quot;عمليّة تجميلquot;؟ من ثمّة: من المسؤول عنها؟ شيوخ الدين أم العادة الشائنة التي توارثناها جيلاً إثر جيل؟ هب أن الدين هو المسؤول، فلماذا نطلق عليها أحياناً لفظ الختان الفرعوني؟ هل مارس الفراعنة هذه العادة حقّا بيد أنهم عاشوا قبل الإسلام بقرون عدّة؟ ومِن الناس مَن يطلق عليها لفظ quot;ختان السنّةquot; أو quot;الطهارةquot; وما هي من الطهارة أو السنّة في شيء!

تصدّى أحد رجال الدين في ندوة بمؤسسة الشهيد الإسلاميّة لقول وزير الصحّة المصري آنذاك قائلاً: (طلع وزير الصحّة يقول ما فيش ختان) معقباً عليه: (طيب انت شيخ انت عشان تتكلم في الدين؟). من المذري أنه تمادى في مغالاته مشبّهاً الختان بعمليّة تجميل بسيطة مستشهداً في زعمه هذا برأي الأطبَّاء فيقول: (الأطباء يقولون أن الختان عملية تجميل والرسول قال لأم عطيّة: اقطعي ولا تنهكي)؛ يسترسل: (النبي (ص) يقول الختان من سنن الفطرة الخمسة ndash; الختان طبعا ختان الرجل، فهو واجب، لكن ختان المرأة مكرمة؛ دون الحديث عن صحة الأحاديث المستشهد بها أو ضعفها!

عندئذ تحريت الأمر ووقعت على احصائيات دقيقة لمنظمة (تير دي فام quot;أرض النساءquot;) العالميّة التي رصدت الاتساع الجغرافي لهذه العادة الآسنة. ومن المدهش حقَّاً أنها لا تقتصر على أغلبية الدول العربيّة بما فيها دول الخليج، وبدأت تظهر عند النساء في السعودية بسبب الإشاعات الكثيرة عنها وأنها طهارة، على كل حال نجد الختان يزايل شعوبنا كثيرة كالكابوس، حتى في دول أفريقيّة مسيحيّة عديدة - على سبيل المثال لا الحصر- أثيوبيا وأرتيريا عند المسيحيين الأقباط، وفي كينيا، تنزانيا، أوغندا وأفريقيا الوسطى. وبما أن المسلمين، المسيحيين والوثنيين في أفريقيا يمارسونها على السواء تقودنا هذه الحقيقة للتساؤل ثمّ الشكّ: أهل هي فعلاً quot;مكرمةquot; نادى بها الإسلام؟ أم أنها بدعة سيئة شَطَحَ فيها الفقهاء كما فعلوا في شأن زواج الطفلة وزعموا زواج النبي من عائشة وهي بنت الست سنوات؟

نجد عددا من الشيوخ الذائع صيتهم في مواقع الشبكة العنكبوتيّة كالشيخ أبو اسحاق الحويني، الشيخ محمد حسّان، الشيخ محمد حسين يعقوب وأحمد عبدالرحمن النقيب يتفقون (زعماً) في رأي الأئمة أن للمرأة ختاناً كما للرجل ختان. ويقول الشيخ محمد حسّان لمشاهد يسأله في إحدى حلقاته: (يا اخي اتعب شويّة وافتح كتاب من كتب الفقه بس خمس دقائق؛ فقه السنّة للشيخ سيد سابق، المغني لابن قدامة، الأم للإمام الشافعي، فتح الباري وصحيح البخاري، افتح أيّ كتاب. افتح أي كتاب من كتب الفقه أو الحديث وراجع وشوف كلام العلماء. لا تأخذ كلام محمد حسّان ولا كلام الشيخ فلان أو الشيخ علان). على صعيد آخر وبعد حادثة وفاة محزنة ndash; من آلاف الحوادث - بصعيد مصر أعلن وقتذاك مفتي الديار المصرية الشيخ علي جمعة أن ختان البنات quot;حرامquot;؛ كما وصف الشيخ محمد سيد طنطاوي بالأزهر أن عملية الختان ضارة. وحسبنا أن يجد أهلنا في هذا الحديث رداً ناجعا ننقذ به بناتنا ونحفظ به حقوقهن كطفلات اليوم وزوجات المستقبل.

حان الوقت يا سادتي ونحن في الألفيّة الثالثة من عمر الدهر ولسنا في عصر الجاهليّة أن نؤمن بضرورة إعمال العقل وإطلاق الاجتهاد إلي مداه الواسع وأن نتيقن من أن إصلاح الفكر الديني ما هو الا الخطوة الأولي علي طريق المواطنة والحرية والإسهام في الحضارة الإنسانيةrlm;.rlm;

[email protected]