صدى عالمي كبير لخطاب العاهل الأردني:

قالها العاهل الأردني بصراحة ووضوح وبلغة يفهمها الغرب والشرق والعدو والصديق: لا بديل لتسوية سلمية عادلة في اطار حل الدولتين. وحذر الملك من التقاعس وتضييع الوقت ومغبة التأجيل والـتأويل ونمو التطرف الذي يتغذى ويترعرع على استمرار الأزمات في المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

كان لافتا للنظر ان ملك الأردن تناول القضية الفلسطينية في خطابه الافتتاحي لبدء فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي السبت 25 مايو آيار الحالي وعاد ليؤكد أهمية ايجاد حل لهذه القضية المزمنة في خطابه الختامي الأحد 26 مايو آيار. قالها بصراحة متناهية امام الرئيس الفلسطيني محمود عباس وشمعون بيريز رئيس دولة اسرائيل وجون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة وأمام جمع غفير من رياديي السياسة والاقتصاد والفكر والاعلام ومن رجال أعمال ومنظمات دولية. وبدورهم وفي كلماتهم المتتالية ثمن جون كيري جهود الملك عبدالله الثاني الاستثنائية في تقريب وجهات النظر بين الفلسطينيين والاسرائيلين وكما فعل ذلك شمعون بيريز رئيس دولة اسرائيل. وبدوره أثنى الرئيس الفلسطيني محمود عباس وشكر الملك عبد الله الثاني على الجهود المضنية التي يبذلها جلالته في مساعدة الفلسطينيين على تحقيق هدفهم المنشود بتأسيس دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. كما سمعنا الثناء على اهتمام الملك بالقضية الفلسطينية من المفاوض الفلسطيني صائب عريقات ومن المناضل المخضرم رجل الأعمال المعروف منيب المصري الذي رفض اي حلول اقتصادية كغطاء للاحتلال وعبر منيب المصري عن تقديره لاهتمام العاهل الأردني بالقضية الفلسطينية بالقول quot;نشكر جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين على كرم الضيافة واستقبال جلالته لنا في هذا البلد المضياف الطيب الذي احتفل بالأمس بيوم استقلاله، والذي يحتضن هؤلاء الذين لغاية الآن لا يستطيعون العيش في بلدهم المجاورquot;.

لا بد من القول هنا ان كلمة الملك عبدالله الثاني في الجلسة الختامية للمنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الاوسط وشمال افريقيا حظيت باهتمام سياسي ودبلوماسي واعلامي على مستوى اقليمي ودولي. حيث تم الاشارة للخطاب وأهميته في عدد من الصحف الدولية ذات السطوة مثل الواشنطن بوست الأميركية ومواقع اي بي سي نيوز وفوكس نيوز والبي بي سي البريطانية وموقع العربية والجرائد الفلسطينية والعربية. كما تم اذاعة اجزاء من الخطاب في نشرات الاخبار العربية وغير العربية. لا يستطيع المراقب للملف الاقليمي الا ان يعبر عن اعجابه بالدور الأردني العقلاني والبراغماتي واعترف بذلك العديد من الشخصيات الدولية التي شاركت في فعاليات المؤتمر وعلى رأسهم كلوس شواب مؤسس ورئيس منتدى الاقتصاد العالمي وكذلك السيناتور جون ماكين الأميركي الجمهوري وجون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة وفرانسيس مود وزير الدولة للشؤون مجلس الوزراء البريطاني.

الأردن بموقعه الجغرافي والسياسي في المنطقة وجد نفسه في فوهة بركان هائج ولكن بحكمة وعقلانية قيادته الهاشمية الفذة استطاع ان يحافط على أمن واستقرار الأردن الذي يخطو خطوات حقيقية ملموسة في مجال الاصلاحات الاقتصادية والسياسية متجنبا بذلك التصدعات والعنف اللامسؤول الذي لحق ببعض دول ما يطلق عليه الربيع العربي. الربيع الأردنى بدأ عدة سنوات قبل الربيع العربي وحقق الكثير وسيحقق المزيد لأن هناك ارادة قوية من قبل القيادة الهاشمية للاستمرار في العملية الاصلاحية.

مبادرات خلاقة لكسر الجمود:

ولعل من ابرز ما وفره المنتدى هو المبادرات الخلاقة التي يدعمها ملك الأردن والرامية الى استئناف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية لكسر الجمود في عملية السلام وهناك شعور بالتفاؤل لأن العالم سئم من التعنت الاسرائيلي ولم يعد يقبل حالة الجمود واستمرار الاستيطان والخطوات الاسرائيلية الاحادية الجانب. وهذا ما سمعه واستوعبه شمعون بيريز رئيس دولة اسرائيل والوفد المرافق له. يبدو لي كمراقب ان ثمة بريق أمل يتواجد في الأفق حيث سنرى نضوج بلورة جهد دولي جاد وعملي بهدف استئناف مفاوضات الوضع النهائي والعمل على تحقيق حل الدولتين على اساس مبادرة السلام العربية وهو ما دأب الاردن على دعوة العالم اجمع لمساعدة الاطراف على تحقيق هذه الغاية.

ورغم ان القضية الفلسطينية تبقى من أهم الأولويات في الأجندة الأردنية الا ان فرصة انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي في البحر الميت رسخّت موقع الأردن على خارطة الاهتمام العالمي كواحة تنعم باستقرار وأمان وبنية تحتية متطورة تشجع رجال الأعمال على الاستثمار في المملكة وهذا بدوره يخلق فرص عمل مما يخفض نسب البطالة. وليس جديدا او غريبا ان رأس المال والمشاريع الاستثمارية تهرب من المجهولية والاضطرابات التي تعاني منها دول المنطقة. فالأردن يتمتع بميزات غير متوفرة في معظم الدول العربية باستثناء الدول الخليجية وهذه الميزات هي أن الأردن دولة مؤسسات وقوانين وبلد طيب ومضياف ويسوده الأمان والاستقرار السياسي والاجتماعي وتشريعات قانونية واضحة وقطاع بنكي سليم وقطاع خاص نابض بالحياة والنشاط وبنية تحتية قادرة على استيعاب المشاريع واستضافة اعداد كبيرة من الوفود وفوق كل ذلك يحظى الشعب الأردني بقيادة هاشمية حكيمة وواعية. الأردن الآن في موقع قوي ويستطيع ان يلعب دور سياسي فاعل ويحقق مكاسب اقتصادية ملموسة. وعلى مستوى شخصي انهي بالقول أنني قابلت اثناء فعاليات المؤتمر عدد كبير من الوفود العربية والدولية من رجال أعمال وأكاديميين وخبراء اقتصاد وسيناتور أميركي وصحفيين وبدون استثناء عبروا جميعهم عن اعجابهم بالأردن وملك الأردن والانجازات الهامة التي حققها الأردن.

لندن