من ينظر الى خارطة المنطقة، يجد ان العراق يقع في قلب الشرق الاوسط. لو قارناه مع موقع مصر مثلا، فانها فعلا تقع في قلب العالم العربي وتحيطها من كل ناحية البلدان العربية. بينما العراق، فهو يكاد ان يكون البلد العربي الوحيد المحاط بغالبية حدوده ببلدين غير عربيين(تركيا وايران). بل ان نصف حدود العراق هي مع ايران وحدها. ثم ان ايران وتركيا يعتبران اكبر قوتين سكانيتين وحضاريتين وعسكريتين ودينيتين واقتصاديتين وسياسيتين في المنطقة، ومتصارعتين طيلة التاريخ!

معلومات حدودية: يبلغ الطول الكلي للحدود العراقية: 3631 كم، حوالي نصفها مع إيران 1458 كم ثم مع الأردن 181 كم، ومع الكويت 242 كم، ومع السعودية 814 كم، ومع سوريا 605 كم، ومع تركيا 331 كم. ويبلغ الطول الكلي للسواحل البحرية 58 كم.

نبوغ العراقيين.. ومصائبهم، من موقعهم
ان موقع العراق في وسط بلدان الشرق الاوسط، وانه بلد خصيب وسهلي ومفتوح، قد جعله طيلة التاريخ محطة التقاء وبناء وصراع لشعوب المنطقة. أي ان هذه الموقع كان من ناحية ايجابيا لانه خلق هذا التنوع والثراء القومي والديني والمذهبي والثقافي لدى العراقيين وكان سبب نبوغهم وابداعهم الدائم. ولكنه ايضا كان عاملا سلبيا وسببا للتوترات والغزو الدائم وتحول العراق الى ساحة للتآمر والصراع بين الدول المحيطة. ثم المسألة الاخرى المهمة، ان جميع فئات الشعب العراقي مرتبطة كل منها بصور مختلفة باحدى الدول المحيطة، اما قوميا او دينيا طائفيا. وكثيرا ما استخدمت الدول المحيطة علاقتها ونفوذها لدى هذه الفئات العراقية من اجل تغذية المنافسة والصراع بين العراقيين، ومع الدول المحيطة.

ماهو المطلوب؟
من الخطأ الكبير والخطيئة التي لا تغتفر محاولة التغاضي عن هذه الحقيقة الجغرافية السياسية وتبرير الحقد ضد احدى او مجموعة الدول المحيطة، اما باسم القومية او الطائفة او الحزب. ان خطيئة النخب العراقية واحزابها في العصر الحديث انها تجاهلت هذه الحقيقة وجهدت خصوصا باسم(العروبة) و(الخوف الطائفي) الى تبرير الحقد والعنصرية ضد البلدين الجارين(ايران وتركيا). بل ان (العروبة البعثية) باسم (التقدم والثورة القومية) لم ترحم حتى(السعودية) و(الكويت) و(بلدان الخليج) وظلت تشن عليها حملات الحقد والعنصرية وتهم(الرجعية والعمالة)!!

لهذا يتوجب على النخب العراقية ان تعترف وتنسق بذكاء بين هاتين الخاصيتين للعراق:
1ـ نعم ان العراق(عربي)، ليس بالمعنى القومي العرقي، بل بمعنى الانتماء(الجغرافي التاريخي الثقافي) الى (العالم العربي)، وان له امتداد طبيعي وقومي ومصلحي مع بلدان الخليج جنوبا وبلدان الشام غربا.

2ـ نعم ان العراق(شرق اوسطي) بمعنى انه ينتمي واقعيا وجغرافيا وتاريخيا وسياسيا الى محيطه(الشرق اوسطي). وان له كل المصلحة والواجب ان يقيم علاقات ايجابية مع تركيا وايران مثلما مع السعودية والكويت وسوريا والاردن.

ليس هنالك أي خيار مستقبلي امام العراق غير ان تكافح نخبه واحزابه سياسيا وثقافيا وبالتنسيق مع نخب شعوب الشرق الاوسط لخلق (تيار ثقافي سياسي شرق اوسطي) شبيه بالتيار الاوربي الذي دفع نحو(الوحدة الاوربية).

أي تيار يدعو الى التقارب والتعاون والانفتاح السياسي والثقافي بين دول وشعوب الشرق الاوسط. وان تكون (بغداد) مثل (بروكسل في اوربا)،عاصمة شرق اوسط مستقر ومسالم ومتضامن بل حتى موحد مثل اوربا!

نعم ان استقرار العراق لا يتحقق الا باستقرار الشرق الاوسط.

جنيف

حزيران 2013