المجتمعات الشرقية تتغنى دائما بما يسمى الشخصية القوية، وتمدح كثيرا من تعتقده يمتلك هذه الصفة، ومفهومها للشخصية القوية هو: كل شخص مريض نفسيا يتصف بالصلف والوقاحة والسلوك العدواني التسلطي، حيث يثير هذا النوع فيها مشاعر (( الماسوشية اللاشعورية )) والرغبة بالخضوع والعبودية وتجد فيه أفضل من يغذي لديها هذا النزوع! و العدوانية في المجتمعات الشرقية تعد سلوكا شرعيا محببا.. فتسمع أحيانا بكل وقاحة بعض الأباء يفتخرون بأنهم إذا دخلوا الى البيت جميع أفراد العائلة تخرس وتصمت، وان أولاده أثناء الحديث معه لايرفعون نظرهم نحوه لأنه يفرض شخصيتهم عليهم، والأسوأ من هذا المديح والنفخ الذي تسمعه ممن تلبسته صفة العبودية وراح يطبل ويمجد ويردد فلان صاحب شخصية قوية! حتى بين المثقفين وفي الإعلام تجد رواجا كبيرا لمفهوم الشخصية القوية! ولكن هل توجد شخصية قوية فعلا؟ بحسب واحد من أفضل المحللين النفسسين المعاصرين بيير داكو يؤكد علميا لايوجد مايسمى شخصية قوية وماموجود هو شخص متوازن نفسيا أو غير متوازن، فالمتوازن يتصف سلوكه وقرارته ومواقفه بالإعتدال، وإحترام الناس وحريتهم وكرامتهم، وحتى لو كان قائدا فهو يمارس القيادة لتحقيق أهداف محددة بعيدا عن العدوانية والتسلط.. بينما غير المتوازن هو مضطرب في كل شيء وقد يكون مهملا ولاأباليا ومجرد شبح، وقد يكون عدوانيا يتعامل بوحشية مع المحيط. وغالبا ما يستند من يسمي نفسه صاحب شخصية قوية الى منصبه في السلطة، أو أمواله، أو الى قوة عضلية جسمانية، أو الى سلطة دينية أو عشائرية، وهو في داخله ((اللاشعوري )) شخص خائف من الناس لهذا يحاول الهرب من مشاعر الخوف والجبن وتجده يهاجم ويعتدي بالكلام أو السلاح حتى يثبت لنفسه انه قوي وشجاع وليس جبانا. من المؤسف في الثقافة الشرقية ينظرون الى الإنسان المسالم الرومانسي بإستصغار وإستهجان ويعتبرونه جبانا، ولهذا ترى معظم الرموز التي تحتفي بها هذه الثقافة على الصعيد الشعبي هم : قادة الحروب والقتل، وليسوا العلماء والمتصوفة والرهبان والأدباء والفنانين. عند غياب القوانين، وعدم وجود مجتمع مدني حقيقي، ولاتحترم الحريات العامة، وتختفي الديمقراطية، زائدا التربية الدكتاتورية المتسلطة داخل العائلة والمجتمع.. هذه العوامل وغيرها للأسف تنتج أشخاصا مرضى نفسيا تنمو فيهم نزعة الماسوشية والخضوع تتيح لأصحاب الميول العدوانية البروز وممارسة السلوك الهمجي.
- آخر تحديث :
التعليقات