لا تهدف هذه المقالة إلى الوقوف مع جهة مصرية ضد جهة أخرى، بل تهدف إلى نقل صورة ميدانية لبعض الوقائع التي تجري ويشهدها الشارع المصري من شخص ليس عابر سبيل بل درس وأقام في مصر ما لا يقل عن 18 عاما، ويزورها سنويا على الأقل مرتين، إلى حد يستطيع معه الإدعاء أنّه يعرف مصر سياسيها وكتابها وحواريها مثل أي مصر يقيم فيها منذ الولادة ولم يغادرها أبدأ، وهدفه أو أمله هو الخير والأمن للشعب المصري، وكافة الشعوب العربية التي يكفيها ما عانته من ظلم وفساد واستبداد. ويكتب هذه المقالة من القاهرة ميدانيا بعد أيام طويلة فيها.
مؤيدون و معارضون علانية وبدون خوف
رغم وجود العديد من الأحزاب المصرية ذات التوجهات السياسية المختلفة، إلا أنّ الوضع المصري بعد الثلاثين من يونيو 2013 ، الذي صادف مرور عام على تولي الدكتور محمد مرسي ( حزب الحرية والعدالة، جماعة الإخوان المسلمين) رئاسة جمهورية مصر بعد فوزه في انتخابات الرئاسة المصرية، شهدت هذه المناسبة حشودا مصرية شعبية مطالبة بعزل ورحيل الرئيس المصري، وتحرك القوات المسلحة يوم الثالث من يوليو بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي،وزير الدفاع، لعزل الرئيس المصري واحتجازه في مكان غير معروف حتى اليوم للجميع بما فيهم أسرته، والمفارقة العجيبة أنّ الرئيس مرسي هو الذي قام في الثاني عشر من أغسطس 2012 باتخاذ قراره المفاجىء بإلغاء الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس العسكري في يونيو/ حزيران، وإحالة المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة و رئيس الأركان الفريق سامي عنان وقادة أفرع الجيش إلى التقاعد، وتعيين اللواء عبد الفتاح السيسي بعد ترقيته إلى رتبة فريق أول قائدا عاما للقوات المسلحة ووزيرا للدفاع والإنتاج الحربي، ثم يقوم الفريق السيسي بالانقلاب على رئيسه. طبعا مع عدم نسيان أنّ القوات المسلحة تناست الحشود الجماهيرية المؤيدة لمرسي في نفس الوقت وفي ميادين غالبية المحافظات المصرية. عقب هذه الأحداث والتطورات، انقسم نسيج المجتمع المصري الذي يعرف العديد من الأحزاب إلى تيارين:
الأول،هو تيار أو تجمع المناهضين بشدة عارمة لحكم الرئيس مرسي خلال العام الوحيد الذي أمضاه في الرئاسة المصرية، معترفين أنّه تم انتخابه من الشعب، لكنّه فشل في إدارة البلاد وكانت سياسته حسب رأيهم عنوانها (أخونة الدولة) أي وضع كافة المؤسسات والهيئات تحت سيطرة الجماعة وقياداتها. وهذا التيار يعتبر نفسه أنّه بالملايين التي تفوق الأربعين مليونا، لذلك استجابت القوات المسلحة بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي لإرادتهم، وقامت بعزل الرئيس مرسي وتعيين المستشار عدلي منصور رئيسا مؤقتا، وقد أعلن فعلا وزارته الحكومية. و يعتبر ميدان التحرير في العاصمة المصرية القاهرة هو ميدان حشد وتجمع هذا التيار وسط ملاحظة مهمة وهي غياب الأمن عن هذا الميدان مما يعطي انطباعا بأنّ هناك التقاءا في التوجهات السياسية بين هذا التيار وقياداته وقيادة القوات المسلحة وقوى الأمن، لذلك يشهد الميدان حملة واسعة من الخطابات والبوسترات واللافتات الضخمة، يمكن تسمية عنوانها (شيطنة الإخوان المسلمين).
الثاني،هو تيار المؤيدين للرئيس مرسي وغالبيتهم من جماعة الإخوان المسلمين وحزبها (الحرية والعدالة) والعديد من الجماعات الإسلامية. ويتخذ أنصار هذا التيار ميداني رابعة العدوية بمدينة نصر و النهضة مقابل جامعة القاهرة أمكنة تجمع وحشد لهم، وهم أيضا يقولون أنّهم ومؤيدوهم بالملايين، وشعارهم هو ( ضرورة عودة الرئيس مرسي للرئاسة وعودة الدستور ومجلس الشورى الذي كان لجماعة الإخوان فيه الأغلبية المطلقة). ويقترب اعتصامهم من دخول شهره الثاني مصرّين على الاستمرار حتى تحقيق مطالبهم مهما كلّف الثمن. ويبدو أنّ الثمن سيكون مكلفا دمويا إذ كانت بدايته ما عرفت بمذبحة الحرس الجمهوري التي لاسقط فيها ما يزيد على ثمانين قتيلا ومئات الجرحى والمصابين. ومنذ تلك المذبحة لا يمرّ يوم دون سقوط قتلى من تيارات وتجمعات مختلفة.
ما هي توقعات نتائج هذا الانقسام المجتمعي المصري؟
الملاحظة التي لا يمكن تجاوزها ويستطيع المراقب والأطرش والأصم أن يلاحظها هي حجم الحملة الإعلامية والدعائية والتحريضية عبر وسائل الإعلام الورقية والإليكترونية والفضائيات التي تعدّ بالعشرات، ضد جماعة الإخوان المسلمين، مما يعطي الإنطباع بأنّ لا مستقبل لهذه الجماعة في الحياة السياسية المصرية بأي شكل من الأشكال، ويؤيد هذا الرأي القرارات الرسمية ومنها ما صدر يوم الجمعة التاسع عشر من يوليو حيث نقلت الأجهزة الأمنية ثمانية من قيادات جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة وبعض الإسلاميين المحتجزين عقب الانقلاب العسكري إلى سجن شديد الحراسة رغم أنّهم مسجونون احتياطيا و الذين تم نقلهم هم : محمد مهدي عاكف المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين و رشاد البيومي نائب المرشد العام و خيرت الشاطر نائب المرشد العام و محمد سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة و حلمي الجزار القيادي بحزب الحرية والعدالة وعبد المنعم عبد المقصود المحامي والشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل والنائب السابق محمد العمدة. ويمكن إطلاق إسم أو صفة (شيطنة جماعة الإخوان المسلمين) على هذه الحملة الدعائية التحريضية، خاصة أنّه صاحبها وقف بث العديد من الفضائيات ذات التوجه الإسلامي مما يجعل من الصعب ايصال وجهة نظرهم للجمهور في ظل سياسة الإقصاء والمطاردة هذه.
لذلك فالتوقع الأكثر ورودا حسب المعطيات السابقة، هو نفاذ صبر التيار المؤيد لعزل الرئيس مرسي والقوات المسلحة الداعمة له، مما سوف يستدعي قيام القوات المسلحة وقوى الشرطة والأمن بفض اعتصام التيار المؤيد للرئيس مرسي، حتى لو أدى ذلك لفرض الأحكام العرفية، خاصة أنّ هذه الظروف تتصاحب بانفلات أمني غير مسبوق في منطقة سيناء حيث لا يمرّ يوم دون اشتباكات وهجمات على مراكز الشرطة وسقوط قتلى من الطرفين الشرطة ومن يطلق عليهم الجماعات الإرهابية.
الخطورة في تطبيق هذا الاحتمال أنّه يعني تعطيل المسار الديمقراطي في الحياة المصرية وتفاقم سوء وتردي الوضع الاقتصادي الذي ما يزال يترنح بين صعود بسيط وترد كبير. وهو احتمال أتمنى أن لا يحدث رغم كل المعطيات في الحياة المصرية الداعمة لحدوثه، مما يعني اقصاء لجماعات ذات شعبية في المجتمع المصري وهذا ما لن تحمد عقباه لزمن طويل.
القاهرة
www.drabumatar.com