بعد التغيير الكبير الذي حصل في العراق سنة 2003 تم تقسيم البلاد تقسيما فريدا ليس هو بالقومي ولا بالمذهبي وانما خليط بينهما حيث تم التقسيم الى سنة و شيعة وكورد، وكأن الكورد ليس بينهم سنة وشيعة، كما تم تجاهل التركمان والمسيحيين باعتبارهم اقليات مما اضطر البعض الى المطالبة باصدار قانون يصرح بعراقية التركمان وانهم كباقي المواطنين في الحقوق والواجبات، وقد رأى العالم الويلات التي جرت على العراقيين بسبب هذا التقسيم الجائر، والذي بموجبه صار منصب رئيس الجمهورية من نصيب المكون الكردي ورئاسة البرلمان من نصيب العرب السنة ورئاسة الوزراء من نصيب الشيعة، ولا يخفى بان رئاسة الوزراء تعني السلطة التنفيذية التي تتحمل مسئولية الاخفاق والفشل امام التاريخ والبرلمان والضمير، وقد ثبت على ارض الواقع بان الشيعة في العراق امة منقسمة على نفسها لكثرة الاحزاب والمرجعيات، فهم لم يتفقوا حتى في القضايا الدينية والفتاوى بسبب تعدد المراجع والاختلافات بين وجهات النظر، ويظهر ذلك جليا في تعدد صلوات الجماعة في الحرم الواحد كما هو الحال في مرقد الامام الحسين عليه السلام، وهذا يعكس شدة الاختلافات الموجودة بين المراجع واتباعهم، وقد شهدت شخصيا بعض المداولات بين العلماء حول هذا الامر ومحاولة احد آيات الله لتوحيد هذه الصلوات واتحفظ على ذكر الاسماء، ولكنه من الضروري القول بان تلك المحاولات لم تصل الى اي نتيجة.

ان الشيعة من الناحية العقائدية موغلون في الطقوس وموغلون في الماضي واحداثه وقلما ينظرون الى المستقبل ولا يستفيدون من الدروس التاريخية لصالح المستقبل، وقد شهد حكمهم حالات ضعف وتراخي وقلة حزم في تدبير الامور وتسيير شئون الوزارات التي يشغلونها وهذه قصة طويلة تحتاج الى مقالات، والاخفاق في التعامل مع ملفات الامن والكهرباء مشكلة كبرى كما ان عدم التمكن من تعيين وزراء للدفاع والداخلية هو سابقة غبر مشهودة.

وفيما يخص المرجعية وهي اعلى سلطة دينية للشيعة، فقد كثر الحديث عنها، وقد جمعتني اجتماعات عديدة مع ارباب الفكر والقلم في لندن، واثناء الحديث بالساعات عن هموم المرجعية تبين بان هناك من يتعصب للمرجعية حد التقديس مقابل اناس يغمزون ويلمزون بالمرجعية حتى صار البعض يتحدث عن قرب انهيار المرجعية وهذه كارثة كبرى، او ان دور المرجعية كبير ولكنه ليس بمستوى الطموح ومنهم من يقارنها بمرجعيات فرق الشيعة الاخرى كالاغاخانية الاسماعيلية والبهرة بغية التفاضل ليصل الى نتيجة بان الاخرين هم الافضل في الاداء والتنظيم، وقد اخبرني غير واحد من العوام بان الشيعة لايعرفون كيف يحكمون بل وهم لا يصلحون للحكم وانما يصلحون للمشي ومسيرات

العزاء واللطم وقد سمعت ذلك بنفسي من سائق تكسي شيعي في بغداد، وهذه فكرة مؤلمة اخذها البسطاء عن المذهب.ويكاد يكون تعدد المراجع سببا لتفرق الامة الى درجة ان لا يتوحد المصلون على امام واحد في مرقد واحد كما قلنا، وقد دعا العديد من العلماء الكبار ازاءهذه المخاوف الى تطوير المؤسسة المرجعية وتوحيدها حتى لا تفترق الى ما يسمى بالمرجعية الرشيدة والمرجعية الصامتة والمرجعية الناطقة وغيرها من المسميات، علما بان وحدة المرجعية عامل كبير في توحيد الخطاب الشيعي وتوحيد المواقف من الدول والاحداث والمذاهب وغيرها، وكذلك فان توحيد المرجعية سيوحد صفوف الشيعة وهذه الوحدة ستكون عامل استقرار للمنطقة والدول المجاورة، وليس على غير الشيعة التخوف من قيادة واعية وموحدة تنظم طموح الطائفة ومشاعرها.

ان المرجعية الشيعية في العهود السابقة لجأت اضطرارا الى محدودية العمل والتفكير بسبب الاوضاع المحيطة التي استدعت الابتعاد عن السياسة، ولكن بعد التغيير تم اقحام المرجعية في اتون السياسة ووجدت نفسها طرفا هاما وطبيعيا في العملية السياسية وكانت لها مواقف مشرفة يسجلها التاريخ باحرف من ذهب، وقد كان السيد السيستاني صمام امان للعراق بجميع مكوناته ولولا حكمته وحنكته السياسية لكانت الطائفية البغيضة التقمت العراق باكمله واحرقت الاخضر واليابس، والمرجعية الشيعية لا تتمتع بتأييد العشائر والقبائل الشيعية فحسب وانما لها مكانة مرموقة لدى اقطاب السياسة من العرب السنة والكورد والتركمان وباقي الاقليات .

وفي مقارنة بسيطة نجد ان شيعة البحرين ولبنان وايران هم احسن حالا من شيعة العراق لاسباب قد لا تخفى على البعض، وقد عُرف عن شيعة العراق على عكس اخوانهم اهل السنة من العرب والكورد بانهم لا يستفيدون من الدروس السابقة ولم يتعلموا من الكورد كيف توضع الخلافات الشديدة جانبا من اجل المستقبل، حيث قدم الكورد مثالا يحتذى على نكران الذات وتغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة.

ان الفرد الشيعي الطموح في زمن البعث صار اداة طيعة للدولة ضد مذهبه وطقوسه وشعبه، والشيعة لم يكونوا خارج الحكم في العهد السابق، وقد كان هناك معممون ووزراء ومحافظون ومسئولون كبار من المنتمين لحزب البعث الحاكم حتى ان المدعو محمد حمزة الزبيدي وهو بعثي شيعي وصل الى منصب رئاسة الوزراء، ولا شك بان حزب البعث وعلى رأسه صدام حسين قد ذهب بعيدا في العلمنة ومعاداة العقائد واضطهاد العلماء وسياسة الاقصاء ومنع الشعائر، وتم قبول الامر الواقع على مضض من قبل الاكثرية، ولم يكن يجرؤ اي شخص او قبيلة على التظاهر والاحتجاج في حال اعتقال شخص مظلوم وتعذيبه وقتله واما الان فانه يخرج في مظاهرات واسعة على غير هدى متجرءا على الدولة للمطالبة بابسط الاشياء لمصالح فردية ضيقة،، والذين خرجوا في مظاهرات

صاخبة للتنديد بالطريقة الوحشية التي قتل بها الشيخ الشيعي المصري حسن شحاته لم يخرجوا يوما في اي تظاهرة للتنديد بالقتل اليومي للابرياء في العراق الجريح.

صحيح ان الزمن تغير والمقاييس تغيرت والناس لها السنة تحكي في اجواء الحرية اللامحدودة ولكن زعماء الاحزاب الشيعية اغفلوا هذا الجانب واغفلوا جانب الضمير والتاريخ وانغمسوا في الخلافات حتى باتوا في خطر حقيقي، وكنت اميل الى تسمية هذا المقال بـ ( شيعة العراق في خطر ) ولكني احجمت عن ذلك لتخفبف وطأة الكلمة وقد يتبادر الى الذهن لاول وهلة وكمتلازمة لفظية بان الخطر على الشيعة هو من اهل السنة والجماعة، فالحق هو بان الخطر المحدق بالشيعة ليس من اهل السنة لان الصراع بين الطرفين مفتعل وغير حقيقي، ولكن الخطر على شيعة العراق هو من شيعة العراق انفسهم ومن خلافات ساستهم وتعدد مرجعياتهم، ولقد فشلوا في الالتفاف حول قيادة واحدة قوية كما فعل شيعة ايران بالتفافهم حول السيد الخميني والالتزام بخطه الى الان، وقد شاهدنا كيف تم احتواء الانقسام الذي حصل في الشارع الاسلامي الايراني في عهد الرئيس احمدي نجاد وذلك من اجل مصلحة الوطن، وذلك الاحتواء الحكيم يجب ان يكون مثار اهتمام الباحثين وموضع اطلاع الدارسين لانه جنّب البلاد كارثة حقيقية.

وهذا المقال لا يعنى بقراءة تاريخ شيعة العراق وانما للتنبيه حول ما يجري في الفترة الحالية حيث يحكم الشيعة في اكثر الميادين ويديرون شئون محافظاتهم بانفسهم ولكن بطريقة بطيئة ومتعثرة، وقد سمعنا شكاوى الناس من ان مكاتب الاحزاب الاسلامية لايؤمها الجماهير ولا اصحاب الحاجات وان اعضاء البرلمان الا البعض منهم لا يتدخل مباشرة في دوائر الدولة لتمشية معاملات المواطنين التي تعاني صنوف العرقلة والروتين والتاخير والرشوة وغيرها، مع ان قضاء حوائج الناس فضلا عن كونه عبادة فانه من صميم عمل النائب، وذكر لي احدهم بان دوائر الدولة لا تعنى بتنفيذ اوامر وتوصيات المحافظ في بعض المدن وهذا يعكس سقوط هيبة الدولة من اعين الموظفين، في حين ان توصيات المحافظ في عهد النظام السابق كانت بمثابة اوامر يستلزم تنفيذها فورا في الدوائر الحكومية.

وعليه فان على الزعامات السياسية والمرجعيات الدينية وارباب الثقافة والفكر ان يعملوا جميعا على البحث عن اساليب جديدة وجادة لتوحيد صف الامة كي تستطيع مواجهة اعباء المرحلة القادمة والتي ستكون صعبة لا محالة بسبب التغيرات السريعة في الاوضاع الاقليمية والدولية.

ولكي لا يُفهم من قبل البعض بان هذا المقال طائفي، اقول بانه ليس كذلك ابدا وانا اصلا ضد الطائفية غير اني اقوم بشرح حالة قائمة ليس الا.