عنوان هذه المقالة هو حرفيا التعليق رقم 1 بتوقيع (المتابع القطري) على مقالتي الأخيرة المنشورة يوم السبت العاشر من أغسطس الحالي بعنوان ( هل يمكن فض اعتصامات الإخوان في ميادين مصر؟). وصاحب هذا التعليق ليس وحده من يحمل هذا التوجه الذي ينمّ عن حساسية معينة، فقد نشرت سابقا العشرات من عينة هذا التعليق على مقالات كتاب فلسطينيين تحديدا، وهي عادة كلما لم يعجب مضمون مقالة أحد القراء، وكون كاتبها فلسطيني الأصل، فتنهال التعليقات ضمن نفس المضمون ( يا أخي ما دخلك أنت كفلسطيني بالشأن المصري..أو السوري..أو البحريني..أو..أو...اهتم بقضيتك فلسطين). وغالبا ما يضيف بعض المعلقين تلك المقولة الكذبة التي روّجها البعض فيكتب قائلا ( فلسطين اللي إنتو بعتوها). وحسب متابعتي الصحفية قلم أقرأ تعليقا مشابها في المضمون يوجه لكاتب سوري أو عراقي أو مصري أو...كأن يقال لكاتب من هذه الجنسيات أو غيرها ( يا أخي ما دخلك كمصري بالشأن العراقي..أكتب عن وطنك مصر )..وبالمقابل أيضا وحسب متابعاتي وربما أكون مخطئا فلم أقرأ تعليقا لقارىء فلسطيني يقول لكاتب عربي ما معناه ( يا أخي ما دخلك أنت بالشأن الفلسطيني ، أترك القضية لأصحابها)...وهكذا..فما هي دلالات هذه المضامين غير اللائقة ولا الحضارية؟
1 . عدم جدّية وحقيقة مضمون quot;أمة عربية واحدةquot;
هذا الشعار الذي تمّ ترويجه عبر الدعوة للوحدة العربية منذ انقلاب جمال عبد الناصر عام 1952 الذي أطلق عليه اسم (ثورة)، وقام بتسويق الشعار خطابات حزب البعث quot; أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدةquot;، وانطلاقا من هذا الشعار الفضفاض سيّطر البعثيون على حكم سوريا والعراق عشرات السنين بالقمع والقتل والانقلابات على بعض، ونتيجة ايمانهم العميق والصادق بهذا الشعار، قامت بينهم وهم يحكمون سوريا والعراق من الحروب والمفخخات لم يقوموا بواحدة منها ضد الاحتلال الإسرائيلي، وظلت حدود (أمة عربية واحدة) مغلقة بين العراق وسوريا تحت حكمهم منذ عام 1979 تقريبا وحتى سقوط نظام صدام حسين عام 2003 ، وبعد حرب الإرهاب التي ما زال يشهدها العراق، سبق لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أن اتهم نظام البعث الأسدي في سوريا بأنّه يرسل الإرهابيين والسيارات المفخخة لداخل العراق، مطالبا اياه بالتوقف عن هذا الإرهاب ضد الشعب العراقي. أما الحروب العربية-العربية فهي أكثر واشرس من حروبهم مع الاحتلال الإسرائيلي، ويكفي التذكيربعناوين الحرب المصرية الليبية في زمن السادات والقذافي، والحرب الجزائرية- المغربية، والمصرية-السودانية بسبب منطقة حلايب الحدودية، وأقذرها حرب نظام صدام واحتلاله دولة الكويت لمدة قاربت السبعة شهور من أغسطس 1990 وحتى طرده منها عبر تدخل قوات التحالف الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في السادس والعشرين من فبراير 2004 . والمدهش في حرب قوات التحالف هذه انّه شارك فيها جيش البعث الأسدي ضد جيش البعث الصدامي، كما شاركت فيها جيوش عربية أخرى من مصر والمغرب وغيرها ومن عدة دول إسلامية أيضا. ويكفي التذكر ان الدعوة للسوق الأوربية المشتركة جاءت متأخرة سنوات عديدة عن دعوة القومية والوحدة العربية، ورغم ذلك يعرف الجميع أنّه منذ توقيع اتفاقية quot;شينجنquot; في يونيو 1985 ، يتنقل مواطنو 30 دولة بين هذه الدول بدون تأشيرات دخول وبدون ابراز جواز السفر في أغلب الدول والحالات، بينما (أمة عربية واحدة) أغلب مواطنيها يحتاجون لتأشيرات دخول مسبقة خاصة عند السفر لدول مجلس التعاون الخليجي واجراءاتها معقدة إذ تحتاج لكفيل محلي وغيرها من الإجراءات التي يجعلها مستحية في أغلب الحالات. وفي مصر بعد سيطرة القوات المسلحة في الثالث من يوليو 2013 أصبح حملة الجنسيات السورية والفلسطينية واليمنية بحاجة لتأشيرة دخول مسبقة قبل السفر إلى مصر.
2 . شيطنة الفلسطيني في أغلب الأقطار العربية
لا يجرؤ الكثيرون من الفلسطينيين والعرب على الاعتراف بهذا الواقع المعاش في غالبية الأقطار العربية، وهو النظرة الخاصة للفلسطيني التي لا تخلو من الكراهية والبغض لدى غالبية الشعوب والحكومات، ويكفي التذكير بأنّ حامل (وثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين) سواء كانت مصرية أم لبنانية أم سورية أم...من المستحيل الحصول له على تأشيرة دخول لغالبية الدول العربية. وبعد اندلاع ثورة الشعب السوري ضد نظام الأسد في مارس 2011 تسمح دول الجوار بدخول اللاجئين السوريين بمئات الألاف إلا إذا كان هذا اللاجىء فلسطينيا مقيما في سوريا فيمنع من دخوله لتلك الدول. ومن المفارقات المضحكة المبكية انّ النظام الجديد في مصر بعد الإطاحة بالرئيس مرسي وحبسه على ذمة التحقيق في عدة قضايا، اهمها وأخطرها حسب النظام هي (التخابر مع حركة حماس كجهة معادية تعمل من أجل ضرب الاستقرار في مصر). أمّا التخابر مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وإرسال رسالة من مرسي لشيمعون بيريز يخاطبه فيها بقوله (الصديق العزيز...) فهي ليس من ضمن تهم التخابر التي قام بها مرسي. وللعلم أيضا فإنّه رغم انتماء مرسي لجماعة الإخوان المسلمين وكذلك حركة حماس، إلا أنّ حكومة مرسي طوال عام كامل من حكمها لم تخفف اجراءات العبور والدخول من وإلى معبر رفح بين القطاع ومصر، بالعكس كانت اجراتءات العبور والسفر عبر المعبر في زمن نظام الرئيس حسني مبارك أكثر تدفقا ومرونة وسهولة. فلماذا هذه النزعة العنصرية الإقليمية العربية ضد اللاجىء الفلسطيني؟.
3 . هل باع الفلسطيني أرضه ووطنه للمحتل الإسرائيلي؟
هذه النظرة أو الفكرة يواجهها العديد من الفلسطينيين، واشتكى أو قال لي أكثر من كاتب فلسطيني أنّه سمع وواجه هذه التهمة في أكثر من قطر عربي. لا مجال للتفاصيل في هذا الموضوع ففيه وعنه كتبت الكثير من الدراسات، ولكنها كما يقول الكاتب الأستاذ صقر أبو فخر: (ما زالت قصة بيوع الأراضي في فلسطين، حتى اليوم، سائرة في الأفواه والأقلام من دون أي تبصر أو تمحيص، بل إنها باتت تهمة شائنة وُصم بها اللاجئون الفلسطينيون أينما حلّوا. ومع أن أربعاً وستين سنة قد مضت على النكبة، وصار من البدهي أن يكون أي عربي عارفاً تفصيلات هذه القضية بدقة، إلا أن الجهل حيناً، والعنصرية أحياناً، والكيدية في كثير من الأحيان، كان لها شأن كبير في استمرار الغموض الذي تجلببت به عمليات بيع الأراضي، ولم تنقشع غشاوة هذه القضية بتفصيلاتها كلها حتى اليوم ). وعموما أغلب الدراسات حول هذا الموضوع تجمع على أنّ ما تمّ بيعه للمستوطنين اليهود لا يزيد عن 6 في المائة من مجموع مساحة فلسطين التاريخية، وقامت بها عائلات فلسطينية وسورية ولبنانية لا داعي لذكر أسمائها كي لا نثير مشاكل جديدة، وأغلب هذه الأسماء مذكورة في دراسات فلسطينية وعربية وعبرية. ولكن السؤال المنطقي هو: هل كان هذا البيع يتمّ مع علم هذه العائلات بمخطط بريطاني يهودي صهيوني لقيام دولة إسرائيل واحتلال فلسطين؟ أعتقد لا..فهذه النسبة البسيطة من مساحة فلسطين كان يتم بيعها ضمن عمل تجاري بحت، تماما كما يأتي بريطاني أو أمريكي اليوم لشراء قطعة أرض أوشقة سكنية في دولة عربية حسب السعر المعروضن هل يقال له: لا؟
4 . استغلال الأنظمة والأحزاب العربية للقضية الفلسطينية،
لترويج القمع والفساد والهيمنة، فقد كانت وما زالت القضية الفلسطينية شماعة تعلق عليها الأنظمة والأحزاب العربية يمينية وقومية ويسارية كل مساوئها وسرقاتها، وبالتالي أدّى ذلك لتراجع القضية الفلسطينية في الوجدان العربي، فأصبحت مجرد موضوع خطابات في المناسبات ( لا صوت يعلو على صوت المعركة) والمعركة موجهة ضد الشعوب العربية فقط. فانعكس هذا الواقع حساسية مضادة نحو اللاجىء الفلسطيني أينما أقام وعمل. لذلك فإذا كنا شعوبا وقراءا ومعلقين نؤمن ب ( أمة عربية واحدة ) فمن حق أي عربي من أية جنسية حتى لو كان فلسطينيا أن يكتب ويعلق على أحداث أية دولة أخرى، من مدخل التأكيد على هذا الشعار وأنّها (ذات رسالة خالدة).
التعليق المتوقع
أتوقع من بعض الإخوة القراء أن يكتب تعليقا يقول فيه ( يا أخي هل هذا هو الوقت المناسب لهكذا طرح، بينما يقوم الأمن المصري بمحاولات لفض اعتصامات جماعة الإخوان المسلمين بالقوة؟).
www.drabumatar.com