تشهد مصر منذ يوم الأحد الثلاثون من يونيو الماضي مظاهرات غير مسبوقة أي لم تشهدها مصر سابقا حسب تقديرات الجيش المصري نفسه، وهي مظاهرات للطرفين المتقابلين أي جماعة الإخوان المسلمين والعديد من الجماعات الإسلامية دعما لشرعية وبقاء الرئيس مرسي المنتخب عبر صناديق الانتخابات، والطرف المقابل لقوى المعارضة من الحركة التي أطلقت على نفسها quot;تمردquot; و الأحزاب أو الجماعات التي يقودها تحديدا محمد البرادعي و حمدين صباحي وقوى أخرى عديدة، تطالب جميعها برحيل وتنحي الرئيس مرسي فورا، وقد خرجت المظاهرات والتجمعات عن سلميتها حيث شهدت حالات اغتصاب للعديد من السيدات المصريات وصحفية هولندية، كما وقع العديد من القتلى ومئات الجرحى وإغلاق غالبية المصالح الحكومية من قبل المتظاهرين خاصة مجمع ميدان التحرير ، كما تمّ اقتحام المقر الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين واتلاف محتوياته في منطقة المقطم بالقاهرة، وحرق أكثر من مقر للإخوان في المحافظات المصرية. لذلك فالاحتمالات المتوقعة مفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها تدخل الجيش إذا انزلقت البلاد نحو هاوية الحرب الأهلية كما ألمح وحذّر الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع المصري وإعطائه مهلة 48 ساعة لكافة القوى بما فيها الرئاسة لتلبية مطالب الشعب حسب قول البيان، الذي رفضته الرئاسة المصرية وغالبية القوى الإسلامية معلنة ( أنّ الانتخابات الرئاسية المبكرة على رقابنا) أي أنّها ستقاتل حتى انهاء الرئيس مرسي ولايته لأربع سنوات، هذا و تراقب قيادة الجيش المصري الموقف من غرفة عمليات خاصة أقيمت لهذا الغرض، خاصة أن ناطقا باسم الرئيس مرسي أعلن أنّ تنحي الرئيس غير مطروح.
وماذا بعد إن حصل التنحي؟
لنفترض أنّ الرئيس مرسي استجاب لمطالب تنحيه رغم عدم شرعيتها دستوريا كونه انتخب عبر صناديق الانتخاب الشعبية، وأوكل قيادة البلاد إلى حكومة مؤقتة أو لقيادة الجيش لمدة ستة شهور تجري خلالها انتخابات نيابية ورئاسية نزيهة وشفافة. من هو المرشح الذي سينجح رئيسا لمصر في هذه الانتخابات؟ الاحتمالات المتوقعة حسب المعطيات السائدة في التظاهرات المصرية وقياداتها، أنّ الرئيس الجديد لن يكون إلا واحدا ممن يلي:
1 . مرشح جديد لجماعة الإخوان المسلمين وحزبها (الحرية والعدالة) يكون بديلا لمحمد مرسي، كون الجماعة ذات حضور شعبي واسع، ومدعومة من عدد كبير من الجماعات الإسلامية التي تتظاهر الآن مع الجماعة من أجل بقاء الرئيس مرسي، ومن أهم هذه الشخصيات ملياردير الجماعة خيرت الشاطر أو نائب حزبها ( الحرية والعدالة ) الدكتور عصام العريان.
2 . المرشح الرئاسي الخاسر سابقا الفريق أحمد شفيق الذي يعيش خارج مصر منذ خسارته انتخابات الرئاسة السابقة في مايو 2012 .
3 . الدكتور محمد البرادعي، مؤسس ورئيس حزب الدستور بعد انسحابه من انتخابات الرئاسة المصرية في يونيو 2012 .
4 . السيد حمدين صباحي، ذو التوجهات الناصرية القومية، والمرشح الخاسر لانتخابات الرئاسة الأخيرة في مايو 2012 ، ومؤسس ورئيس حزب الكرامة.
5 . السيد عمرو موسى وزير الخارجية المصري الأسبق، و الأمين العام السابق للجامعة العربية، وخسر أيضا الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة.
هذه هي الأسماء الأكثر تداولا وحضورا في الشارع المصري للرئيس الجديد القادم في حالة تنحي مرسي وقيام انتخابات رئاسية جديدة شفافة ونزيهة.
فمن منهم سيقبله الشارع المصري رئيسا؟
1 . الفريق أحمد شفيق،وزير الطيران المدني سابقا، وتسلم الرئاسة مؤقتا من الرئيس حسني مبارك في الفترة من التاسع والعشرين من يناير 2011 إلى الثالث من مارس 2011 ، إذا فاز بالانتخابات الرئاسية الجديدة فسيجد من المعارضين أكثر مما يواجه الدكتور محمد مرسي الآن، لأنّه سبق ان خسر الانتخابات ولأنّه فرّ خارج البلاد وضده عدة قضايا فساد ترقى لمئات الملايين من الدولارات خاصة في زمن تسلمه وزارة الطيران المدني، وأيضا لأنّ كافة القوى المعارضة تعتبره من زلم وأنصار نظام حسني مبارك الذين يطلق عليهم الشارع المصري اسم (الفلول). ولا أعتقد أنّ القيادات العسكرية الجديدة ستدعمه رئيسا لمصر، لأنّه أمضى في الخدمة سنوات طويلة وآن الأوان له ليغادر الحياة الساسية ويتقاعد مثل الكثيرين، خاصة في ظل السلوك الحضاري للمشير حسين طنطاوي الذي غادر بهدوء بعد اقالته من الرئيس مرسي.
2 . المرشحون الآخرون محمد البرادعي و عمرو موسى و حمدين صباحي،حسب معطيات الحراك الشعبي المصري فهم لا يحظون بشعبية واسعة تسمح بانتخاب واحد منهم رئيسا جديدا، بدليل أنّ البرادعي انسحب من الانتخابات الرئاسية السابقة في مايو 2012 التي أوصلت مرسي للرئاسة، لأنّه أدرك عدم امتلاكه لشعبية وجماهيرية واسعة في نسيج المجتمع المصري، حيث يتهمه القوميون والناصريون بانّه تواطأ أثناء رئاسته للهيئة الدولية للطاقة النووية في فيينا لتبرير الغزو الأمريكي للعراق. وكذلك حمدين صباحي و عمرو موسى فقد سبق أن لم ينجحا في الانتخابات الرئاسية السابقة، وكانت نسبة الأصوات التي حصلا عليها ضئيلة قياسا بنسبة الأصوات التي أوصلت محمد مرسي للرئاسة.
3 . وماذا عن ردود الفعل إذا نجح مرشح إخواني؟. وأيا كانت نسبة حدوث ذلك فهو سؤال تطرحه التظاهرات الحالية بقوة، لأنّ هذه التظاهرات ضد حكم الإخوان تعني بوضوح و صراحة أنّ هؤلاء المتظاهرين ايا كانت نسبتهم من الشعب المصري، لن يرضوا عن رئيس إخواني جديد مهما كان اسمه حتى لو وصل للرئاسة عن طريق صناديق الانتخابات بدليل ثورتها ضد مرسي الذي أوصلته نفس الصناديق للرئاسة.
إذن ما الحل في ظل هذه المعطيات السائدة؟
أرى أنّ الحل هو أن تتوافق كافة القوى المصرية المعارضة لحكم الإخوان والمؤيدة له على ضرورة احترام أسس الديمقراطية التي تعني احترام نتائج صناديق الانتخابات أيا كانت هوية وخلفية من يختاره الشعب عبر انتخابات نزيهة شفافة برقابة محلية وعربية ودولية بدون حدود وقيود. وبدون ذلك نبقى أمام احتمالين لا ثالث لهما: استمرار الفوضى والقتل والتدمير أو إمساك الجيش المصري بالسلطة كي لا تصل مصر لمرحلة الخراب، وإن أمسك الجيش بالسلطة لا نعرف متى ستحترم كافة القوى نتائج صناديق الانتخابات مما يسمح للجيش بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة. التحليل السابق مبني على المعطيات السائدة حتى كتابته، وليس مستبعدا حدوث تطورات جديدة غير متوقعة تنسف أغلب هذا التحليل، وعندئذ لا مسؤولية على الكاتب فهم مجرد رأي حسب المعطيات السائدة حتى لحظة الكتابة.
www.drabumatar.com