من الأصغر إلى الأكبر:

في يوم من الأيام من سنوات الثمانينات من القرن المنصرم سقط حجر صغير من الفضاء الخارجي وكان قد هبط من السماء إلى الأرض قبل 13 ألف سنة بعد قذفه من سطح المريخ إثر اصطدام كوكب المريخ بنيزك ضخم قبل خمسة عشر مليون سنة لكن ذلك الحجر غير مفهومنا عن العالم والحياة. عثر العلماء على هذا الحجر في مكان ما في القطب الجنوبي Antarctique وبعد الفحص والتحليل اكتشف العلماء وجود كائن ميكروي أو بقايا بكتريا على شكل بويضة غير معروفة للبشر أي أن هناك حياة ما كانت موجودة على سطح المريخ قبل 8،3 مليار سنة مما أرغمنا على تغيير طريقتنا في التفكير والنظر إلى أنفسنا. بات بإمكاننا أن نقول وبكل ثقة أن هناك احتمالاً كبيراً ألا تكون الأرض هي المكان الوحيد في الكون الذي يحتضن الحياة وهو الاحتمال الذي تسعى مهمة كيروزيتي اليوم لإثباته على سطح المريخ بعد أن مضى سنة كاملة على هبوطها على سطح المريخ ومباشرتها بعمليات الحفريات والتحليل الجيولوجي والبيولوجي هناك. فالكون مليء بالأعاجيب والأسرار ولم ندرك نحن البشر سوى جزء مجهري صغير من أسراره وماهيته وحقيقته الغامضة، فكوكبنا، وشمسنا، ونظامنا الشمسي، بل وحتى مجرتنا برمتها لا تمثل سوى ذرة غبار في مكونات الكون المرئي فيما بالك لو حسبناها بالنسبة للعدد اللامتناهي من الأكوان التي تملأ الوجود من اللامتناهي في الصغر إلى اللامتناهي في الكبر؟ ولكن كيف لنا أن نقوم بمقاربة علمية لهذا الكون وماهي النظرية العلمية التي ستتيح لنا القيام بذلك؟ هل هي النظرية النسبية الخاصة والعامة لاينشتين أم النظرية الكوانتية أو الكمومية أم الإثنين معاً أم نظرية أخرى أشمل وأكمل تجمع الاثنين وتتجاوزهما وهي نظرية كل شيء؟.

هل بمقدور الفيزياء الكمومية أو الكوانتية physique quantique أن تصف لنا الكون المرئي برمته وبكل ما فيه؟ علينا أن نتذكر أن النظرية الكمومية أو الكوانتيهtheacute;orie quantique لا تخبرنا عن كيفية إنتقال أو تحول جسيم أونظام ما من الحالة أ A إلى الحالة ب B. التفسير التقليدي للفيزياء الكمومية أو الكوانتية هو تفسير مدرسة كوبنهاغن eacute;cole de Copenhague وهذه تؤكد أننا عندما لا نراقب أو نرصد أو نشاهد observer نظام ما فإن هذا الأخير سيكون موجوداً على نحو تراكمي وتداخلي واندماجي أو في حالة تراكب superposition لكافة حالاته الممكنة التي يمكنه اتخاذها أوتبنيها واعتمادها adopter وإن فعل القياس أو مجرد النظر والمشاهدة يؤدي إلى تقليص أو اختزال لدالة الموجة fonction drsquo;onde إلى حالة من مجمل الحالات الممكنة التي يتم اختيارها فقط استناداً على قاعدة احتماليتها bas de sa probabiliteacute;، وعندما نتوقف عن عمل قياس لنظام ما أو التوقف عن مشاهدته فإنه يذوبdilue أو يتشعشع بالمعنى الكمومي أو الكوانتي حيث تتشتت حالة اليقين السابقة la certitude إلى وضعية تراكبية تداخلية لكم من الحالات الممكنة في إطار مبدأ الريبة أو اللايقين الكوانتي أو الكمومي إلى أن يتم قياسه أو مشاهدته من جديد حيث سيبدو بوضع جديد مختلف عن سابقه. إن تفسير الشكلانية الكمومية أو الكوانتية interpreacute;tation du formalisme quantique يعطي نتائج جيدة عندما يطبق لتوقع أو التنبوء بسلوكيات الذرات أو الجسيمات ما دون الذرية subatomique. بيد أن تطبيق تفسير كوبنهاغن على الكون المرئي أو المنظور كله تنشأ مشاكل عويصة وصعوبات تنتصب في أمامنا إلى جانب إن أن المحاولة تبدو مخالفة للمنطق المألوف. يمكننا أن نتخيل أو نتمنى أن يكون الكون المرئي قابلاً للوصف بأدوات وصيغة دالة الموجة الكوانتية أو الكمومية حتى لو شعرنا في الواقع أننا عاجزون عن وصف دالة الموجة للكون المرئي الكبير. فبما أنه، بحكم البديهي أن الكون المرئي يحتوي كل ما نعرفه، بما فيه أنفسنا، في داخله، فلن يوجد أحد خارجه لقياسه أو رصده ومشاهدته من خارجه لذلك لن تختزل دالة الموجة فيه إلى حالة كوانتية أو كمومية واحدة فقط، وبالتالي فإن الطريقة الصحيحة لحساب احتمالاته التي تصف سلوكيات الكون هو استخدام التفسير البديل للميكانيك الكوانتي أو الكمومي meacute;canique quantique وهو التفسير المعروف باسم تفسير العوالم المتعددة interpreacute;tation du mondes multiplesوالذي يمكن من خلاله حساب تأثيرات كافة دلالات الموجات الممكنة لنظام، من خلال استخدام تكنيك إجمالية منهج فاينمان technique des inteacute;grales de chemin de Feynman بغية انتاج صياغة تقدم وصفاً رياضياتياً شامل وجامعاً لنظام التحول او الانتقال من الحالة أ A إلى الحالة ب B.

لقد حاول العالم البريطاني الفذ ستيفن هاوكينغ Stephen Hawking أن يحسب رياضياتياً تطور صيغة بسيطة للكون لا تحتوي سوى على زوجين من الحقول deux champs الأول للجاذبية أو الثقالة graviteacute; والثاني للمادة matiegrave;re وتبين أن هذا النموذج الرياضياتي البسيط لهاوكينغ والذي أسماه minisuperspace له تشابه كبير، إن لم نقل، تطابق تام، مع الكون الواقعي مما يمكننا من استنتاج خطوط تطوره العامة ولقد تعمد هاوكينغ اختيار أدوات أساسية قدمتها له الفيزياء الكوانتية أو الكمومية عندما يتم الجمع بينها وبين النسبية العامة لآينشتين وتشير إلى وجود فرادة singulariteacute; محتومة لا يمكن تفاديها، وبمقدار t=0.

النسبية العامة تصف لنا الكون على المستوى الماكروسكوبي macroscopique عكس النظرية الكوانتية أو الكمومية التي تصف لنا الكون بمستواه الميكروسكوبيmicroscopique، وبفضل النظريتين توصلنا إلى معرفة القوى الكونية الجوهرية الأربعة التي تسير الكون المرئي أو المنظور وهي قوة الثقالة أو الجاذبية، والقوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية الشديدة أو القوية والقوة النووية الضعيفة. ولكن يبدو أن العلماء قاموا بفتح علمي جديد واكتشفوا قوة جديدة قد تكون أقوى من الجاذبية أو الثقالة وهي قوة الجسم الأسود quot;la force de corps noir. والمعروف أن الأجسام السوداء تنتج إشعاعاً يعرف من خلال تأثيره المنفر. ولكن يبدو أن هناك خاصية جديدة لقوة الجسم الأسود تم كشفها وفقاً لدراسة جديدة تنافس قوة الجاذبية أو الثقالة، وهذه القوة تعمل بصورة مشابهة ولو على نحو قليل لعمل الجاذبية وتقوم بجذب الاشياء نحو الجسم الاسود.

فالأجسام السوداء، والاجرام السماوية غير العاكسة تماماً، تقوم بتحويل الطاقة الذرية للجزيئات التي تقع حولها بما يعرف باسم quot;تأثير ستاركquot; Lrsquo;effet Stark ويحدث هذا عندما يقوم الحقل الكهربائي المخلوق بواسطة شعاع الجسم الاسود بأرسال الفوتونات الى الجزيئات والذرات المحيطة بها و التي غالباً ما تخلق الطاقة المنفرة التي اعتدنا على رؤيتها حول الاجسام السوداء، ولكن اذا كان مستوى الطاقة للفوتون صحيحاً والجسم الاسود المُشع اقل من 6،000 درجة كلفن، فأنه يخلق قوة جاذبية اكبر من ضغط الاشعاع، وفي بعض الحالات، اكبر من قوة الجاذبية.

إن قوة الجسم الاسود هذه تؤثر فقط على الجزيئات الصغيرة في الكون، على الرغم من ان له تأثير على السيناريوهات الفيزيائية الفلكية الاساسية. ويعكف الفريق العلمي النمساوي الذي اكتشف هذه القوة، على معرفة كيفية تأثيرها على الغبار الكوني المتواجد بين النجوم وبين المجرات. ويعتقد العلماء إن هذه الحبيبات ما دون الذرية الحجم تلعب دوراً مهماً في تشكيل الكواكب والنجوم او في الكيمياء الفلكية. وهناك تساؤلات حول كيفية تفاعلها مع غاز الهيدروجين على نحو خاص او تفاعلها مع بعضها البعض إلى جانب معرفة كيفية تأثير قوة الثقالة أو الجاذبية الإضافية على ديناميكية الذرات والغبار الكوني كما صرح العالم سونيلتنز في جامعة انسبروك. لم ينجح العلماء في تكرار هذا التأثير مختبرياً وفي حالة نجاحهم سيشكل فتحاً علمياً جديداً ويسلط الضوء أكثر على تلك القوة الكونية الجديدة التي تعمل أو تؤثر على الأشياء أو الأجسام الصغيرة فقط حالياً. يتبع

quot;نظرية الأكوان المتعددة أو Multiverse تقول أن هناك أكوان أخري مشابهة لكوننا و لكن النهايات مختلفة، فقد يكون هناك نسخة منك في كون موازي و هو ميليونير!quot;

mdash;
هذه النظرية لم تاخذ صدى واسع في الفيزياء الا بعد ان طرحت النظريات التي تفترض وجود ابعاد اضافية مثل نظرية الاوتار الكمومية او الاوتار الفائقة (super string theory ) التي طرحت في عام 1970 من قبل جون شفارتز و جول شيرك، هذه النظرية تفسر شكل الطاقة و المادة و افترضت وجود 11 بعدا اضافيا تضاف الى الابعاد الفراغية الثلاثة (الطول العرض الارتفاع) و البعد الزمني و هذا بدوره دعم نظرية الاكوان المتوازية.

في عام 1954، تقدم طالب الدكتوراه في الفيزياء في جامعة برينستون هيو إيفيرت بفكرة جديدة على الوسط العلمي الفيزيائي آنذاك وجذرية تقول بوجود أكوان متوازية، تشبه بالضبط كوننا المرئي أو المنظوروهناك علاقات من نوع ما بين كوننا المرئي وتلك الك الأكوان الموازية. بل هي في الحقيقة متفرعة عن كوننا وهو بدوره متفرع من أكون أخرى سبقته. فإذا كانت قوات الحلفاء قد انتصرت في الحرب العالمية الثانية في كوننا المرئي فقد تكون قوات المحور بقيادة ألمانيا النازية هي التي انتصرت في كون موازي لنا. وكذلك الأنواع من الكائنات الحية المنقرضة في كوننا قد تكون ما تزال على قيد الحياة ومتطورة بيولوجياً في الكون الموازي ويكون النوع البشري هو المنقرض والشمبانزي هو المتطور والعاقل والواعي في الكون الآخر.كانت الفكرة مذهلة رغم عدم قابلية الكثيرين على تصديقها لكنها يمكن أن تفهم، فالموضوع كان مطروقاً في قصص وحكايات وأفلام الخيال العلمي فحسب فكيف خاطر طالب علم شاب في مقتبل عمره العلمي بمستقبله العلمي والمهني وتجرأ على طرح هذه الفكرة أو ما سمي فيما بعد بنظرية الأكوان الموازية؟ الحقيقة أن فيزياء الكم و الكونتا التي تعالج مستوى مادون الذري أو اللامتناهي في الصغر، هي التي فتحت الأبواب أما علماء طموحين كإيفريت للتصدي للألغاز مبهمة كشفها ميكانيك الكموم أو الكوانتا مثل لماذا تتصرف الأجسام أو الحدات الكمومية بطريقة غير منضبطة أو غير منتظمة حسب مبدأ الريبة أو اللايقين principe drsquo;incertitude؟ من المعروف أن المستوى الكمومي أو وحدة الكوانتا هي أصغر وجود مادي أكتشفه العلم حتى ذلك لوقت في بدايات القرن العشرين المنصرم، حيث بدأت الجامعات بتدريس فيزياء الكم أو الكونتا منذ سنة 1900 حينما قدم العالم الفذ ماكس يلانك هذا المفهوم لأول مرة للوسط العلمي وسط ذهول الجميع ونفور البعض منهم. فدراسات ومقاربات ماكس بلانك للإشعاع وشعاع الجسم الأسود، قادت إلى اكتشاف ظواهر تتعارض وتناقض قواني الفيزياء التقليدية. مما يعني إمكانية وجود قوانين أخرى خفية مختلفة في الكون المرئي غير تلك المكتشفة آنذاك. وهي قوانين تسير مستويات لم يعرفها البشر من قبل هي مستويات اللامتناهي في الصغر وما دون الذري التي لا يمكن تطبيق قوانين نيوتن أو النسبية عليها. وبعد التمعن والتعمق في دراسة المستويات الدنيا للمادة وتعامل العلماء معها على مستوى الكم أو الكوانتا لاحظوا أشياء غريبة عن منطق العالم المادي الماكروسكوبي المألوف لديهم. فالجزيئات أو الجسيمات الأدنى من الذرة كالالكترونات والفوتونات والكواركات وما دونها تتخذ أشكالاً ومواضعاً وسرعات على نحو عشوائي أو اعتباطي ظاهرياً فلا مكن حساب السرعة والموقع في آن واحد ويتغير فعل وشكل الجسيم ما دون الذري بمجرد مراقبته أو قياسه كما لاحظوا أن رزم الضوء التي اعتبروها موجات كانت تتصرف أحيناً كجسيمات وهكذا صار للفوتونات طبيعة مزدوجة فهي في آن واحد موجات وجسيمات أو بصورة متناوبة حتى مع الفوتون الواحد وليس فقط مع حزمة من الفوتونات. فالمادة في المستويات اللامتناهية في الصغر تكون في نفس الوقت في حالة صلبة وغازية وسائلة وبلازما وربما حالات أخرى غير معروفة للبشر في الوقت الحاضر. وهذا هو مبدأ الريبة أو عدم اليقين لهايزنبرج Heisenberg Uncertainty Principle. الفيزيائي ldquo;ورنر هايزنبرجrdquo; اقترح أنه بمجرد ملاحظة المادة الكمومية، فنحن نؤثر في سلوكها. وبالتالى، فنحن لا يمكن أن نتأكد تماماً من طبيعة الشئ الكمى ولا صفاته المميزة، مثل السرعة والموقع. ثم جاء تفسير مدرسة كوبنهاغن لميكانيكا الكم أو الكوانت ليعزز هذه الأطروحة وسنتوسع في فصول قادمة في هذا الموضوع عندا مقاربتنا التبسيطية لفيزياء الكم أو الكوانتا وتطورها خلال قرن من الزمن.

هذه الفكرة تم دعمها بتفسير كوبنهاجن لميكانيكا الكم. كان صاحب هذا التفسير هو الفيزيائي الدنماركي ldquo;نيلز بور Niels Bohrrdquo;، الذي قال أن الجسيمات الكمومية أو الكوانتية لا تتواجد على حالة واحدة معينة أو على حالة أخرى، لكنها يمكن أن تتواجد في كل هذه الحالات المحتملة في نفس الوقت. إجمالي مجموع الحالات للشئ الكمومي يسمى بدالة الموجة wave function. أو بالفرنسي fonction drsquo;onde وحالة الشئ الموجود في كل حالاته الممكنة في نفس الوقت، تسمى بالوضع الفائق superposition.أو التراكب المتداخل. وحسب نيلز بور عندما نقولم بمراقبة و ملاحظة شيء كمومي أو كوانتي فنحن نؤثر في سلوكه ففعل الملاحظة يقوم بكسر حالة الوضع الفائق أو تحطيم التراكب المتداخل للشئ وتجبره على اختيار حالة واحدة من دالة الموجة الخاصة به. تفسر هذه النظرية لماذا يحصل الفيزيائيين على قياسات متضاربة من نفس الشئ الكمومي أو الكوانتي: فالشئ الكمومي يختار حالات مختلفة أثناء عمليات القياس المتتالية. وبفضل تقبل تفسير بور على نطاق واسع، من جانب أغلب علماء الفيزياء الكمومية أو الكوانتية.، أخذت نظرية العوالم المتعددة لإيفريت تفرض نفسها وتحظى باهتمام جدي من جانب العلماء في مختلف أنحاء العالم.