قد لا يصلح تعبير quot;الأزمةquot; على تعقيدات المشهد اللبناني الحالي، كون هذا البلد نشأ وترعرع على الأزمات، حتى بات اسمه مرتبطاً بصراعات أقليمية ودولية حوّلت أرضه إلى ساحة لتصفية حسابات الأطراف المتصارعة، لكن ضريبة ذلك كانت ثقيلة جداً على كاهل اللبنانيين في بعض المراحل لا سيما ما تعانيه البلاد حالياً من شبه انهيار على الصعيد الأمني وفراغ وعجز على المستوى السياسي، ناهيك عن تردي الوضع الاقتصادي الذي تأثره بدوره بالعاملين الأمني والسياسي.

ولعل في وصول أزمة لبنان إلى هذا المستوى من التعقيد والخطورة عوامل داخلية وخارجية عديدة، أسهمت كلّها في دخوله في نفق مظلم لا حلول له على الأقل في المدى المنظور. طبعاً على رأس هذه العوامل تداعيات الأزمة السورية وتورط حزب الله فيها عبر إرساله مقاتلين بالعشرات إلى الداخل السوري للقتال إلى جانب قوات الرئيس بشار الأسد، وما أعقب هذا التورط من تصاعد في مستوى الخطاب المذهبي بين سنة لبنان وشيعته، والذي ترجم على الأرض باحتقان غير مسبوق كاد أن يصل في بعض المناطق إلى حد الاقتتال المسلح لولا تدخل المؤسسة العسكرية على خط الصراع، كما حصل في صيدا مع جماعة الشيخ أحمد الأسير.

هنا، ظن البعض على رأسهم quot;حزب اللهquot; أن الإطاحة بظاهرة الأسير ستسهم في تخفيف حدة الخطاب المذهبي عند الشارع السني، سيما وأن الأسير استقطب بخطابه المعادي لسياسية الحزب quot;الشيعيquot; ومن خلفه ايران quot;الفارسيةquot; كما كان يصفهما، لولا الخطاً القاتل الذي ارتكبه في معركته مع الجيش بعبرا ودعوته الجنود السنة إلى الانشقاق عنه. لكن النتيجة كانت معاكسة تماماً، إذا أن المسبب الأساسي لهذا الاحتقان لم يعالج، وهو قتال الحزب في سوريا واحتلال قرى بعد تهجير سكانها كبلدة القصير الحدودية على سبيل المثال.

مع عودة العشرات من مقاتلي quot;حزب اللهquot; محملين بنعوشهم إلى الوطن، راهن كثيرون على أن الحزب سيعيد النظر في سياسته تجاه السوري وسيتدارك المأزق الذي أوقع نفسه والطائفة الشيعية ولبنان فيه، ولن يستطيع الاستمرار في هذه الاستراتيجية، إلاّ أن النتيجة الفعلية أنه لم يأبه لكل التحذيرات الداخلية والخارجية من خطورة التوغل أكثر في الوحول السورية وما سيخلفه ذلك من ويلات وكوارث على الداخل اللبناني.

لم يعد لبنان في مرمى تداعيات الأزمة السورية، بل أصبح في قلب العاصفة مع انتقال التفجيرات quot;الاستشهاديةquot; والسيارات المفخخة إلى الداخل، وتبني هذه العمليات من قبل تنظيمات متطرفة محسوبة على تنظيم القاعدة، ليجد quot;حزب اللهquot; نفسه أمام معادلة معاكسة، فهو يقول إنه ذهب إلى سوريا لمنع الجهاديين من دخول لبنان، فإذ بهؤلاء يفجرون في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت ويتوعدون بالمزيد.

هل يستفيق quot;حزب اللهquot; من سكرته؟ وهل يتوقف عن رهن مصير لبنان بأكمله في صراع أكبر من حجم هذا البلد الصغير؟ هذه التساؤولات تجعلني أستحضر جملة للأمين العام للحزب حسن نصر الله عقب العدوان الاسرائيلي على لبنان في عام ألفين وستة، عندما قال quot;لو كنت أعلمquot;!

صحافي لبناني