دولة الخلافة الاسلامية، او تنظيم داعش، او جبهة النصرة، او غيرها من التسميات المحترفة للإرهاب، هي من صنع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، بشكل إرادي مباشر، او غير مباشر، بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة العربية، وتمزيق الكيانات الموروثة عن اتفاقيات سايكس بيكو، سيئة الذكر. تماماً كما كانت صانعة تنظيم القاعدة في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، في سياق الحرب الباردة، والحرب على الاتحاد السوفياتي السابق بعد تدخله العسكري غير المرحب به في أفغانستان.

والصانع يحدد دائماً للمصنوع أدواره، بقدر ما من الدقة، كما يعين له حدود مجالات تحركه ونشاطه، لخدمة تلك الأدوار والتي لا ينبغي تجاوزها، في أي حال من الأحوال، بل انه من الضروري مراجعة الصانع في كل شاردة وواردة خارج ما هو مرسوم له، على اعتبار ان هامش المبادرة المتاح للمصنوع غالبا ما يكون ضيقا الى أبعد الحدود. علاوة على كون المصنوع لا يعرف بالدقة على أقل تقدير، ولا يعرف نهائيا في بعض الحالات، طبيعة استراتيجيات الصانع والتغيرات الطفيفة او العميقة التي تطرأ عليها بين الفينة والأخرى، ووفق تطور نظرته الى مصالحه، وطبيعة خصومه وكيفية مواجهة سياساتهم، وان العقاب ينتظره متى تجرأ على تجاوز ذلك الهامش، وخرق تلك الحدود، وهو عقاب يعود الى الصانع وحده، تحديد توقيته وطبيعته وحجمه، بحسب تقديره الخاص لحجم الخسائر الناجمة عن ذلك التجاوز والخرق، ووفق تصوره لطبيعة السلبيات التي يمكن ان تترتب على عدم المبادرة الى إنزال العقوبة به خاصة على مستوى موقعه ومكانته بين المجموعة التي يتم التحرك في مجالها وعلاقات بعضها بالبعض الآخر.

ومن المؤكد ان تنظيم القاعدة من صنع الولايات المتحدة الأمريكية، ومخابراتها المركزية لمحاربة التواجد العسكري السوفياتي في أفغانستان، وقد تم تأمين التمويل لهذا التنظيم من قبل الدول العربية النفطية بالخصوص، كما تم تزويده بمقاتلين من مختلف أصقاع العالم تحت شعار الجهاد، وطرد الكافر والمحتل السوفياتي. لكن رياح ممارسات وتفكير تنظيم القاعدة وقياداته الميدانية قد جرت بسرعة في اتجاه ما لم تكن تشتهيه سفن الصانع الامريكي والممول العربي، فبدأ التنظيم يعمل لحسابه بمجرد ما تبين له انه قادر على التحرك دونما حاجة الى ضوء أخضر أمريكي او غيره، بل هو قادر، اكثر من ذلك، على مناهضة بعض السياسات الامريكية والغربية في المنطقة من خلال التوجه، بصورة مباشرة او غير مباشرة، الى ضرب مصالح واشنطن والغرب عموما في مختلف أنحاء العالم.

هنا، فقط، تحرك الصانع، وهو الولايات المتحدة الامريكية التي تم التعرض لمصالحها،&بشكل مباشر، في بعض الدول الافريقية، لمواجهة تنظيم القاعدة، الذي تم تصنيفه بسرعة ضمن التنظيمات الإرهابية الخطيرة في العالم، والتي على الدول الكبرى والصغرى مجتمعة او متفرقة، محاربتها دون هوادة، لانها تمثل الخطر المشترك بالنسبة للإنسانية جمعاء. وقد جاءت الاعتداءات على نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١ لتشكل تحولا جوهرياً في سياسات الولايات المتحدة الامريكية، التي وسعت قائمة التنظيمات التي تعتبرها ارهابية لتشمل دولا بعينها، رغم انه لا علاقة تذكر بين قياداتها السياسية والتنظيمات الإرهابية، كما هو حال العراق الذي اتخذت واشنطن قرار غزوه، والإطاحة بنظامه، على أساس مزاعم حول ارتباط نظام صدام حسين بالإرهاب او بكونه يملك أسلحة دمار شامل، تبين، فيما بعد، انها ذرائع مفبركة، من ألفها الى يائها، لتبرير قرار الغزو الامريكي ذي الأهداف الاستراتيجية المرتبطة بنظرية الفوضى الخلاقة، وهندسة شرق أوسط جديد، تؤثته كيانات طائفية عديمة الحول والقوة تكون مضطرة للقبول النهائي بالكيان الصهيوني الذي يصر على ان يتم التعامل معه ككيان يهودي بكل ما يترتب على ذلك من سلبيات على قضية الشعب الفلسطيني برمته وليس بالنسبة لفلسطينيي أراضي ٤٨ فحسب، كما يعتقد البعض.

وفي الواقع، فإن هناك روابط كثيرة بين استراتيجية الولايات المتحدة تجاه المنطقة لا يشذ عنها بروز تنظيم داعش الذي بحسب ما أشارت اليه وزيرة الخارجية الامريكية السابقة هيلاري كلينتون في كتابها الموسوم " خيارات صعبة" ليس في نهاية المطاف الا الصناعة الامريكية غير المباشرة.

وبطبيعة الحال، فقد استطاع هذا التنظيم الإرهابي مراكمة الخبرات والأسلحة بما في ذلك الثقيلة منها، عندما انخرط في الحرب على سورية، الى جانب غيره من الجماعات المسلحة ذات الأيديولوجية التكفيرية الصريحة، مثل جبهة النصرة والقاعدة، او الضمنية مثل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين. ولعل تدفق الأسلحة الامريكية والأوروبية والتركية والعربية النفطية الى سورية بدعوى محاربة نظام بشار الأسد وإسقاطه، قد شكل معينا لا ينضب من الأسلحة والعتاد الحربي بالنسبة لتنظيم داعش الذي انقلب بسرعة على مجمل التنظيمات التي كان يقاتل الى جانبها، الى ان اصبح صاحب القرار الاستراتيجي في منطقة واسعة تمتد من شمال سورية الى العراق.

وعند هذا المستوى شعرت واشنطن ان عليها التحرك، وبسرعة، لوقف تمدد هذه الجماعة الإرهابية التي سيطرت على كثير من الاراضي في سورية والعراق وأصبحت تهدد بشكل جدي المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول الحليفة للولايات المتحدة الامريكية في المنطقة.&

وقد بادرت واشنطن الى القيام بغارات جوية استهدفت مواقع وتجمعات داعش في العراق، وفي الموصل على وجه الخصوص. وقد بدأت في التحرك من غلالا غارات التحالف ضد داعش داخل سورية لمواجهة هذا التنظيم الإرهابي المثير لكثير من الجدل من حيث قوته ومصادر تمويله.ودعمه السياسي والعسكري. وإذا كانت الولايات المتحدة قد استطاعت الحصول على قرار من مجلس الأمن الدولي يدين كلا من تنظيم داعش وجبهة النصرة فإن ترحيب سورية بهذه الإدانة الدولية واعلانها الاستعداد للتعاون والتنسيق مع المجتمع الدولي في عملية محاربة الارهاب قد فتح الطريق امام واشنطن للقيام بخطوات باتجاه سورية حول موضوع الارهاب بالذات اذا توفرت لديها نوايا سياسية حسنة وتركز هدفها على محاربة الارهاب اي اذا تخلت عن هدفها الأصلي الرامي الى إسقاط الدولة السورية بمختلف الوسائل بما في ذلك المسلحة منها والتي أنيطت عمليات تنفيذها بعدد من المنظمات الإرهابية التي يتم تقديمها على انها جزء من المعارضة المسلحة المعتدلة رغم كون واشنطن على علم بعدم انطباق هذا النعت على اي من المجموعات المسلحة التي تقاتل في سورية ويتم إمدادها بالسلاح والأمريكي وغيره منذ اندلاع الأزمة في البلاد.&

وإذا عبرت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية عن إرادتها في القضاء على تنظيم داعش في العراق وتحركت في هذا الاتجاه، عمليا، فإنها تجد نفسها في مأزق حقيقي في مساعيها بخصوص سورية، حيث يبدو انه رغم حسمها أمرها، ضرب بعض تجمعات داعش داخل سورية، فإنها لم تحسم بعد أمرها في اتخاذ الخطوات الضرورية باتجاه دمشق باعتبارها الرقم الصعب في المعادلات السياسية والاستراتيجية الجديدة في محاربة التطرف والإرهاب. وهذا ما يعنيه تصريح رئيس الوزراء البريطاني دفيد كامرون الأخير حيث استبعد اي تنسيق او تقارب مع النظام السوري الذي اتهمه بكونه احد أسباب ظهور تنظيم داعش في المنطقة! كما يتجلى في تصريحات وزير الدفاع الأمريكي الذي أكد أن واشنطن لن تنسق أبدا مع النظام السوري في مواجهة داعش.

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بحدة اليوم، بعد تقدم تنظيم داعش واستيلائه شبه الكامل على مدينة عين العرب، كوباني، المتاخمة للحدود التركية هو التالي: هل هذا التقدم الميداني لداعش داخل سورية أمر محتوم، ولا حول للتحالف الدولي تجاهه؟ أم انه كان يمكن إيقافه، وفي هذه الحالة، لماذا تركت الأمور تتخذ هذا المنحى رغم الإعلان عن الحرب الدولية على تنظيم داعش؟&

&