&

في لقائي&المبرمج مع& صديقي الدكتور جيم& تقابلنا في مقهى صغير يقع بين شارعين صغيرين ويطل على غابات أشجار بدأ الخريف يسلبها أوراقها الخضراء ويعري أغصانها أمام الشمس والثلج والمطر... وقبل أن أسلم عليه واسأله إن كان يرغب في قدح قهوة.. بادرني الدكتور جيم قائلا:
&اين أنت يامجنون.. تأخرت عن موعدنا المعتاد هذه المرة؟!
قلت له: أمارس جنوني كالعادة.. المجانين ليس لهم موعد محدد.. ولا عقل يعترف بالمواقيت!
ضحك وقال: كم أنتم أغبياء يا معشر العرب.. لماذا أنتم دائما مسرح للصراعات وأدوات لتنفيذ المخططات التي تؤخر نهوضكم وتطوركم؟!
قلت: قل لي قبل كل شيء ماذا يحدث في أمريكا.. أين أنتم ذاهبون؟!
قال: أتريد الصدق وقول الحقيقة؟!
قلت: بالتأكيد!
قال: أنتم.. العرب.. لم تثبتوا كفاءتكم في التفاعل مع الحضارة الجديدة.. ولا مع التطور العالمي.. منحناكم الكثير من الفرص كي تثبتوا أنكم أهل للتعامل والتعايش ففشلتم!
قلت له: فشلنا ؟!
قال: وبكل جدارة.
خطفت قدح قهوتي التي بردت على الطاولة وسكبتها مرة واحدة في جوفي الساخن بفعل الحوار وقلت: كيف فشلنا؟!
قال: كلما منحناكم& الفرصة لتثبتوا أحقيتكم بتمثيل دور حضاري أثبتم أنكم قوم ليس لديكم غير ثقافة القتل والكراهية.. تعجزون عن المشاركة في بناء حضارة انسانية وتبرهنون للآخرين أنكم لاتحبون أحدا ولستم قادرين على صناعة شيء جيد.
واستمر في حديثة.. لديكم عقدة ضد كل شيء جميل ومختلف ومتنوع.. ثم تساءل بعنف& لماذا؟!
قلت.. مرتبكا: هاااه... ماذا... كيف... لماذا؟
ضحك.. وقال: حدد السؤال.. يا.. كيف.. يا.. ماذا.. يا.. لماذا!
قلت.. بذهول: لا أدري!
شعر بحرج موقفي وقال: أتعرف إلى أين أمريكا ذاهبة؟!
قلت: إلى أين ؟!
قال: الأغلبية تنتخب الجمهوريين لأنها تعتقد أن الديموقراطيين قد تخاذلوا عن مكافحة الارهاب الذي يهددهم من الشرق الأوسط..والمقصود بالإرهاب: العرب.. الذين ليس لهم ما يميزهم في هذا العصر غير صناعة الارهاب وتصديره.
قلت: ولماذا تنتخب الأغلبية& الجمهوريين وماذا يريدون منهم؟!
قال: الشعب الأمريكي في أغلبيته يريد من الحكومة أن تذهب لتقاتل الإرهاب الذي قد ينتقل بعدواه الى واقعهم.ويعتقدون أن الديموقراطيين يتساهلون في محاربة الإرهاب.
قلت: لكنني أعتقد أن أوباما وحزبه قد جنبوا الأمريكان التورط في الحروب المباشرة وهاهم يحاربون داعش في العراق وسوريا بضرب قواعدهم دون التدخل في حروب برية كي لا تفقدهم الكثير من جنودهم.
قال: الشعب الامريكي.. لايهمه أن يخسر بعض جنوده بقدر ما يهمه أن تبقى أمريكا قوية ورائدة مهما قدمت من التضحيات..& لذلك فالشعب يطالب الحكومة بمحاربة الإرهاب برا وجوا وبحرا.
قلت: أشعر أنكم أحيانا تصنعون المشكلة ثم تجعلون منها بطريقة إعلامية ذكية: وحشا تعودون لمحاربته.. فتخيفون الجميع هنا.. وهناك!
ضحك ضحكة هستيرية.. وقال.. ما يدهشني أنك عربي.. وتعرفنا جيدا!
ثم أضاف: شوف.. لو لم تكونوا بيئة صالحة لصنع المشكلة.. لما إستغل أحد غباءكم كي تكونوا مسرحا لتنفيذ الجريمة.
لو لم تكونوا أرضا خصبة لغرس الكراهية لما إستغل أحد حقدكم لجعلكم تقتلون بعضكم البعض.
ولو لم تكونوا أعداءً& للحرية.. لما جاء إليكم أحد كي يستعبدكم.
ثم.. أعاد ظهره للوراء على الكرسي الخشبي وقال بهدوء: أنتم جنس غريب وعجيب.. تكرهون الحرية.. والعدالة.. والمساواة، وكل حزب أو فريق أو طائفة فيكم..& يريد أن يستبد بالآخرين كلما حانت له فرصة الحكم والسيطرة.. لذلك يستغل أعداؤكم هذا العيب فيكم ويتسلل بينكم& كي يفتك بكم& مستعينا بالكثير من العملاء المستعدين لبيعكم للشيطان. لكن المشكلة ليست في العملاء بينكم ولا في المستبدين منكم ولا في المستعمرين لكم.
&المشكلة: في ثقافتكم التي تبيح استعبادكم وقهركم لأنفسكم.. ولم تستطع الأغلبية فيكم أن تنتصر لكرامة الإنسان التي انتصرت لها كل الشعوب الحرة... والغريب أن العملاء فيكم من المحسوبين على أهل الفضيلة الذين يتقمصون الدين ليتاجروا بمستقبل شعوبكم ويفتتوكم ويثيروا الفتن بينكم لتصبحوا أشباه أوطان.. هؤلاء العملاء يبيعونكم عند كل من يدفع لهم ثمن العمالة.. ويمارسون دورا تخديريا خطيرا للعامة فيكم والجهلة والعاطفيين كي يكونوا أولئك السذج حطبا لحروبهم التي يشعلونها& مقابل ما يقبضون!
ثم تنهد الدكتور جيم وقال: إسمح لي لو قلت لك.. إن العبودية تتجذر في جيناتكم.
فالمستبد فيكم عبد.. والخانع فيكم عبد.. والأحرار فيكم شراذم مستثناه على قاعدتكم العريضة& .
قلت له: ومايدريك ان الأحرار فينا شراذم؟!
قهقه بسخرية وقال: إذا كان المثقف الليبرالي عندما يكون أمام موقف عنصري& وطائفي وإرهابي& تقوم به جماعته أو قبيلته أو طائفته... ينحاز مع الباطل ضد الحق.. ومع القمع ضد العدالة.. ومع الزيف ضد الحقيقة، ليبرر إنحيازه المخجل الذي يكشف أنه لا فرق بينه وبين المتطرف سوى في المسميات فقط . فما بالك بغيره ؟& ثم صرخ وقال: انتم تعشقون القيد والعصا والاستبداد.. انتم عبيد بالفطرة يا سليم.
صرخت في وجه وقلت: إحترم نفسك.
قال: إحترم كرامتك أولا.. ثم أشر بسبابته بإتجاه عيني وقال.. ربما أنت داعشي الفكر في ثوب متلبرل!
قلت له: ربما.. فأنا لم أعد أعرف نفسي.. ومن لايعرف نفسه لايستطيع أن يعرف غيره.
&نحن ياجيم.. في زمان إختلط فيه حابل فكرنا بنابل واقعنا المشوه.. لا أدري هل كنا أبرياء واستغللتم براءتنا وجهلنا وضعفنا وجربتم فينا نظريات التمزق والتخلف، أم أننا نحن المسئولون عن كل ما يجري لنا من صراعات أفقدتنا فرصة& الاستفادة من حضارة العصر كي نعبر مع الشعوب المتحضرة نحو مستقبل أكثر أمنا واستقرارا ؟!
قال: بل أنكم الأساس في كل ما يحصل لكم.. ومن السهل بث الفرقة بينكم وخلق الصراعات التي تؤخركم وتجعلكم لقمة سائغة لدى أعداءكم.
بل أنكم ألأمة الوحيدة التي يكثر فيها الخونة المستعدون لبيع أوطانهم!
قلت له: المهم.. وماذا تتوقع بعد فوز الجمهوريين في الكونقرس؟!
قال: ستأتي الانتخابات الرئاسية بعد سنتين وسينتخب الشعب رئيسا جمهوريا يدعو الى الحرب على الإرهاب بشكل مباشر.. وستكون الحرب على الإرهاب في عهد الجمهوريين القادمين للرئاسة مختلفة تماما عن كل الحروب القديمة.. حيث سيتم وضع استراتيجية تدعو بكل حزم وقوة الى تجفيف منابع الإرهاب فكرا ومالا وإعلاما.. ومعاقبة من يخالف تلك الإستراتيجية عقابا صارما.
قلت: يا ساتر.. هل أعلنتم الإستغناء عن شيء كنتم تستفيدون منه؟!
ضحك.. وقال: أعرف خبث بعض أسئلتك في حوارك معي.. ولكن.. عليك ان تدرك ان السياسة لا أخلاق لها، وعلى العرب أن يدركوا أن مرحلة سياسية عمرها أكثر من ثلاثين سنة قد انتهت صلاحيتها ولم تعد مجدية بقدر ما اصبحت مؤذية.. وان العالم تغير ولم يعد يتقبل هذا القبح المستشري الذي يذبح الناس الأبرياء في كل مكان بفعل السياسات التي أوغلت في استخدام الارهاب& تحت شعارات متعددة أصبحت مكشوفة& وعارا على الحضارة الحديثة التي تزخر بالكثير من الفضائل لولا انتشار هذا الارهاب الذي أساء لكل شيء جميل.
ثم.. تنهد الدكتور جيم وقال: شوف.. يا سليم.. أكون معك صادقا.. قل للعرب:
&العالم سيتغير.. وعليكم أن تلملموا أوضاعكم المكشوفة بعد أن إحترقت الأوراق في كل مكان.
ولن يكون الإرهاب: هو الوسيلة لتمرير المخططات السياسية القادمة؟!
قلت له: فما هي الوسيلة الجديدة.. للسياسات القادمة يا جيم؟!
قال: القانون الدولي الذي تفرضه القوى الكبيرة وتحميه!
قلت: القوى الكبرى لايهمها الا مصالحها!
قال: صحيح.. لكن فرض القانون الدولي من قبل القوى الكبرى وحمايته في التعامل السياسي للعقود القادمة: هو بحد ذاته من مصلحة كل القوى الكبيرة وشعوبها وكل الشعوب العالمية... لأن الإرهاب والفساد: مرضان خطيران وفتاكان.. اذا لن يتم السيطرة عليهما سيفتكان بالجميع.
قلت: ماذا تريد أن تقول بالضبط؟!
قال: لن يكون هناك في المدى القريب من يكون بمنأى عن سلطة القانون الدولي القادم.. والشاطر من يستشعر الوضع ويعد نفسه اعدادا جيدا لا لف فيه ولا دوران ولا أدلجة ولا ارهاب.
ثم نهض كعادته عندما يودعني.. وغادر مسرعا وقال: تغيروا أيها العرب.. تغيروا.. قبل أن يتم تغييركم بقوة لم تتعودوها من قبل.. أو تخسروا كل شيء!
&
&