هاتفني الدكتور جيم وطلب موعدا كي نواصل مسيرة الحوارات التي بدأناها منذ أكثر من شهرين واتفقنا على مواصلتها.
& كان الجو باردا مع دخول الخريف في هذه المدينة التي يعتبر الخريف& فيها كالشتاء القارس بجوها البارد الذي يكسو المدينة ثلوجا حين& يقترب شهر ديسمبر& ملوحا ببياضه.. فأخترنا مقهى يطل على البحيرة& وقبل أن أجلس على الكرسي& وأضع قدح الشاي الساخن في فمي بادرني بسؤال من عيار صاروخ أرض جو وقال:
الآن.. سنقود العالم للحرب على داعش& فهل أنتم& يا معشر العرب مستعدون للركض معنا بسرعة ورشاقة لقتال هؤلاء الإرهابيين..أم أن سمنة أجسادكم المترهلة بشحوم خرفانكم وقلة حركتكم ستعيق تقدمكم& البطيء في كل شيء؟
قلت& مازحا: أعوذ بالله.. دعني أجلس أولا... يا جيم.
أما نحن معشر العرب فقد أبلغناكم إستعدادنا لعمل المستحيل لمنازلة هؤلاء الإرهابيين ,وقد نكون أكثر رشقاة منكم وأسرع خطوات بإتجاه الهدف.
قال.. مازحا: أي هدف..& يا مسي؟!
قلت: داعش.. يا كرستيانو... وفجأة شعرت أن كل واحد منا بدأ يتحسس من الآخر وينظر له بنوع من الريبة والشك.. ثم بدأنا نتحاور بنوع من السخرية الهامزة واللامزة.
وسخرت منه قائلا: أنتم عباقرة في صناعة الحدث وضخه عبر جرعات إعلامية مثيرة ومدهشة... وأحيانا تصنعون الحدث& لتحقيق غاية ثم تحطمونه بعد الانتهاء من تحقيق تلك الغاية... وتجيدون إستخدام الأدوات في كلتا الحالتين!
قال: لا يستطيع أحد أن يفتح عقلك ويضع فيه فكرة... عقلك مصدر الفكرة... لكنني قد أستغل عقلي ولي الحق& لتسخير فكرة عقلك من أجل غاياتي.
قلت: أنت تعترف..بميكافيليتكم؟!
قال: السياسة.. لا أخلاق لها... إنها& فن إستغلال فكرة شريرة في عقل غبي.. لتحقيق مصلحة.
قلت: لكن اللعب بالنار كثيرا سيحرق الأصابع التي تلعب بها.. أو فلنقل إن استخراج الشر من العقول الكسولة والغبية واللعب به لخدمة العقول الأكثر نشاطا وحيوية وذكاء: هو شر ارتدادي أيضا!
قال: غالبا..& من يسلم عقله لغيره يكون عرضة للإحتراق.. أكثر من الذي يلعب بعقله...و عندما تذهب للحلاق وتسلمه رأسك كي يحلق شعرك فإنه لا يتعرض للحلق ولا يعتبر مذنبا حتى لو قطع أذنك.
قلت له: منطق أعمى ماتقوله.. ماعلاقة الحلاق.. بالشر.. والنار.. والسياسة؟!
قال: لا تستطيع أن تتحاور مع عربي بمنطق.. لذلك فأفضل حوار مع العربي أن تتحدث معه بسفسطة الحلاقين.
قلت: لكنكم في السياسة لامنطق لكم.. ولم تعودوا مقنعين لأنكم إستهلكتم كل أنواع الخدع السينمائية ولم يعد لهليوودكم& ذلك السحر كالسابق. أنتم متجددون في كل شيء ومبدعون إلا في السياسة فقد أصبحتم تكررون أنفسكم ولم تعد الأدوار السينمائية الهليوودية التي تكررونها بسماجة تثير الناس بسبب تطور الفن الإخراجي الذي جعل من الطفل والشاب وكل مستخدم لأصغر وسيلة من صنعكم أن يصنع قصة ويخرج فيلما في دقائق.
قال: أتقصد أننا أصبحنا متخلفون سياسيا.. وأنتم العرب , الأكثر تطورا منا في عالم السياسة؟! ثم ضحك بطريقة يريد من خلالها أن يصورني باللامنطقي... وواصل الضحك وهو يقول بسخرية وإستهتار.. العر.. العررب.. العرررب: يفهمون في السياسة؟!!
قلت: لا لا.. يا جيم.. لا تفهمني خطأ.. أنا أتهمكم بالتخلف السياسي لأنكم تكررون نفس اللعب القديمة التي أصبحت مكشوفة.. ولا أقارنكم بالعرب أبدا.. وأدرك أن العرب ليس لهم مكان للمقارنة مع أحد.. العرب خارج إطار المنافسة في كل المجالات.. بل أنهم لايفقهون الأبجدية البدائية للسياسة.. العرب يتعاملون مع السياسة وكأنهم في عصر داحس والغبراء.
&وأوقفني عن الاستمرار في حديثي وقال: هل قلت داعش.. هل كان في واقعكم قبل قرون داعش أخرى أيضا؟!
قلت له: قلت& لك داحس.. ولم أقل داعش.. هي شبيهة بداعش , لكن داحس& كانت حربا قبلية بسبب ناقتين ,أما داعش فهي كما تعلم& حرب طائفية مع كل العالم بدون سبب. ثم واصلت حديثي السابق قائلا:&&&
أنا أعترف لك بخلل العرب السياسي والحضاري.. لكنك لا تستطيع أن تعترف بخللكم السياسي. بل أن رجلا أميا في طرف صحرائنا مع إبله وغنمه يتهكم عليكم& بسبب تكرار افلامكم السياسية& التي سمجت بمرور الزمن. ألا ترى أنكم تفتقدون الى النجومية السياسية فأنعكس ذلك على هليوودكم التي لم تعد قادرة على صناعة نجوم الفن والرياضة؟
لماذا لم نعد نرى محمد علي كلاي آخر.. وكنيدي آخر.. وترافولتا أخر؟!
قال: أتقلل من عظمة أمريكا؟!
قلت: أبدا.. أنا أحب امريكا ربما أكثر منك.. وأؤمن أن بقاءها قوية مزدهرة خير للعالم.. لكنني أخاف عليها من تخلف السياسة.
قال: وما السبب في تخلفنا السياسي كما تظن؟!
قلت: ربما يكون هناك إنهيار قيمي حل بكم.. فتخليتم عن تلك القيم التي كانت تحفزكم على القيام حتى بالحروب ولكن وبرغم المصالح.. كانت القيم الإنسانية والأخلاقية وقيم الحرية حاضرة في كل عمل تقومون به سواء كان حربا أو ردة فعل قاسي... لذلك كنتم تنتصرون.
قال: مثلا؟!
قلت: حاربتم في حربين عالميتين بهدف هزيمة الطغاة ونشر قيم الحرية والديموقراطية في اليابان والمانيا.. فأنتصرتم. صحيح أنكم في ذلك الوقت& قوة عظمى كانت تريد أن تثبت أقدامها كقوة جديدة لقيادة العالم وأن مصالحكم كانت أهم.. لكنكم لم تتخلوا عن القيم العظيمة التي قامت عليها دولتكم فانتصرتم.
قال: والآن.. ماذا ترانا؟!
قلت: أراكم قوة عظمى& أخشى أن تنزلق أقدامها عن الدرب الذي سارت عليه وأسست دساتيرها إستنادا على فكر وأخلاق العظماء الذين ضحوا بالكثير من أجل أن تتأسس أكبر منارة للحرية على مر التاريخ..ودولتكم الآن تعاني من مشكلات اقتصادية جعلت من التجار طغاة في بلد الحرية والديموقراطية الأعظم في العالم... وأخاف أن يكون للمال سطوته عليكم فيضر بقيمكم العظيمة... فقط أخاف عليكم.. وأنتم لاتزالون القوة الأعظم , والشعب الأكثر تحررا وقدرة على العمل والعطاء والإبداع.&
قال:&& فلنعود الى داعش.
قلت مازحا: هذه مشكلتكم.. كلما خلقتم داعشا.. تقتلونها , ثم تعودون إليها في ثوب آخر.. أو فلنقل بإسم آخر.
قال: أمجنون أنت.. هل تتهمنا بأننا الذين نصنع الدواعش؟!
& هل صنعنا دواعش بجلود بيضاء وشعر أشقر؟!
هل الدواعش مسيحيين أم مسلمين... وهل قتل الداعشي غير إبن جلدته؟!
قلت مستفزا له:هناك مثل شعبي عربي يقول ( مسعود يعاشر العاهرة.. وسعد يتطهر من الجنابة ).
و أحيانا تقدمون& للداعشي& طعما أشقر.. كي يبرر لكم التخلص منه وقد أدى مهمته بكفاءة& غبية عالية.
قال: أنتم قوم يسكنكم مرض المؤامرة.. هل نبتت غرسة داعش في نيويورك.. أو باريس.. أو لندن.. أم ماذا؟!
هل تعلم الداعشيون وقرأوا كتب شواء البشر وذبحهم وجز رؤوسهم& في هارفارد والسوربون واكسفورد وفي مدارس إنجليزية أم أنهم خريجو مدارس ومنابر وجامعات عربية؟!&&
قلت بهدوء وإرتخاء: لكنكم.. تتغاضون عن الغرسة وهي تنمو لأنكم تستخدمونها وقت الحاجة.. وتتعامون عن رؤية المدرسة والمنابر حتى وهي بينكم لأنكم تدركون أنها لن تضركم بقدر ماسوف ترسل لنا حرابا& تنغرس في أجسادنا المريضة وأنتم من يقبض الثمن.
وأحيانا تمارسون ذكاء هائلا في صنع الفكرة في بيوتكم البيضاء والحمراء لترسلوها الى بيوتنا بلونها الأسود الموحش!
قال: لو لم تكن عقولكم هي المريضة , لما إستقبلت أجاسدكم حرابا من صنعكم وليست من صنعنا..... وللسياسي الحق أن يستخدم كل مهاراته
لإستغلال الأذكياء كي يخدموا غاياته... فمابالك بالأغبياء أمثالكم؟!
قلت له& وقد وقفت منتفضا حول الطاولة& وكأنني صدام حسين وهو يعلن النصر في أم المعارك التي أخرجته من الكويت مهزوما: إحترم نفسك.
قال: إحترم عقلك& أولا.
قلت له: أنت حمار
قال: وأنت حصان
فضحكت... حتى سقطت على الطاولة&
قال: لماذا تضحك؟!
قلت: لأن الحصان في واقعنا ليس شتيمة كالحمار.
قال& وقد عادت البسمة إلى محياه: كلاهما حيوان.. بل أن الحمار أكثر صبرا وتحملا ونفعا من الحصان.
قلت مودعا: وهل هناك ما هو أكثر صبرا وتحملا& من العربي؟!
وتوادعنا& أصدقاء.. بعد أن كدنا نتصارع.. وتواعدنا بعد شهر!&&&&&&&&&&&&
&