أبدأ من حيث انتهيت في المقال السابق المعنون بـ "من داعش الى الحوثيين..ثم الى أين؟" لأن سياق الأحداث في المنطقة لم يتجه بعيداً عما ذكرناه مسبقا!
اتضح الكثير من مظاهر الحالة اليمنية إلا أن نتائجها القريبة لازالت مجهولة المعالم عطفاً على ما عُرف عن طبيعة المكونات السياسية والعسكرية هناك وسرعة تقلب تحالفاتها من اقصي اليمين الى اقصى الشمال فبعدما كان التحالف الرئيسي بين حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم سابقا برئاسة علي عبدالله صالح وبين حزب التجمع اليمني للإصلاح ( ائتلاف بين تجمعات قبلية بقيادة شيوخ حاشد عائلة آل الأحمر وبين جماعات سنية منضوية لحزب الإخوان المسلمين ) ضد حزب ما يعرف بـ إنصار الله أو ما يطلق عليهم بجماعة الحوثي بقيادة عبدالملك بدر الدين الحوثي (خاض حزب المؤتمر الشعبي العام ستة معارك ضد الحوثيين). تغير الحال فجأة ليكون اتفاق المصالح المؤقتة بين حزب المؤتمر الشعبي العام وبين حزب انصار الله - الحوثيين - ليصبح الطرف الأخر حزب التجمع اليمني للإصلاح ومن لف بدائرته مطارداً وهدفا في هذه المرحلة! ما سرع بحالة هذا الانقلاب التحالفي سببان رئيسيان هو مساهمة حزب التجمع اليمني للإصلاح بإزاحة الرئيس السابق على عبدالله صالح عن الحكم إضافة الى انحياز كتلة من حزب " الإصلاح" لجماعة حزب الإخوان المسلمين بالخارج والتي عدت حاليا منظمة إرهابية او محظورة في بعض الدول العربية. ومجمل العملية تدخل ضمن نطاق تصفية الحسابات الداخلية لتعزيز المراكز إضافة الى المتغيرات السياسية الإقليمية المستجدة والحاجة للاستفادة منها سياسياً!
حقيقة التوسع الحوثي الدراماتيكي على الأرض اليمنية وانتقاله من أقصى الشمال حيث مناطق تواجده في صعدة ثم زحفه على عمران وصنعاء ومن ثم الحديدة وسيطرته على مينائها البحري ثم انتقاله الى محافظة البيضاء و محافظة إب وبالتالي الوصول الى ميناء الكخا على البحر الاحمر التابع لمحافظة تعز بقية الوصول الى الهدف النهائي وهو أحكام السيطرة على مرفأ باب المندب!
لم يكن كل ما سبق نتيجة لحالة التفوق العسكري" عدد أو قوة "أو الفوز بمعارك ضد الخصوم كمواجهة شاملة لأن الخصوم بالأساس لم يكونوا متواجدين لا على المشهد السياسي أو العسكري بعد سقوط منطقة عمران ( قتل قائد اللواء 310 العميد حميد القشيبي الذي خاض المعارك في عمران ضد الحوثيين والذي يعد أحد ابرز مساعدي الجنرال علي محسن الأحمر والتي قيل حينها أن سبب الهزيمة هو الافتقار للدعم العسكري الحقيقي من قبل الحكومة المركزية برئاسة عبدربه منصور هادي، وتفكك اللواء 310 نتيجة لوجود ولاءات داخل اللواء لا تتبع لقيادته المباشرة وربما تتبع لحزب المؤتمر الشعبي العام بقيادة الرئيس السابق علي عبدالله صالح!)
بل تم كل ذلك نتيجة لوجود توافقات وحسابات سياسية داخليه وإقليمية ودولية مسبقة مهدت لهذا الأمر!
فالتمدد الحوثي خصوصا في المحافظات القبلية "السنية" التي دخلها كمحافظة إب "معقل للإخوان المسلمين " والبيضاء تمت بصورة سلمية الى حد ما وبوساطات! (دون اقتتال جماعي واضح تم ذلك باتفاقية السلم بينهما إلا انها كانت مشروطة بخروج الحوثيين من هذه المحافظات ) ورغم ذلك أندلع القتال بين فصائل تابعة لحزب الإصلاح وانصار الشريعة "القاعدة" من جهة وبين الحوثيين من جهة اخرى في تلك المحافظات! على خلاف مدينة رداع التابعة لمحافظة البيضاء حيث يجري الاقتتال بصورة مباشرة بين افراد القاعدة والحوثيين المسنودين بالطائرات الأمريكية دون طيار أضافة الى قوى من الجيش اليمني!
المطلع على الوضع الداخلي اليمني يعلم بان أغلب المناطق التي دخلها الحوثيين وسيطروا على مؤسساتها الرسمية كواجهة (دون وجود أي خبرة أو تمكن اداري استراتيجي )! إنما لازالت تدار من بواطنها من قبل حزب المؤتمر الشعبي العام بقيادة الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وربما هذه مقتضيات المرحلة وخيوط اللعبة السياسية التي تلتقي دوما عند الأخير! وما الحوثيين إلا رأس حربه حاليا ضمن حربات استخدمت مسبقا كالقاعدة أو الإخوان المسلمين او التكتل القبلي بالإمكان التنقل بينهم ضمن لعبة التحالفات السياسية وأضعاف أي جهة بأي وقت حسب المصالح المتحققة. وربما هذا الأمر عول عليه لدى بعض دول المنطقة وهو سر التعتيم الإعلامي لأحداث اليمن الساخنة!
إلا ان هذا السياق قد لا يدوم كثيرا مع وجود التدخلات الخارجية وخططها المرسومة مسبقاً للمنطقة وبالذات إن اختفى الرئيس علي عبدالله صالح من المشهد السياسي تماما "بأي طريقة كانت "!
ولا يعني ذلك انه صمام الأمان لاستقرار اليمن بقدر ما قد تكون القوى التي وصفها يوما ما بالأفاعي التي يراقصها قد تتغلب على حاويها! فكما يوجد حاوي في الداخل يوجد حُواة بالخارج.
&
وقفات:
*الحالة اليمنية ركبت موجة التوافقات والتحالفات السياسية الأنية بين النقضاء والتي قد تنفرط بأي لحظة الى تضاد! مما قد يزيد من الصراع الداخلي ويوسع رقعته ولا يستبعد ان تظهر على السطح تحالفات جديدة خصوصا بين القاعدة وبعض القبائل وبين حزب الإصلاح واتباعه فبينهم قواسم ومصالح مشتركة "عقدية - سياسية" ولا يستبعد أن تكون هناك مبايعات قادمة لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" أو ان يظهر التنظيم فجاءة باليمن.
*ايران تكسب الوقت مُنذ سنين بمفاوضاتها حول الملف النووي مع القوى العالمية الست (أثناء محادثاتها الأخيرة مع أمريكا قبل أيام في مسقط عقدت ايران صفقة جديدة مع روسيا لبناء مفاعلين ذريين جديدين في منطقة بوشهر مع إمكانية توسيع المشروع ليصبح اربعة مفاعلات أضافة الى أنشاء أربعة مفاعلات جديدة لم يحدد موقعهم بعد ليصبح الإجمالي ثمانية مفاعلات نووية! ) والاجتماع العاشر "المفترض انه النهائي" الذي سيعقد يوم 24 نوفمبر ستحاول ايران الفوز به أما بتمديد المفاوضات أو بمحاولة الحصول على اتفاق جزئي يخفف عنها الحصار الاقتصادي الذي بدأ يخنقها دون أن تغفل أن تخليها عن مشروع التسلح النووي سيعني نهاية طموحها التوسعي ولربما نهاية النظام ككل! الأهم من ذلك على دول المنطقة أن تستوعب نتائج ماذا يعني التمديد المستمر لإيران بالمفاوضات من قبل القوى العالمية؟
*باختصار لا قلق على اقتصاديات دول الخليج مرحلياً كون أسعار البترول منخفضة فحتى مستوى 60-75 دولار للبرميل يعتبر مقبولا جدا (وإن قيل خلاف ذلك إعلامياً اعتمادا على حجم الميزانيات السنوية التي وضعت مسبقا والذي كان حجم الانفاق العالي "والهدر" بها أحد المسببات الرئيسية في تنامي عامل التضخم المحلي في السنوات الماضية!). فلكل مرحلة متطلباتها ومتغيراتها الاستراتيجية (سياسيا واقتصاديا) التي يجب التعاطي معها بكل مرونة! وعلينا ان لا ننسى أننا كنا نتعامل بالسنوات الماضية بأسعار للنفط دون حاجز الـ 50 دولار ( سعر البرميل سنة 1999 /16 دولار ). فليس الأهم ان تكون أسعار النفط مرتفعة لمحصلة إنتاج اقتصاد ريعي! بقدر حسن التعامل في ادارة وتوزيع عائدات النفط (مسبقاً وحاليا) وطرق استثمارها للحد من شبه الاعتماد الكلي على النفط.
&
كاتب في الشأن السياسي والاقتصادي
التعليقات