يتساءل الكاتب عن سبب تمسك إيران بتخصيب اليورانيوم إن لم يكن لديها أي محطة نووية ليكون وقودًا فيها، غير أحلام امتلاك ترسانة نووية.

أمير طاهري: لماذا يقاتل إنسان أصلع بضراوة للحصول على مشط؟ سؤال لا يناسب إلا وضع الجمهورية الإسلامية الايرانية المتمسكة بيديها وأسنانها ببرنامجها النووي المثير للجدل.

لن تحتاجها

بالرغم من المناورات الدبلوماسية الأخيرة، طهران مصممة على تجاهل طلب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتعليق أنشطة تخصيب اليورانيوم والبلوتونيوم. من جانبها، تحاول إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما يائسة الحصول على صفقة، تحصل فيها إيران على اعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم، مقابل إبطاء وتيرة هذا التخصيب.

هذا الأمر محير نوعًا ما، فإيران لا تملك أي محطة للطاقة النووية، قد تحتاج إلى اليورانيوم المخصب كوقود. ومحطة الطاقة النووية الوحيدة الموجودة في إيران هي التي بنتها روسيا في بوشهر، وتعمل وفق جدول زمني محدود، على أمل أن تستطيع يومًا ما توفير نحو 2 بالمئة من الطاقة الكهربائية في البلاد. حتى ذلك الحين، إمدادات الوقود اللازمة في السنوات العشر الأولى مضمونة بفضل عرض روسي تزويد المحطة بما تحتاجه من وقود طوال عمرها الافتراضي، اي نحو 37 عامًا.

وخلاصة القول هو أن إيران لا تحتاج إلى يورانيوم مخصب، حتى العام 2024 على الأقل. وحتى بعد ذلك، لن تحتاج إيران محليًا لتخصيب اليورانيوم للمحطة الروسية حتى العام 2048.

IRAN: WHY DOES THE BALD MAN FIGHT FOR A COMB

موارد كافية

مشروع البلوتونيوم الإيراني هو أكثر إثارة للاهتمام. فإيران لا تملك أي محطة لإنتاج الماء الثقيل قد تتطلب مادة بلوتونيوم، ولا تنوي بناء أي محطة في المدى المنظور. بعبارة أخرى، تنفق إيران مبالغ طائلة على مشروع ليس له أي استخدام واضح، إلا إذا كانت الحاجة إلى البلوتونيوم، كما اليورانيوم المخصب، غير توليد الكهرباء.

صعب أن يقف المرء في صف مشروع الطاقة النووية في إيران، التي تملك ثاني أو ثالث أكبر احتياطي للنفط في العالم، وثاني أكبر الاحتياطيات من الغاز الطبيعي. حتى لو كان الاستهلاك المحلي الإيراني يتصاعد ليصل إلى مستويات معروفة في الدول الغربية في العقد المقبل، فلدى إيران ما يكفي من الموارد المحلية لأكثر من 400 عام.

وأظهرت دراسات عدة، قام بها أكاديميون إيرانيون، أن كلفة إنتاج وتوزيع الطاقة النووية سترتفع بنسبة 27 بالمئة من تكلفة إنتاج وتوزيع الطاقة الكهربائية التي تولدها محطات النفط والغاز، أو الطاقة الكهرومائية، من دون ذكر مشاريع الطاقة الشمسية.

جنون مطبق

ثمة حجة أخرى ضد محطات الطاقة النووية في إيران. فالبلاد كلها واقعة على فالق زلزالي هو الأكثر نشاطًا في العالم. ومنطقة هليّه، حيث تقع محطة الطاقة النووية الإيرانية الوحيدة، تعرضت للتدمير بفعل الزلازل ثلاث مرات في القرن الماضي على الأقل. فإن تدفقت مياه تبريد هليه في الخليج، ستسبب ضررًا كبيرًا للبيئة في المنطقة، وتبقى المشكلة حينها بلا حل. اما فكرة دفنه تحت مياه الخليج أو في صحراء لوط الإيرانية، فيصفها خبراء إيرانيون بأنها "جنون مطبق".

إيران قضية وليست دولة طبيعية
هل تخلت طهران عن حلم الامبراطورية؟

ليس مستغربًا أن لا تتم مناقشة القضية النووية في المجلس الإسلامي، أو لا توضَّح للجمهور الإيراني. فهذا قرار خطير اتخذته قلة من الرجال، خلافًا لنصيحة الكثير من العلماء والأكاديميين الإيرانيين. فما سبب استعداد إيران للقبول بمخاطر كبيرة كي لا تعلق تخصيب اليورانيوم لبضع سنوات، حتى لو كان ذلك مقابل تخفيف العقوبات؟

الجواب البديهي هو أن إيران تسعى إلى وضع يمكّنها من بناء ترسانتها الخاصة من الأسلحة النووية. لكن المشكلة هي أن للخمينية، أو الأيديولوجيا السائدة في ايران اليوم، منطقها الخاص في السلوك الدولي، الذي لا يمكن فهمه بسهولة. فالجمهورية الإسلامية غير ملزمة بالقوانين واللوائح وبقواعد السلوك التي وضعها "الكفار".

صيف وشتاء

تعقدت المسألة أكثر في العام 2006، حين أعلن الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد أن مسألة تخصيب الأورانيوم خط أحمر.

فعلى الدول 5+1 أن تفهم أن مسألة تخصيب اليورانيوم في إيران تتجاوز الشكلين الديبلوماسي والأمني. فهذه القضية ترمز إلى رؤيتين للثورة الخمينية. الأولى هي رؤية أشخاص مثل هاشمي رفسنجاني، الذي يعتقد أن مهمة الثورة تعزيز قبضتها على إيران، وترك فكرة "تصدير الثورة" للأجيال القادمة. وبهذا المعنى، أمثال رفسنجاني يشبهون دعاة "الاشتراكية في بلد واحد" في الاتحاد السوفياتي في عشرينيات القرن الماضي، بينما يشبه "المرشد الأعلى" علي خامنئي ومحيطه دعاة "الثورة الدائمة" في الفترة نفسها.

أضغاث أحلام خامنئي

يواجه العالم الخارجي نظامًا مصممًا على فرض جدول أعماله على المنطقة، مع أسلحة نووية أو من دونها. صار تخصيب اليورانيوم قضية سياسية داخلية في ايران، والخط الفاصل بين هاتين الرؤيتين لمستقبل ايران والمنطقة بأسرها.

بقبول استمرار مشروع اليورانيوم الايراني، حتى على مستوى أقل كما يحاول جون كيري إقناع العالم، قد يقدم أوباما دفعة للفصيل المتشدد، في الوقت الذي يحلم فيه خامنئي بانتفاضة فلسطينية جديدة، وبانتفاضة شيعية ضد المملكة العربية السعودية، وباستيلاء الشيعة على السلطة في البحرين، وبانتصار بشار الأسد في سوريا.

قد لا يحتاج الرجل الأصلع إلى مشط للعناية بشعر غير موجود، لكنه يحتاجه لإثبات قدرته على أن يفعل ما يشاء، ولا يستطيع أحد منعه.