الشعب التونسي اختار "الباجي قائد السيبسي" بعد ثلاث سنوات عجاف من حكم المنصف المرزوقي ، حرص خلالها على إرضاء الائتلاف الحاكم أو الترويكا بقيادة حركة النهضة على حساب شعب يتوق للعيش الكريم، وجني ثمار ثورة، طالبت بالعيش والحرية والعدالة ، فشل المرزوقي في قيادة تونس واستكمال مطالب الثورة ، فكان التردي إقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وأمنيا، تسلل اليأس إلى التونسيين، وطالت الفترة الانتقالية، ومرت أربع سنوات، كأربعة عقود ، لكن الليل مهما طال لابد للصبح أن ينجلي.
انتهت الانتخابات، ولم تنته مطالب الشعب التونسي، يبقى على رئيس تونس الجديد أن يستوعب العبر من الماضي القريب ، ويتجنب أخطاء وقع فيها المرزوقي لأنه كان مجرد واجهة لحركة النهضة، ساكن قصر قرطاج الجديد يعي جيدا الدرس، فهو صاحب تجربة كبيرة في العمل العام، ويمكن أن يضع تونس على الطريق الصحيح رغم تقدمه في السن حتى ولو لفترة رئاسية واحدة.


التقدم في السن لن يكون عائقا ، فكثير من المصريين أدركوا أن تصويتهم للإخوان قاد البلاد إلى الانقسام والإرهاب والخراب ، وأدركوا أن "عمرو موسى" كان الأنسب للمرحلة الانتقالية لفترة واحدة، التونسيون يقرأون جيدا، ويدركون خطورة إستئثار حركة النهضة المنتمية إلى جماعة الإخوان الإرهابية بالحكم في بلد عريق ، ويعلمون أن قائد السبسي سيأتي برؤية جديدة، ولن يكون استنساخا لنظام ثاروا عليه، فالرجل لم يأت من مكتب الإرشاد إلى القصر الرئاسي ، إنما ذو خلفية إدارية وسياسية ، فقد كان الوزير الاول يعني رئيس الحكومة، وقبلها تولى وزارات سيادية كالخارجية والدفاع والداخلية ، وعاصر استقلال تونس عام 1956 ، وكان مستشارا للحبيب بورقيبة، وانضم للمعارضة وطالب باصلاحات سياسية بعد انسحابه من الحزب الدستوري وانضم لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين المعارضة، ورأس مجلس النواب عام 1991 .


يحق لرئيس تونس الجديد أن يفرض رؤيته للنهوض بالبلاد، فحزبه وهو (نداء تونس) فى موقع قيادة الائتلاف الجديد الذى سيشَّكل الحكومة المقبلة ، فى حين أن حزب المرزوقى (المؤتمر من أجل التغيير) كان جزءاً صغيراً من ائتلاف تصدرته حركة النهضة.
شعرت حركة النهضة بأن المرزوقي راحل لا محالة ، فحدث تحول في نمط التحالفات الانتخابية، فقد انتخب الرجل الثانى فى حركة النهضة "عبد الفتاح مورو" نائباً أول لرئيس مجلس النواب ب 157 صوتاً من أصل 217، رغم أن هذه الحركة لا تملك مع حلفائها أكثر من 85 مقعداً على الأكثر، وهذا كان مؤشراً على أن نوابا في حزب نداء تونس اقترعوا لمصلحة مورو.
كذلك فإن انتخاب القيادى فى حزب نداء تونس" محمد الناصر" رئيساً للمجلس بأغلبية 176 صوتاً كان مؤشرا على أن عدداً لا يستهان به من نواب حركة النهضة اقترعوا لمصلحة الناصر ، كما أن استقالة الأمين العام السابق لحركة النهضة حمادي الجبالي المعروف بدعمه للمرزوقي مؤشر آخر على التفاهم بين قياداتها، وحزب نداء تونس ، وأيا كانت التحالفات فإن التونسيين إستطاعوا فرز أوراق اللعبة، وإعادة ترتيب هذه الاوراق من جديد ، فهم يقبلون بالتعددية، ولكن يريدون تسليم الراية للتيار الليبرالي برؤية جديدة ، بعد فشل تيار الإسلام السياسي ، هم يشعرون بالقلق من نمو ظاهرة الإرهاب خاصة بعد مقتل رموز سياسية بارزة مثل شكري بلعيد ورجال أمن وتساهل الترويكا الحاكمة مع التنظيمات الإرهابية القائمة ، وعلى مرمى حجر وعلى حدودهم مع ليبيا تتربص بهم تنظيمات مثل أنصار الشريعة وفجر ليبيا وغيرها، والرهان الآن على رئيس قادر على قيادة تونس إلى بر الآمان بعيدا عن الإرهابيين والفاسدين والانتهازيين.
&