في بلد مثل العراق الذي تتصدر حوادثه اليومية التفجيرات والاغتيالات والصفقات الوهمية العناوين الاكبر فيه، بلد يعد الأسوء في العالم من حيث الفساد، بلد يطفو على بركة من الذهب الاسود، بلد تقدر ميزانيته لعام 2014 145500000000) (مئة وخمسة واربعون مليار وخمسمائة مليون دولار وذلك بحسب تقديرات وزارة الماليه).

لكن معدلات الفقر فيه تصل الى دون المستوى المطلوب ب 22 بالمائة، بلد تحتكر فيه المناصب العليا لأفراد ليسوا أكفاء، اعتلوا المناصب على غفلة من الزمن، بلد ممزقة أوصاله ومتهرأة مؤسساته، بلد يحتضر في كل لحظة، بلد تتقاتل كتله السياسية وتتناحر لأجل المناصب والمكاسب المادية والرواتب المميزة, وتمنح لنفسها ( الخدمة الجهادية ) المثيرة للجدل والسخرية - الشعب العراقي داخل العراق كله كان يجاهد زمن الطاغية صدام - !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!، بلد تنعدم في قاموس من يحكمه مفردة الوطنية والضمير، بلد تكمم فيه أفواه الأحرار الصادقة المطالبة بالعدل.، بلد جيشه و قضاؤه مسيّس، بلد تسيل دماؤه في الساحات والطرقات، بلد تتصدره الأزمات المختلقة الواحدة تلو الاخرى، بلد يبعد ويقصى الوطني والشريف فيه من المشهد السياسي، على حساب تقريب من يعتبر عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي اخوانا له، بلد تتستر حكومته على تهريب سارقي اموال الشعب، من خلال صفقات الغش، هل يمكن أن تمثل الانتخابات البرلمانية القادمة في مثل هذا البلد البائس بارقة أمل مصيرية !!!! كما يحلو للبعض ان يسميها، هل ستشكل الانتخابات فيه نقطة تحول من تاريخه الجديد مابعد التغيير،؟؟؟؟ لكن في اي اتجاه ستؤشر بوصلة هذا البلد !!!!!!، لا احد يعلم،!! هل الوضع الراهن بكل المقاييس يؤشر ان هناك ضوءاً قادماً في الطريق يعيد أمجاد بلد كان يوما ما يسمّى بلد الحضارات،. لا اعتقد ان التاريخ سيعيد إلينا حمورابي آخر، ولا نبوخذ نصر آخر، ولا عدالة الامام علي ( ع ) مرة اخرى , بكل صراحة انا من المتشائمين من هذه الاحتمالية الضعيفة جداً الا اذا حصلت معجزة في هذه الانتخابات قادرة ان تلملم جراحات بلد يلفض أنفاسه في كل ساعة الف الف مرة.

العراق دولة فاشلة في كل المقاييس، والذين أوصلوه الى هذه الحالة من التخلف شخّصهم المواطن العراقي جيدا، لا استطيع ان استثني منهم إلّا واحد او اثنين ان وجدوا، لكنني لحد كتابة هذا المقال لا أعرفهم من هم، قد يكون الشيخ صباح الساعدي و احدا منهم والسيد مثال الالوسي اللذان منعا بقرار من المحكمة الاتحادية من ترشح أنفسهم للانتخابات القادمة، والسبب هو تصريحاتهم الجريئة التي لا تتقبلها الدولة.

ألآخرون على الإطلاق شيعة وسنة وأكراد في داخل البرلمان البغدادي او في الرئاسات كلهم خدعوا أنفسهم وخدعوا دينهم وشعبهم، فهم من خانوا الوفاء للشعب الذي انتخبهم، وخانوا المرجعية العليا التي كثيراً ماتشبثوا بها يوماً.

نعم المرجعية سندتهم يوما ما، يوم ان احسنت الظن بهم، لكن حسًنا ما عملت عندما قررت إغلاق ابوابها امام المتسولين،وحسنا ما عملت عندما حرمت عليهم المال الحرام الذي اكتسبوه.

واعتقد ان هناك من يصطف معي بهذا الرأي من التشاؤم، الآلاف من العراقيين وربما الملايين، لكن بالمقابل هناك ثلة قليلة قد تختلف مع هذه المجموعة الكبيرة، هذه الثلة تغالط الواقع على الارض، تريد ان تقنع نفسها انها متفائلة متشبثة بأمل التغيير الضائع ماوراء الظلام، لكن في كل الأحوال انا ارى ان كفة الإحباط واليأس لدى العراقيين عموما تتأرجح عاليا وبقوة امام كفة التفاؤل الضعيفة جداً،

كلي يقين ان من باع العراق بسعر بخس لأي جهة كانت إقليمية ام أمريكية لايمكن له ان يراجع حساباته في الوطنية والضمير في وقت الانتخابات.

صحوة الضمير لا تأتي فجأة بتوزيع البطانيات او الزيارات المجانية مع الفنادق الى مشهد، هؤلاء مع الأرهابيين والتكفيريين من داعش وغيرها هم من أوصلوا هذا البلد الضارب جذوره عمقاً بالتاريخ الى مستنقع وبركة من الدماء لولاءات طائفية إقليمية، والى مستنقع من الفساد في كسب مال السحت والحرام.

أوجاع العراق كثيرة وإوجاعه الباكية من الأعماق لاتبدو انها ستنتهي قريبا، والعكس هو الصيح.

أسباب هذا التشاؤم كثيرة فنحن عشنا المرارة اكثر من عشر سنين عجاف وثلاثون عاماً قبلها.

العراق خطط له الدمار مسبقا لأسباب داخلية منها وخارجية، الخارجية هو مشروع دولي قائم، ليس لتدمير العراق فقط وإنما للمنطقة كلها وبالأخص الدول التي تمثل العمود الفقري لخط المواجهة والتصدي للمشروع الصهيوني - العراق،مصر، سورية، والأردن مدون تحت القائمة ومؤشرات ذلك معروفة الان بما يخص مشروع تأجيج جبهة درعا وتسكين الفلسطينيين لإيجاد بلد لهم -، يراد لهذه الدول ان تمحي من ذاكرتها كلمة فلسطين، عن طريق حروب داخلية طائفية طاحنة، تدفع بها دول تخدم هذا المشروع بقوة،وتضخ المليارات لإنجاحه.

اما داخليا: الذي أوصل البلد الى هذا المستوى من الانهيار عاملان، الاول ان الأحزاب الاسلامية اثبتت فشلها في إدارة الدولة، شيعية كانت أم سنية، قد تكون الأسباب منها قلة الخبرة، او تشبثها بالدين كأن يكون حجة لإيهام وإقناع الناس بهم بعد ان عانى الشعب مرارة الحيف في زمن الطاغية صدام، وهذا لا ينطبق على العراق فقط وإنما على معظم الأحزاب الاسلامية التي اعتلت الحكم في الوطن العربي، وتجربة الاخوان المسلمين في مصر خير دليل على ذلك الفشل. العامل الثاني، ان معظم الذين اعتلوا الكراسي العليا في الحكم هم من أتى بهم بريمر من الخارج، هولاء اكثر ما ينقصهم الوطنية، والخبرة، وكسب مال الحلال، هؤلاء معروفون، المواطن العراقي شخصهم خير تشخيص، لكن المرض العراقي مابعد 2003 المزمن هو عندما يشتد الوطيس قبل الانتخابات تسخّر الآلة الإعلامية الدعائية الطائفيةالواسعة في كيفية إجراء عملية غسيل المخ تجرى على المواطن العراقي حتى يجد نفسه مغلوباً على أمره مرميّاً في زاوية ضيقة فهو امام خيارين، اما ان يختار التكفيري الإرهابي الذي يقطع الرأس ويفجر الساحات والطرقات على غفلة من الزمن، فلا أمان لحياته، وأما ان يحتمي ويتقوقع خلف المعتقد والطائفة، وهو يعلم ان من يحتمي بعبائته هو نفسه الذي اكل وسرق ماله وخيراته وأوصله الى إنسان يشبه في خلقه إنسان جاوةو نياندرتال،

من ناحيتي لا ارى في أفق الانتخابات البرلمانية القادمة من أمل.

العراق غارق في مرض الطائفية ومرض التحزب، ولا أمل من انتشاله من هذا المستنقع وتخليصه من امراضه المقيته إلّا إذا حصلت معجزة بخروج الشعب عن بكرة ابيه الى شوارع بغداد والمحافظات كلها سنية وشيعة تطالب بحزم وقوة بلائحة من المطالب التالية :::

1. إسقاط الحكومة الحالية بكامل مفاصلها الثلاثه واجبارها على رفع الرايات البيضاء، والتنحي من الحكم أسوة بالسيد مقتدى الصدر.

خطوة السيد مقتدى الصدر سيخلدها التاريخ العراقي مهما طال الزمن، وسيصطف اسمه مع الأسماء اللإمعة في التاريخ من عائلته، بالرغم مما تخللت مسيرته السياسية في بعض الأحيان نوعا من الضبابية، لكن على اي حال معاداته للاحتلال ومواقفه الرافضة للطائفية،ورفضه للفساد، كلها مواقف وطنية لا ينكرها عليه حتى أعداؤه.

2. حل جميع الأحزاب والتكتلات والتيارات الحالية، إسلامية كانت ام غيرها واستبدالها بتجمع وطني خدمي يحمل مشروعا خدمياً يتعهد بتقديمه للشعب بفترة محددة، فليكن على سبيل المثال وليس الحصر ( التجمع الوطني للكهرباء ) او الماء او الصحة او الثقافة وهكذا،في حال فشل هذا التجمع الخدمي من أيفائه بهذا المشروع، يحاسب من قبل البرلمان المنتخب الجديد.

3. العمل على تشكيل محكمة فاعلة لاتتأثر بالضغوطات الفئوية والحزبية تختص بمحاسبة من اساء الى الشعب العراقي في الدورة البرلمانية السابقة،ومن أهدر امواله،ومن تستر على المفسدين، وان يكون استرجاع الاموال المسروقة هدفا من الاهداف المعمول بها داخل البرلمان الجديد حتى يثبت مصداقيته امام منتخبيه، وان يسجل أول نقطة مضيئة من عمر تاريخه التشريعي.

4 الى جانب ذلك يعطى لرئيس البرلمان الجديد الصلاحية بتوجيه تحذير او إعفاء أيّ عضو يخلّ بالشروط المالية أو الادارية والى من لايبدي مشاركة ومساهمة ايجابية.

5 مطالبة الشعب البرلمان الجديد سن قرار يلزم البرلماني أو المسؤول الحكومي الجديد مهما كان منصبه السياسي الكشف عن حساباته المالية وممتلكاته في الداخل والخارج علنا، وبشكل سنوي امام الشعب، اسوة بباقي الدول المتحضرة بصدق وامانه، وان لايكون القانون حبراً على ورق، وان لايلجـأ المسؤول إ لى استخدام اساليب التورية والخداع للتستر على امواله، وان تكون هناك رقابة تتابع التحركات المالية للمسؤولين. يلحق بهذا القانون قرار آخر يلزم اعضاء البرلمان العودة الى وضائفهم الاعتيادية السابقة بعد انقضاء الفترة التشريعية لهم.

اذا استطاع الشعب ان يحقق هذه المعاجز التعجيزية، أقول ربما وكلي تمنيات ان يسدل التاريخ صفحة سوداء مريرة من عمر بلاد الرافدين مابعد التغييير.

اخيراً في حال فشل الشعب ان يحقق هذه المعجزة هناك من يتكهن قد يظهر سيسسي آخر على شاكلة سيسي مصر، لكن هذا الخيار مستبعد لأن الجيش العراقي يختلف عن الجيش المصري المؤمن بااعقيدة والوطنية.

في حين لايملك العراق جيشاً وطنياَ فأغلب قياداته تنضوي تحت إمرة القائد الحزبي او تحت إمرة رئيس الكتلة الفلانية.

كاتبة عراقية

لندن