من مفكرة سفير عربي في اليابان

لقد لفت نظري عدة مشاهد إعلامية في الصحافة اليابانية مع شروق شمس عام 2014. وسأحاول أن أطرح هذه quot;المشاهدquot; الفوتوغرافية المصورة، والكتابية المطبوعة. وأرجو أن يتقبلها عزيزي، القارئ بقدراته العقلية التي رزقه الخالق، جل شأنه، بها، من ذكاء ذهني تحليلي، وذكاء عاطفي متزن حكيم، وذكاء روحي متعاطف ومتناغم. ليستوعب كيف يتصور الشرق الأسيوي ألإرهاصات السياسية في الشرق الأوسط، بعد أن أخذت منحى جديد، بانفجار الثورة الإيراينة، وتداخل الإرهاصات الثيولوجية في quot;اللعبة السياسيةquot;. وأرجو أن تنتهي هذه القراءة للإجابة على الأسئلة التالية: ما الحل للإرهاصات التي تتعرض له منطقة الشرق الأوسط، بعد ثورة مصر في يوليو عام 1956، والثورة الايرانية في عام 1979، ومنذ انتفاضة العولمة في عام 2010، والتي سماها البعض بالربيع العربي؟ فهل الاسلام السياسي هو الحل؟ أم البرلمان هو الحل؟ أم الديمقراطية هي الحل؟ وأية نوع من الديمقراطية نريدها؟ هل ديمقراطية quot;ثيولوجيةquot; على النمط الايراني؟ أم ديمقراطية quot;شرقيةquot; على النمط الهندي والجنوب الأفريقي؟ أم ديمقراطية على النمط اللبرالي الغربي؟ أم ديمقراطية على النمط quot;الكونوفسيوشيquot; الياباني الكوري الجنوبي، أم الصيني؟ وهل الديمقراطية هدف أم وسيلة؟ وما هي الاهداف؟ هل هي التنمية المستدامة اقتصاديا واجتماعيا؟ ومن سيحقق هذه التنمية؟ هل أنظمة الدستور؟ أو نوعية النظام؟ أم حكمة وإخلاص مؤسسات السلطة؟ أم عقلانية المواطن وجهوده المبدعة؟
يبدأ المشهد الأول بصورة فوتوغرافية بصحيفة اليابان تايمز تعبر على مشهد طابور طويل، يقف فيه بعض أفراد الشعب الإيراني، ينتظرون دورهم، للحصول على معونتهم الغذائية الشهرية. أما المشهد الثاني، فصورة لمجموعة من الشباب الايراني، يتأملون شنق متهمين، بتعليق رقابهم على المشانق الألفية الثالثة، رافعات تكنولوجية متطورة. والجدير بالذكر بأن أربعة عشر شاب إيراني، حكم عليهم أية الله محمد باقر موسافي، مؤخرا، في محكمة فردية، بالإعدام بتهمة خوض quot;حرب ضد اللهquot;، وquot;إعاثة الفساد في الإرضquot;، وquot;التشكيك في مبدأ ولاية الفقيهquot;، وقد كان ضمن هذه المجموعة شاعر الاهواز هاشم شعباني. أما المشهد الثالث فهو تصريح لمسئول أيراني حول قضايا الفساد التي تحيط بالرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، والتي تناقش فيها المحكمة التلاعب بمليارات الدولارات من أموال الشعب الايراني في معاملات لا اخلاقية، غير مشروعة. ولنتذكر عزيزي القارئ بأن الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، قام بعملية خصخصة كبيرة في القطاع الصناعي العام الإيراني، وقد انتهت خصخصة هذه المشاريع بمليارات في جيوب العديد من ما سمي بالحرس الثوري الايراني. أما المشهد الرابع فمنحنى بياني، يوضح نسبة التضخم السنوي الغير مسبوق في إيران، إلى 45%، خلال رئاسة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، مع تدهور سعر العملة الايرانية، وبدأ انخفاض هذا التضخم إلى 30%، مع بداية رئاسة الرئيس quot;المعتدلquot; روحاني.
أما المشهد الأخير فهو مقال نشر في التاسع عشر من الشهر فبراير الجاري، بالتعاون بين النسخة اليابانية لصحيفة النيويورك تايمز الدولية، مع صحيفة اليابان تايمز وبعنوان، خطف جهود الاصلاحات البحرينية، لسيدة إعمال ومعلقة سياسية، ساره بن عاشور، تقول فيه: quot;منذ استقلال البحرين من بريطانيا في عام 1971، ثابرت هذه الجزر الصغيرة على بناء دولة عصرية، ولكن إرهاصات الثورة الايرانية في عام 1979 صعبت هذه المهمة، بدعمها حركات ثيولوجية ... فقد ساعد الإعلام الإيراني على خلق شق طائفي، مما نشط الحركات المتشددة، وعقد عمليات الاصلاح في المنطقة، ولم يكن ذلك أكثر جليا كما هو في البحرين... فهي مملكة صغيرة، وذات أهمية استراتيجية، بوجود الأسطول الخامس الإمريكي فيها، كما أنها داعمة بقوة للوحدة العربية الخليجية، وبها ديموغرافية معقدة من الشيعة، والسنة، والمسيحيين، واليهود. وقد واجهت خلال السنوات الماضية دورات من الأحداث المضطربة، بعد أن دفعت لإصلاحات سياسية واقتصادية. وقد اختطفت هذه الاصلاحات من مجموعة صغيرة متشددة، مدعومة من النظام الايراني، وقد استطاعت السلطات البحرينية التعامل مع تحدياتها لتحقق الامن والاستقرار في البلاد، وعلى حساب بطئ عملية الاصلاح... فخلال الخمسة عقود الماضية تعرضت عملية التطور والإصلاح البحرينية لتحديات كبيرة، من مجموعات متشددة طائفية، مدعومة من النظام الإيراني... وفي عام 2001، وافق جلالة الملك حمد بن عيسى الخليفة على ميثاق عمل وطني، يحقق للبحرين مملكة دستورية عصرية، بنظام سياسي متقدم، مع زيادة الحكم النيابي، أملا في أن تؤدي هذه الاصلاحات إلى تخفيف حدة المعارضة، ورجوعهم من الخارج، ومشاركتهم في جهود الاصلاح. ولكن، لعدم تواجد حركات سياسية معتدلة بديلة، طوق المتطرفون السياسة المحلية البحرينية، ببرنامج ثيولوجي، ممول من النظام الايرانى. وقد هيمنت جمعية الوفاق، مع مؤسسات دينية، على المشهد السياسي البحريني، ليحتكروا صناديق الاقتراع والاصوات. ولم يتفهم هؤلاء التمثيل السليم لدوائرهم الانتحابية لمصلحة منتخبيهم، لتفشل برامجهم الثيولوجية في طرح قضايا الطموحات الاقتصادية والاجتماعية لمنتخبيهم... quot;
quot;وقد يبن تاريخ البرلمان البحريني بأن الاحزاب الاسلامية المتعطشة للسلطة، والتي تتدعي الديمقراطية، تعارض التعاون مع الحكومة، لتخلق أمة عصرية. بل تصر بعضها على سياسات الرفض، وفي خارج نطاق مؤسسات الدولة، ليعرقلوا التطور، ويطنطنوا بخطابات متطرفة، وليستخدموا تكتيكات صارخة، بل ليفرضوا على المجتمع quot;فنتازيات ثيولوجيةquot;. وبينما هم يهتفون في الاعلام الغربي بالقيم العلمانية، ولكنهم في الحقيقة يقللون من شأن المجتمع البحريني، المتعدد، والمتحضر، والتي ملتزمة بأحلامه مؤسسات المجتمع المدني، للتحول لمملكة دستورية، بالتمثيل التناسبي، لا بالولاء الطائفي. وفي الشهر الماضي، أطلق سمو الأمير سلمان بن حمد الخليفة، ولي عهد مملكة البحرين، والنائب الأول لسمو رئيس الوزراء، جولة جديدة من المحادثات، مع مختلف الاحزاب المعارضة، في محاولة لإحياء أجواء المصالحة، بعد تدهور الحوار الوطني في العام الماضي. وبالرغم من الدعم الدولي لمبادرة سموه، لم تبدي الأطراف المتشددة جهود حقيقة لخفض التوتر والعنف في الشارع. بل أصرت على مقاطعة الحوار، بل ادانت مشاركة الوفاق، لتزيد التناحر بين اطراف المعارضة المتفتتة... لقد اصبحت مملكة البحرين على طريق مسدود نحو تحقيق الحداثة، بينما يأمل شعبها المتحضر والمتنور في تحقيق طموحاته نحو دولة التنوير والحداثة، كما سيكتشف المتشددون، مع الزمن، بأن برنامجهم الثويولوجي مضر للشعب البحريني.quot; ولنا لقاء.

د. خليل حسن، سفير مملكة البحرين في اليابان