المريض عبد العزيز بوتفليقة مثالا معاصرا
هذا السؤال ليس افتراءا أو كما يقول البعض (جلدا للذات) أو اساءة لأمة العرب العاربة والمستعربة، بل هو رصد لحالة الحكم والسلطة في عالمنا العربي طوال الثمانين عاما الماضية أو ما يزيد. حيث اتصفت حالة الحكم والسطة في هذه الأقطار الموصوفة ب quot;العربيةquot; بحالتين من النادر أن شهدت أقطار أوربية مثيلا لها، هاتان الحالتان ينتجان حالة واحدة وهي التمسك بالسلطة والكرسي من (المهد إلى اللحد)، وهما الانقلابات العسكرية ثم التمسك بالكرسي مترافقا مع القمع والسجون والمعتقلات والفساد والرشوة. في حين أنّ غالبية الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية تنصّ دساتيرها على فترتين رئاسيتين لا يتعديان ثمانية سنوات، ويحترم ذلك الجميع دون التفكير بانقلابات عسكرية للإستمرار في السلطة والفساد والقتل. وبعكس الحالة العربية المتخلفة، فإنّ quot;جورج واشنطنquot; أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية والقائد العام للجيش الأمريكي الذي خاض الحرب ضد الانفصاليين التي انتهت بإعلان انفصال الولايات المتحدة عن بريطانيا، وأحد أهم المؤسسين للولايات المتحدة ممن أشرفوا على صياغة الدستور الأمريكي، خدم في الرئاسة الأمريكية ولايتين فقط لمدة ثمانية سنوات (1788 ndash; 1796) بعد انتخابه شعبيا بإجماع مذهل. وبعد انتهاء الولايتين الرئاسيتين له تظاهر مئات ألاف الأمريكيين أمام البيت الأبيض، طالبين منه الاستمرار في الرئاسة، فخرج للجماهير قائلا ما معناه: quot; هل سبق أن رفضت لكم طلبا؟ اسمحوا لي هذه المرة أن أرفض طلبكم ولن أقبل الرئاسة لولاية ثالثة حتى بإجماعكم، وأتمنى أن يستمر ذلك تقليدا دستوريا أمريكيا)..وهذا ما استمر من عام 1796 وحتى اليوم.

وبالمقابل ماذا يحدث في (بلاد العرب أكفاني)؟
انطلقت الانقلابات العسكرية العربية من سوريا، فمن يصدق أنّه في عام 1949 فقط بدأت وحدثت ثلاثة انقلابات عسكرية كل انقلاب يطيح بمن سبقه في الكرسي.الانقلاب العسكري الأول قام به quot;حسني الزعيمquot; في مارس 1949 ثم أطاح به انقلابquot; سامي الحناويquot; في أغسطس من العام نفسه، ثم أطاح quot;أديب الشيشكليquot; بسامي الحناوي ونظامه في ديسمبر 1949 . واستمرت بعد ذلك الانقلابات العسكرية ليس من أجل تحقيق الكرامة والديمقراطية للشعب السوري بل من أجل الاستيلاء على السلطة ثم الثروة عبر القمع والسجون والمعتقلات ومصادرة كافة حريات الشعب. وتوجت هذه الانقلابات العسكرية السورية بانقلاب حافظ الوحش عام 1970 مستمرا في السلطة والقمع والسرقة حيث زاره عزرائيل ملك الموت، بعد أنّ ورث نجله الوحش من عام 2000 وحتى اليوم. أي أن الوحش الأب والوحش الإبن ممسكان بالسلطة والكرسي والقتل والموت منذ 44 عاما. هل يقبل عقل بشري حتى في العصور الحجرية هذه الحالة السورية، التي أوقع فيها الوحش الإبن خلال ثلاثة سنوات ما يزيد عن مائتي ألف قتيل سوري وهجرة أو لجوء قرابة خمسة ملايين؟.

وفي مصر انقلاب جمال عبد الناصر،
عام 1952 ضد النظام الملكي للملك فاروق وأطلق على انقلابه اسم (ثورة يوليو 1952). جميل وجيد ولكن هل أسّس لحريات وديمقراطية؟ لا أفهم أن يعدم نظام عبد الناصر quot;سيد قطبquot; من زعماء الإخوان المسلمين ثم يعدم الرفيق quot;شهدي عطيةquot; من زعماء القيادات الشيوعية؟ فمع من كان عبد الناصر؟ مع الإخوان أم نقيضهم الشيوعيين؟ واستمر في السلطة 18 عاما حتى وافاه الموت في سبتمبر 1970 رغم تناقض روايات وفاته، وآخرها ما لا أستطيع أن أؤيدها أو أرفضها، وهي أنّه أمر بوضع السم في فنجان قهوة الملك حسين أثناء القمة العربية في القاهرة، وتم تقديم الفنجان المسموم بالخطأ لعبد الناصر بدلا من الملك حسين. هذا مع العلم أنّ كافة المصادر المصرية تؤكد أنّه مات بالسم منذ عام 1970..ولكن أي سمّ هذا؟ ومن بعده استمر أنور السادات في السلطة 11 عاما حتى وافاه الموت برصاص إسلاميين قرّبهم منه نكاية باليساريين، ثم استمر بعده حسني مبارك في السلطة 30 عاما إلى أن تمّ خلعه جماهيريا وتنحيه طواعية في الحادي عشر من فبراير 2011 قبل أن يورّث نجله جمال .

وفي اليمن والعراق وليبيا نفس المسيرة الانقلابية،
دون التوسع في التفاصيل التي يعرفها وعايشها غالبية القراء، يكفي التذكير أنّ معمر القذافي حكم ليبيا 43 عاما بعد انقلابه على نظام السنوسي الملكي، إلى حد أنّه أطلق على نفسه صفة quot;عميد الحكام العربquot;. وكذلك quot;صدام حسينquot; انقلب على رفيقه quot;أحمد حسن البكرquot; وبدأ انقلابه بإعدام حوالي 17 شخصا من القيادة القطرية والقومية لحزبه البعث (اللاعربي اللا اشتراكي) بحجة العمالة للبعث السوري الأسدي!!! هل هناك ضحك كالبكا أكثر من ذلك؟ واستمر صدام حسين في السلطة بالقمع والسجون والمعتقلات وضرب المناطق الكردية بالكيماوي وقمع انتفاضة الشعب العراقي عام 1991 بكل وسائل القتل والموت (بعث تشيده الجماجم والدم)، واستمر في مسيرته الدموية من عام 1979 حتى الإطاحة به وبنظامه بواسطة جيش الرفيق المناضل القومي جورج بوش عام 2003 ، اي أنّ صدام استمر ممسكا بالكرسي عبر القتل والإعدامات طوال 24 عاما، وتمّ إعدامه صباح فجر عيد الأضحى في الثلاثين من ديسمبر 2006 . وعلي عبد الله صالح ظلّ مسيطرا على السلطة والكرسي والثروة في اليمن السعيد سابقا، طوال 34 عاما من عام 1978 وحتى خلعه جماهيريا في عام 2012 .

وأخيرا مثال من هو على فراش الموت بوتفليقة الجزائري،
الذي استلم السلطة والكرسي عام 1999 عبر انتخابات نتيجتها العربية دوما 99,99 في المائة إلا أنّ بوتفليقة تلك السنّة أراد ان يبدو ديمقراطيا فجعل النتيجة 90.50 بالمائة فقط. واستمر في ولاية ثانية وثالثة عامي 2004 و 2009 استادا إلى تعديل دستوري فصّله على مقاسه كي يتيح له رئاسة ثالثة ورابعة. ورغم أنّه مريض وأغلب وقته في مستشفيات باريس منذ ثلاثة سنوات، وعاد في أبريل 2013 إلى الجزائر على كرسي متحرك، ورغم ذلك فقد أعلن رسميا عن ترشحه لولاية رئاسية رابعة في السابع عشر من أبريل القادم، اي أنّه سيبقى في الرئاسة ومن على كرسي متحرك وأغلب الأوقات في باريس للعلاج حتى أبريل 2018 إن لم يقم عزرائيل ملك الموت بزيارته وخطف روحه. لذلك كان شجاعا اللواء العسكري الجزائري المتقاعد quot;حسين بن حديدquot; عندما ناشد بوتفليقة يوم الثاني عشر من فبراير 2014 (أن يرحل بعزة وكرامة ليترك الجزائر تستعيد أنفاسها).

لذلط فالسؤال المنطقي هو: هل حقيقة أنّ التمسك بالكرسي والسلطة وما يصاحبها من فساد وقمع وقتل وسجون ومعتقلات مسألة مغروسة في جينات العربي، خاصة أنّ الحالات المعاصرة التي ذكرتها، لها العشرات المثيلة في عصور سابقة خاصة العصرين الأموي والعباسي، لا يريد نسبة من العرب فتح ملفاتها ويطلقون عليها في التأريخ العربي (المسكوت عليه)..أي اسكت مش ناقصنا فضايح ونشر غسيل وسخ!!!
www.drabumatar.com