يكمن حل الأنهيار الأمني في تفويض كتلتي المذهبية للوزارات الأمنية الشاغرة. وهي وحدها الكفيلة في إستقرار الأمن وإنهاء التفجيرات وحسم الأعمال الأرهابية اليومية.&
كي يفهم القارئ أني أتطرق هنا الى حقيقة تردي الأوضاع العسكرية والأمنية اخترتُ كلمة " لغط " في تبيان ناحية لم تمس بعد عقول المأساة الموجهة للأمور والعمليات العسكرية بالخديعة والأبتزاز في إساءة لحقوقنا وأمننا وسلامتنا وإنسانيتنا في مجتمع يسوده اللغط ويتكرر في تصريحات الأبتزاز بأن (وزيرهم) سيحل بعصاه السحرية كل الفشل الأمني وإخطاء من سبقوه في العشر سنوات الماضية.&
عشاق السلطة وعبيد المال لايأخذون بعين نصائحهم المُكررة، وسواء أكان الأمر بحماية أرض العراق من الأخطار المحيطة من دول الجوار أو محاربة التمزق المذهبي أو تشكيل الوزارات الامنية للدفاع والداخلية (موضوع حديثي هنا)، فأن من يتناول شؤون الفشل هي عقول الفشل نفسها وهي المهيمنة على كتل تؤمن بتجييش وعسكرة العراق، وعسكرة العراق بمذهبية جيوش وليس بعقول. فبدلاً من قيادة عسكرية وطنية موحدة، وجدوا أن من مصلحتهم خلط مليشيات تسند عشقهم للسلطة والنفوذ. إستعراض بسيط يعطيك الدلالة على الحالة التي أدت الى تدهور الأمن وإنهيار الجبهات الداخلية والحدودية.&
مع كل ذلك، مازالنا نرى هذا الغباء يُكرّر ويُعاد على الأسماع، وصيغته أن يكون المرشحان لأشغال وزارة الدفاع ووزارة الداخلية من حصة مُستقلين بعيدين عن هيمنة الاحزاب والتكتلات والمليشيات ويتمتعان بحرفية وخبرة المهنة العسكرية.&
اليوم، كل جهة ترى أنها الأولى وألاصلح في تشديد قبضتها على وزارة الدفاع بمرشحها المستقل ووزارة الداخلية والأمن بمرشحها المستقل الآخر. وحلفاء العراق في الداخل والخارج يعلمون تماماً أن فجوة الأمن تقادُ مذهبياً من الداخل، وشارات الرتب العسكرية العالية للضباط لا تستطيع سد الفجوة، ويعلمون كذلك عدم وجود مثل هذه الشخصيات المستقلة التفكير والخبيرة التصرف، والكفوءة العمل.&
كان العرقيون يسخرون من الخبرة العسكرية ل علي حسن المجيد وزير الدفاع العراقي ووطبان التكريتي وزير الداخلية من عشيرة الرئيس السابق صدام والمأسي التي ألت لها التشكيلات العسكرية العراقية وتفريق ولائها بالتحريض المذهبي. وترى اليوم نفس العقليات العشائرية والمذهبية تسوق عربات الأمن وتبرره بطرق ساذجة.&
المخيف في الحالة العراقية، كما قلتُ مراراً، أن العديد ممن أرادوا إخراج العراق من قائمة العنف أطلقوا النار على تاريخ أرض بلاد الرافدين ومرغوا ودمروا حضارته بتفضيل قومية على قومية وتصريحات خرقاء مخزية في إعلاء مذهب ديني على مذهب ديني، وتبرير كفاءة ممثليه وإدعيائه ونواياهم إنتشال أهل العراق من واقعهم المُحزن، فلم يحالفهم أو يحالفنا الحظ.&
الدراسىة المجتمعية التعليمية للعلل التاريخية المُزمنة للتجرد وإنتزاع الغضب المذهبي، أبقتْ الأمور والأزمات والخلافات على حالها منذ 1400 سنة وأخفقت في رؤية بداية طريق في ألفة الوطن وبصيرة وعقل متنور. وتجد أن قادة العراق يعيدون الفشل العسكري والأمني بخط أيديهم وكلامهم، ويأتي أفتراضهم في التخطيط السياسي أقصر من مستوى التنفيذ الأمني.&
لم ينتصر الحلفاء في الحرب العالمية لأن وزير الدفاع الأمريكي قاد الحرب بخبرته الفريدة وإنتمائه المذهبي وإنما بتوافر عناصر النصر في قيادة الحلفاء الموحدة وخططها للحرب.&
وبمتابعة عمليات الأرهاب في الموصل والفلوجة وتكريت وديالى وبغداد وطريقة الجيش العراقي في معالجتها، يستطيع المراقب الملاحظ للفشل الأمني العراقي أن تمريره يتم بتصريحات مفرطة بالجهل العسكري وتُسهم في تعميق الفجوة الأمنية، فقد أحاطَ خبرائهم ومستشاريهم العاصمة بغداد مثلاُ، بالسواتر الأسمنتية والحواجز ونقاط التفتيش وأعتبروه عملاً أمنيا خارق الذكاء مع أنها لم تُحقق سوى تشويه طابع العاصمة ونكران الألفة وإرتفاع ملحوظ في عمليات الأختراق الأمني. وكي تتضح الصورة يمكن للقارئ ألقاء نظرة واحدة الى باور بويت Walls of Baghdad لتعطيك فكرة مُروعة عما أقول.
تمرير الفشل المُخجل بتصريحات الجهل العسكري جعلَ من قيادة عمليات بغداد (محطة أخبار تشابه نشرات الأخبار الجوية اليومية ). حتى بسقوط قذائف هاون في مركز العاصمة يأتي التصريح خبراً عادياً ("قذيفتي هاون سقطتا على الجسر العائم في منطقة الكريعات، وسقطت ثلاث قذائف هاون اخرى بالقرب من الوقف السني، وعدد من القذائف على معسكر العدالة في مدينة الكاظمية وان "القوات الامنية" استطاعت السيطرة على الاوضاع والقاء القبض على ارهابيين اثنين). هذا الى جانب (أن العاصمة بغداد شهدت، اليوم الخميس (18 ايلول سبتمبر 2014) مقتل 17 شخصاً واصابة 40 آخرين بانفجار سيارتين مفخختين وعثور القوات الامنية على ثماني جثث مجهولة الهوية بمناطق متفرقة من العاصمة).
&فبعد 10 سنوات من الأرهاب الداخلي وفجوته الكيدية المذهبيةالمعروفة، أليس الأولى الأعتراف بأن هذه الحوادث هي عمل مجموعات مذهبية مُكلّفة؟ ومتى ستنتهي اللجان التحقيقية وكشف هذه الزمر وتقديمها للعدالة؟&
يُدلي أحد ممثلي الكتل النيابية بجهل تام ودون إدراك أن المسألة تربوية ولاتتعلق بأختيار وزير لشغل مقعد عسكري أمني، ومع ذلك يقول للصحافة (الكل متفق على اهمية هاتين الحقيبتين وهما الداخلية والدفاع) ويصرح متفاخراً (أنه تمت لقاءات عدة مع رئيس الوزراء حيدر العبادي لحسم هذا الامر بعد عيد الأضحى). بكلمة أخرى، إختيار وزير للدفاع ووزير للداخلية (في عقول البعض) ستُحل مسألة الأرهاب الداخلي والخارجي. أليس هذا مدعاة للألم والسخرية والجهل وضياع المسؤولية؟
خلال السنوات العشر الأخيرة لحروب مليشات المذاهب والقوميات والجيوش الرديفة والجهد والحشد الشعبي، كانت دعوات بعض القيادات العراقية في الحكومة ومجلس النواب للثورة ضد الأرهاب والوقوف ضد من يقوم بتهميش مكونهم القومي أو المذهبي. وأخذت تلك الدعوات شكل التأمر بأوجه مختلفة، مرة بتشجيع مفهوم الأنتقام والقتل والتفجير في الترهيب والتفجير، ومرة من داخل مجلس النواب ومرة من جوامع يؤمونها للصلاة والعبادة وتمرير الأسلحة، ومرة عن طريق مبارزات مليشياتهم والتهديد بقطع الطرق التجارية الدولية، وبدلاً من ربط القوات المسلحة بعقيدة حب الأرض والوطن فأنهم قسموا العراق الى وحدات شعبية وزرعوا الشكوك بين قواته المسلحة وتركوها ضحية لمصيرها لتضاف الى المأسي التاريخية للعراق.&
لغط عشاق السلطة والمال وحديثهم عن الفجوة الأمنية هو رمي فشلهم على فرد يتخاصمون عليه ليشغل وزارة الدفاع وفرد يشغل وزارة الداخلية. وبهذين الأختيارين ستبشر السلطة شعب العراق بتفوقها على الأرهاب والأرهابيين. أنها عقول المأساة الموجهة للأمور ولاتتمكن بهذا اللغط من فرض السيطرة على محيط مدينة بغداد.
&
كاتب وباحث سياسي&
التعليقات