&دخل العراق، مرغماً من قبل بريطانيا العظمى، الحرب ضد ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، ودخلها متطوعاً في فلسطين سنة 1948، ودخلها مجدداً ضد إسرائيل متضامناً مع مصر وسوريا سنة 1967، وكذلك في سنة 1973، ثم خاضها حرباً عبثية معتدياً على إيران سنة 1980 ولغاية 1988، ومن ثم شن حرباً عدوانية أخرى عندما غزا الكويت سنة 1990، وتعرض لحرب من قبل التحالف الدولي لتحرير الكويت بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1991، وتعرض لحرب نفسية مدمرة من خلال حصار دولي ومقاطعة أرجعته نصف قرن إلى الوراء، وفي نفس عام الهزيمة أمام قوات التحالف الدولي، شن النظام حرب إبادة ضد الشعب العراقي العربي والكردي عند قمع الانتفاضة الشعبانية في عام 1991، ثم شنت عليه الولايات المتحدة الأمريكية هجمات جوية عنيفة ومدمرة سنة 1998، وأعقبتها بحرب عدوانية على العراق وغزوه سنة 2003، ويتعرض اليوم لحرب همجية ودموية من قبل تنظيم داعش الإرهابي وتدخل التحالف الدولي بهجمات جوية مدمرة على جزء واسع من الأراضي العراقية التي يحتلها تنظيم داعش والتي قد تستمر لشهور، وربما لسنوات طويلة قد لا تثمر شيئاً وقد يكون مصيرها الفشل والإخفاق إذا ما استمرت على هذه الوتيرة وبهذه الطريقة العشوائية.

لا توجد حرب عادلة أو نظيفة فكل الحروب قذرة ومدمرة ولا يعرف مآسيها إلا من عاش أهوالها و يتلظى يومياً بغمارها ويتحمل معاناتها وآلامها وفواجعها، فأوروبا خبرت بنفسها مآسي حربين عالميتين مدمرتين غير مستعدة اليوم لتكرارهما، في حين أن العراق ما يزال يعيش في أتون الحروب المتعاقبة ويئن من جراحها ونزيفها المستمر إلى يوم الناس هذا. فالحرب هي خراب ودمار وألم وحزن وفراق وأيتام وأرامل ومصابين ومعوقين وجرحى ومحطمين نفسياً وحرمان وضياع للحريات واقتصاد منهار وديون وتهديد خارجي مميت وتشويه للنفوس وتحويلها إلى وحش مفترسة أو فرائس لا حول لها ولا قوة والكل يدفع الثمن ويغدو الموت رفيق مؤنس، بل وخلاص يتمناه الجميع. سبق للولايات المتحدة الأمريكية أن هزمت في فيتنام في القرن الماضي وفي أفغانستان والعراق في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ولم تفلح في فرض أهدافها السياسية على المدى الطويل. وفي هذه الحرب المعقدة يتوقع المراقبون والمحللون الاستراتيجيون أنها ستفشل هي الأخرى إذا اكتفت بالضربات الجوية وانتهجت سياسة الكيل بالمكيالين أي الازدواجية السياسية فيما يتعلق بأمر التعاطي مع الجانب السوري وواصلت ضرب أهداف محدودة وبكلفة مرتفعة لبعض مواقع داعش، من جهة، والاستمرار بتمويل وتسليح وتدريب المقاتلين الإسلامويين المتشددين في سورية وهم لا يختلفون عن داعش سوى بالتسمية من أمثال أحرار الشام وجبهة النصرة والجبهة الإسلامية، وكلها تنويعات لأيديولوجية واحدة تكفيرية وإرهابية، وهذا ما لم يدركه أو يستوعبه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما ولا القادة الغربيين في حلف شمال الأطلسي الناتو. لم يسمع الأميركيون ولا الأوروبيون بأقليات دينية وعرقية مضطهدة في العراق كالأزيديين والتركمان والشبك والصابئة والكلدان والآشوريين والسريان وغيرهم ولم يسمعوا سوى بالكورد والشيعة والسنة. وفجأة أصبحت ماساة هذه الأقليات محل اهتمام يرقى إلى مستوى ضرورة حمايتهم دولياً من الإبادة الجماعية على يد أوباش ومجرمي داعش الهمجيين. لم يكن مفاجئاً أو مستغرباً أن يغدو هؤلاء الأبرياء المسالمين المدنيين أهدافاً معلنة ومباشرة لهمجية ووحشية الدولة الإسلامية داعش التي لم تتوان عن ارتكاب أبشع الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية بحق هؤلاء كذبحهم وتهجيرهم ونهب ممتلكاتهم وسبي نسائهم وأطفالهم وتشريدهم في العراء في الجبال والبراري تحت لهيب الشمس الحارقة. فحوصر ما لايقل عن أربعين ألف أزيدي في جبل سنجار مهددين بالموت من الجوع والعطش والأمراض ينظر لهم العالم عبر التلفاز هائمين في العراء، في حين هرب غيرهم هرب إلى مدن دهوك وأربيل في إقليم كردستان العراق، وكانوا معرضين للفناء وفتد الدولة الإسلامية بهم لو لم تتحرك المجموعة الدولية والجيش العراقي والبيشمركة وقوات الحراك الشعبي المتطوعة للدفاع عنهم وفك حصار داعش الذي كان يتهددهم. هل ستكرر الولايات المتحدة وحلف الناتو نفس الأخطاء القاتلة التي ارتكبوها في ليبيا عندما تدخلوا لإطاحة الدكتاتور الدموي معمر القذافي بحجة نواياه بارتكاب مجزرة بشرية بحق مواطنيه في بنغازي، حيث شن الغرب حرباً جوية راح ضحيتها عشرات الآلاف من الأشخاص بينهم الكثير من الأطفال والنساء والمدنيين والشيوخ والعجائز وكبار السن، ولم يبخل الغربيون في دعمهم وتمويلهم وتسليحهم للعديد من التشكيلات الإسلاموية المسلحة ومختلف الميليشيات على الأرض لأخذ السلطة بعد إسقاط الدكتاتور الليبي، بمشاركة فعالة من قبل قوى ودول إقليمية مثل قطر وتركيا، ثم تركوا ليبيا تواجه مصيرها لوحدها تتفتت وتترنح تحت ضربات ومواجهات الميليشيات المسلحة.

لم يفهم الأميركيون لماذا هرب الأزيديون إلى جبل سنجار وليس إلى مناطق موجودة تحت سيطرة قوات البيشمركة الكردية، فهم يجهلون أن الأزيديين لجأوا إلى جبلهم المقدس سنجار لأنه بمثابة ملاذهم الأخير قبل الإبادة إذ أنه كان في الماضي حسب اعتقادهم ملاذاً لسفينة نوح الذي رست فوقه بعد الطوفان. إن مصير الأزيديين وباقي الأقليات العراقية لا يهم الغربيين بقدر ما يهمهم استغلال ظروفهم للدعاية والتعبئة الدولية وتأمين الشرعية للتدخل العسكري بذريعة محاربة داعش حيث أن السبب الحقيقي وراء هذه الحملة الدولية ضد داعش هو أن هذا التنظيم الإرهابي صار يشكل تهديداً مباشراً على الغرب لوجود آلاف المواطنين الغربيين المنخرطين بين صفوفه والذين سيهددون أمن الدول الغربية في حال عودتهم إلى بلدانهم الأصلية في أمريكا وأوروبا. فداعش ترتكب الجرائم والمذابح ضد جميع الأقليات الدينية والعرقية والإثنية الموجودة في سوريا والعراق ولم تتردد في ذبح مواطنين أمريكيين وأوروبيين بصورة وحشية مرعبة كما حصل للصحافيين الأميركيين وللمواطنين البريطاني والفرنسي مؤخراً وعرض جرائمها على شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنت. لم تسع دول الغرب وحليفاتها من الدول الإقليمية، خلال السنوات الثلاثة المنصرمة، إلى إيجاد حل سياسي مرضي للجميع ومنصف في سوريا. بل دعمت وشجعت استمرار العنف الممنهج في سوريا الذي تحول إلى حرب أهلية مدمرة تقودها الجماعات الإرهابية الإسلاموية التكفيرية. ولكن عندما تمادت داعش وتجاوزت الخطوط الحمر المرسومة لها أو المسموح بها من وجهة نظر الغرب، بات ضرورياً وقفها عن حدها وتدميرها أو استئصالها إذا دعت الحاجة لذلك. من هنا نستطيع أن ندرك أهمية تشكيل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد الدولة الإسلامية داعش. ففرنسا وبريطانيا عرابي اتفاقية سايكس بيكو سنة 1916 يشاركان بكل قوة في هذه الحرب، ولكل واحدة منهما حساباتها الخاصة ومصالحها الخاصة، خاصة بعد أن نفذت داعش تهديداتها وذبحت مواطنين أمريكيين ومواطن بريطاني ومواطن فرنسي أمام أنظار العالم الذي أصيب بالذهول والرعب من جراء هذه المشاهد الدموية المرعبة التي يشاهدها الرأي العام العالمي وهو عاجز عن عمل أي شيء لمنعها أو إيقافها. فكما لم تنجح الولايات المتحدة الأمريكية في حربها العالمية ضد الإرهاب في تدمير تنظيم القاعدة الإرهابي بالرغم من نجاحها في قتل زعيمها أسامة بن لادن، فهي لن تنجح في تدمير تنظيم داعش الإرهابي وهو الوجه الآخر للقاعدة، حتى لو تمكنت من قتل زعيمها الخليفة إبراهيم أو أبو بكر البغدادي. فقتل الأشخاص لا يعني بأي شكل من الأشكال قتل الأفكار، والحال أن الجميع يعرف بأن هناك أيديولوجية تكفيرية متشددة إسلاموية تستخدم الإرهاب سلاحاً، هي التي تقف وراء نشوء تنظيمات إرهابية من أمثال القاعدة وداعش، وهناك حواضن اجتماعية ومحيط مالي داعم لها في كل مكان في العالم، فأوروبا نفسها، على سبيل المثال، تساهم في تمويل داعش من خلال شرائها للنفط المهرب من قبل هذا التنظيم الإرهابي، والذي يباع في السوق السوداء وهم يعرفون مصدره تمام المعرفة. كما أن الفرصة باتت مواتية للرئيس باراك أوباما ليثبت قوته وحزمه بعد اتهامه من قبل خصومه الجمهوريين بالضعف والتردد وتعريض مصالح الولايات المتحدة الأمريكية الحيوية للخطر،ولتكن له حربه الخاصة أسوة بمن سبقه من الرؤساء الأميركيين، فلكل رئيس حربه الخاصة كما يشاع هناك، وستكون حرب أوباما ضد داعش وستحظى بتأييد ودعم الرأي العام الأمريكية والعالمي. إن تجربة أمريكا في العراق مرة من خلال مغامراتها السابقة فهي لم تنجح في تركيع العراق لا سيما وأن هذا البلد محاط بعدة دول متنافسة لكل منها حساباتها الاستراتيجية الخاصة خاصة تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية، فالولايات المتحدة الأمريكية تسعى من خلال تدخلها بذريعة "حماية" العراق من "خطر" داعش، الى وضع حدٍ للتأثير الإيراني في العراق الذي تزايد بعد وصول أوباما للسلطة وسحبه للقوات الأمريكية من العراق ومحاولة منع تشكيل تحالف استراتيجي منشود ومرغوب إيرانياً، يمكن أن يكون نواة لمحور استراتيجي يمتد من طهران ويصل إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق والذي أسماه البعض الهلال الشيعي كالرئيس المصري السابق حسني مبارك والملك الأردني عبد الله الثاني، وبالتالي لابد من من كبح جماح الإيرانيين وتقسيم العراق إلى ثلاث كونفدراليات مستقلة عن بعضها ومتنافسة إن لم نقل متناحرة فيما بينها مستغلين هذا الظرف الاستثنائي المتمثل ببسط داعش لسيطرتها على أراضي واسعة في العراق وسوريا مما سيمنحها فرصة لا تعوض لدفن أية فرصة مستقبلية لتشكل مثل هذا المحور، ولهذا السبب تم تشكيل العصابات الارهابية لتخريب النسيج الاجتماعي في العالم العربي وإعادة إحياء النزاعات المذهبية والطائفية والقومية وتشجيع بعض الجهات على طرح مشاريعها الانفصالية. وتسعى إيران بدورها للكشف عن النوايا الأمريكية الحقيقية في التدخل في سوريا والعراق، التي تتجاوز في حقيقة الأمر، حسب الرؤية الإيرانية والروسية، المخاوف المشروعة من خطر داعش الجاثم على المنطقة وانكشاف دور المخابرات التركية، المتعاونة مع مخابرات دول حلف الناتو، كمشرف وموجه لتحركات داعش وخططها في كل من العراق وسوريا.

&