يقسم علماء الإجتماع في العالم إنتماءات الفرد في أي مجتمع إلى نوعين:&

النوع الأول عامودي:

وهي إنتماءات وراثية يكتسبها الإنسان بالولادة وليس بالاختيار. فالإنسان لا يختار انتماءه العرقي والديني والمذهبي والقبلي، فهذا شأن وراثي ينتقل من الأباء إلى الأولاد بالوراثة.&

هذا النوع من الإنتماءات، هو الإطار الأكثر قابلية للتعصب والصراعات الطويلة الأمد، إذا ما جرى شحنها بمضامين سياسية، فإنها تشكل قاعدة لتنازع مزمن، وعلى سبيل المثال الصراع بين الكاثوليك والاورتودوكس، وعند المسلمين الصراع بين الشيعة والسنة الذي يعود تاريخه إلى 1400 سنة.

هذا بخلاف النمط الثاني الذي لا يخلو هو الآخرمن تعصب، ولكنها تبقى صراعات قصيرة الأمد وقابلة للتفكيك والمعالجة بإجراءات معينة وغير مكلفة كالإولى. ومن هنا يأتي أهمية ودور منظمات المجتمع المدني، التي يمكن تلعب دورآ فعالآ في المجتمع، وهي أداة فعالة لبناء قاعدة ثقافية وإجتماعية قليلة التعصب والتطرف. وهذه المنظمات قادرة على تسويق لغة الحوار والتفاهم بين الشرائح الاجتماعية من جهة، وبينها وبين الدولة من جهة أخرى.

&

النوع الثاني أفقي:

الإنتماءات الأفقية إختيارية، فكل شخص منا يختار مهنته وناديه وحزبه بنفسه، ويتركها متى ما شاء، وهذا الإنتماءات تتم بشكل تعاقدي بين الطرفين. مثلآ ينضم الإنسان إلى جمعية أو حزب سياسي أو نادي بالإتفاق، وفق شروط معينة تحدد واجبات وحقوق كل طرف تجاه الأخر، ومن حق أي طرف منهما إنهاء هذا التعاقد إن رغبا في ذلك.&

ولكن علماء الاجتماع لاحظوا أن النمط الأول هو السائد في المجتمعات التقليدية، مثل المجتماعات الشرق أوسطية كالمجتمع المصري والتركي والسوري والإيراني..الخ.

بينما تتسم المجتمعات الحديثة بانتشار النمط الثاني، كما هو الحال في المجتمعات الغربية، كالمجتمع الأمريكي والفرنسي والبريطاني وغيرهما من المجتمعات. ويعود السبب في ذلك لأهمية الفرد في المجتماعات الغربية، وروح المبادرة التي يتمتع بها الفرد في هذه المجتمعات الحديثة، بخلاف نظيرتها التقليدية التي يقل فيها قيمة الفرد ودوره، لصالح العائلة والمجتمع ككل.&

ولكن تشكيل الهوية الشخصية للإنسان ليست بالعملية السهلة، كما يبدو للوهلة الإولى،&وهي لا تأخذ مسارآ مستقيما، كما يقول عالم النفس الأميركي المعروف إريك أريكسون،

فهي تتفاعل مع العائلة والمجتمع المحيط به. فمن جهة الفرد يحاول تشكيل هويته كما يرغب هو، ومن الجهة الإخرى المجتمع المحيط به يحاول تشكيل هويته كما يريد هذا المجتمع. وهناك صراع دائم بين هاتين الدائرتين فمرة الدائرة الشخصية تتغلب ومرة الدائرة المجتمعية تنجح في تشكيل هويته في أشياء معينة. وأحيانآ على الفرد التوفيق بين الهويتين ليتجنب الصدام بينهما ويستطيع الإندماج في المجتمع، ولا يبدوا شاذآ في نظرالمجتمع المحيط به.&

في الدول النامية، أكثرية السلطات السياسية تشجع الإنتماءات العامودية للفرد وخاصة العصبية القومية والطائفية والجهوية، وتقوم بشحنها بمضامين سياسية والقيام بضرب الكيانات المختلفة بعضها بالبعض، بهدف سهولة التحكم بها وإستغلالها لمصلحتها وإدامة حكمها. وخير مثال على ذلك السلطة السياسية في لبنان وأحزابها، وهذا ينطبق أيضآ على العراق وسوريا وتركيا وإيران وغيرها من دول المنطقة.

أما في البلدان المتقدمة، السلطات السياسية، تدعم حرية الفرد وتدعوه للمبادرة، وتفسح المجال واسعآ أمام عمل منظمات المجتمع المدني، وتقوم بتقديمالدعم المعنوي والمادي لها، لكي تقوم بدورها على أكمل وجه، وتخدم المجتمع، بعكس ما يحدث في مجتماعاتنا الشرقية المتخلفة، حيث يسجن نشطاء منظمات المجتمع المدني وينكل بهم.&

إن السلطة السياسية في البلدان النامية، هي التي تتحمل مسؤولية عدم تطور مجتمعاتها، وإنتقال مواطنيها من العصبيات العرقية والطائفية والمذهبية الضيقة، إلى فضاء الحرية والديمقراطية ودولة القانون والمواطنة الحقة. وبسبب غياب كل ذلك، الناس تتمسك بالوحدات الإجتماعية الأصغر من الدولة، مثل القبيلة والعشيرة والطائفة للإحتماء بها، وهذا أمر مفهوم في مثل هذا الوضع.&