&

بعد أن ابتدعوا دينا سياسىا ودينا اقتصادىا ودينا اجتماعيا ودينا ثقافيا،أخيرا ابتدعوا الحلقة الاخيرة المبهرة دين عسكرى، وبدلا من التطلع للمستقبل والانصهار فى بوتقة البشرية والاندماج مع بقية الخلق الالهى والمساهمة فى اعمار الكون، عادوا القهقرى ألف عام،تراودهم احلام الغزو والفتوحات والغنائم والسبايا، والشيخ باراك حسين الذى أفتى لهم بهذه الخطة يعلم تمام العلم بأنها خطة فاشلة فى مواجهة داعش الذى يدعى أنها عصيه، لكن الخطة ستنجح فى استنزاف ماتبقى من أرصدة عوائد النفط، فهو ونحن والجميع نعلم أن داعش هى أحد مشتقات النفط السامة، فلولا هذه الصدفة الجيولوجية البحته (أى النفط) ولولا أرصدتها التى تراكمت لما خرج الفكر الوهابى عن حدود نجد، كما يعلم الجميع أن داعش ستظل حتى آخر دولار نفطى أما تلك التى يروج لها جوقات شيوخ هذه الانظمة عن أسباب انتشار داعش فهى أكاذيب مفضوحة لاتدخل عقل ساذج، فداعش هى الجناح العسكرى للفكر الوهابى التكفيرى، الذى يتبرأ الجميع منه الآن وهم ممولوه ومشجعوه ومريدوه ومروجوه.

وبالطبع سيكون هذا الجيش الدينى بقيادة الممولين، ومادام الممولين سنه فسيكون جيش سنى، وفى المقابل سيقوم ممول شيعى بتكوين جيش شيعى، أما الجيش السنى فسترعاه وتبيع له السلاح راعية السنة فى العالم، وفى المقابل ستقوم راعية الشيعة فى العالم يتزويد الجيش الشيعى بأحدث ما فى ترساناتها، ويتصارع الجيشان وتظل البؤر الملتهبة ملتهبة وتزداد رقعتها،وتتدفق مبيعات السلاح، وتتطهر أوربا من الارهابيين المهاجرين الى ميادين القتل الجديدة ليمارسوا شعيرة الجهاد المقدس ويقتلون بعضهم بعضا، وتظل الحرب مشتعلة حتى آخر برميل نفط وآخر ارهابى أيضا، وعندئذ يبدأ الفصل الثانى من الخطة السرية سايكس بيكو الجديدة أو الشرق الاوسط الجديد بزعامة تركيا واسرائيل وسيرضخ العرب أو بقاياهم لأى حل لما كان يسمى سابقا بالقضية الفلسطينية، ويستباح الشام كله وتتوسع تركيا فى سوريا والعراق، وتقسم العراق وبقية سوريا ومعها لبنان الى كانتونات مذهبية، وتستولى ايران على الكويت والشريط الشيعى من العراق وان أمكن بعض الامارات الاخرى، وبعد أن يفرغوا من آسيا سيتفرغون للجزء الباقى على ساحل المتوسط الجنوبى أى شمال أفريقيا مصر وليبيا وتونس والجزائر، والذين سيتهموننا بعشق التفسير التآمرى للأحداث لهم عندنا كثيرا من الردود أولها: اننى كلما حاولت الخروج من عباءة التفسير التآمرى للاحداث أفشل فشلا ذريعا، فكل المعطيات تسوقنا سوقا لسيناريو محبوك بعناية للخطة التى عرضناها.

ثانيا:من هو الساذج الذى يقتنع بأن أكبر وأقوى وأعتى الجيوش بطائراتها وأقمارها الصناعية وترساناتها التكنولوجية عجزت لمدة ثلاث سنوات عن التصدى لبضع مئات من المغامرين، ثم يقذفون الكرة للسذج بمبدأ هذا ارهابكم فحاربوه،ومن يصدق أن قوة داعش تفوق قوة صدام حسين الذى شنقوه ودمروا جيشه ودمروا دولته بالكامل وقتلوا أهله فى شهور قليلة.

هذه هي الجوقة التي تنشدنا كل يوم وعلى مدار الساعة نشيد القتل والموت والدماء،وأنغام العزف المصاحبة هى صليل الصوارم وأصوات الانفجارات وعويل الثكالى والارامل واصطكاك أسنان الأطفال من صقيع خيام الصحارى، جوقة تنشد نصوصا من القرن السادس لحنها ووزع موسيقاها جهابذة من كل القرون وكل البقاع من الهند وباكستان وأفغانستان والربع الخراب ابن تيمية وبن القيم والمودودى وعبد الوهاب.

ثم أن استرقاق هذه الشعوب وضمان بقائها فى هذا الوضع المزرى يتحتم أن تظل مقهورة فقيرة أسيرة، وذلك لايتأتى الا باستنزاف مواردها وشبابها كوقود لحروب مصطبغة بصفة القداسة،أى الحروب الدينية أى حروب نصرة الله، ومن يستطيع الاعتراض على نصرة الله؟ ومن يسطبع التساؤل هل هذا الاله ضعيف حتى يحتاج لدعم البشر؟ كلا وحاشا فهؤلاء استغلوا هؤلاء البسطاء المتدينين بالفطرة وقودا لحروب لم تتوقف من القرن السادس وحتى اليوم، وبدلا من مراجعة هذه الحقبة من التاريخ لهذه البقعة المنكوبة من الجغرافيا، ودراسة نتائجها وما آلتالية أحوال البشر فيها، الا أن الغباء التاريخى المتاصل يجعلهم يتوهمون أن نفس المدخلات قد ينتج عنها مخرجات مختلفة، ولايعون دروس التاريخ فقد جربت امم قبلا نفس السيناريو الهابط نقصد الهابط من السماء أى حكم الدين ورجال الدين للدنيا، أى مزج الدين بالسياسة وثبت فشله فشلا ذريعا ليس لعيب فى الدين،ل كن العيب فى خلط القيم السامية الثابتة المطلقة بالقيم الدنيا المتغيرة المناورة النسبية، ولأنهم كالماء والزيت فشلت كل محاولات مزجهم ورغم محاولات مزجهم بالعنف لكن سرعان مايتم الانفصال الكامل، ألسنا أعلم بشؤون دنيانا من رجال الدين؟ ومحاولات مزج الدين بشؤون الحياه الاخرى كالاقتصاد والاجتماع والثقافة والفنون وحتى الرياضة نتج عنها نفس النتائج فى كل العصور،وعادت الامم المتحضرة للبحث عن البديل ووجدته،وضعت الدين ورجاله فى مكانتهم الساميه، وأعلت المبدأ الالهى الأعلى الازلى الابدى أى الحرية، من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وكل سيؤدى حسابه عن نفسه فى يوم الدين أمام مالك يوم الدين، أما شئون السياسة والاقتصاد والاجتماع فتلك ميادين المتخصصين الدارسين الاكاديميين يتناوبون على كراسيها بالانتخاب الحر وبالكفاءة والعلم، وليس بالوراثة والابتعاث الالهى.

وكما خلطوا الدين بكل شيئ وهاكم النتائج على الساحة لاتحتاج تعليقا، كنا نأمل أن يجربوا ولو مرة واحدة أن يمزجوا الدين بالحب، ويجربوا تأثير المركب السحرى الناتج، شفاء للنفس والروح والجسد، تصالح مع النفس والغير والخالق، معرفة الخير والحق والجمال،هذا هو المزيج الذى جربه المتصوفون الأول وقبضوا عليه كلحظة حقيقة تشبثوا بها، ولم يستطع أحد أن يثنيهم عنها لأنهم جربوا المنتج عندما تعاطوه فقد أهداهم الى الطريق الوحيد الموصل للفردوس،وهو جهاد النفس وليس جهاد القتل والدم والغزو والسبى، جاهدوا أنفسهم حتى ترق قلوبهم وتصفو عقولهم وتهيم أرواحهم فى الملكوت الأعلى، ولم يتركهم المتعصبين المتعطشين للدماء طاردوهم وسجنوهم وقطعوا رؤوسهم وحرقوا كتبهم وحكموا بكفرهم لالذنب جنوه الا لأنهم مزجوا الدين بالمحبة ونادوا بدين الحب فهب المدافعين عن دين الله ليزيلوا هذه الوصمة فكيف للحب أن يقترن بالعقيدة فتلك بدعة وضلالة يجب أن يعاقب مرتكبيها أشد العقاب.