&ما هو لون عدسات النظارة التي تضعها على عينك؟ كلنا يرى الأحداث من حولنا من خلال طلاء رقيق يلوّن ما نراه فيضفي عليه عمقا لا يراه بالضرورة الآخرون. فمن يعيش في بلاد يحكمها رجال وليس نظام فيحق له أن يرى المؤامرة في كل إيماء وفي كل خطوة وفي كل تصريح. عندما يكون القانون حَكَما فقط على العامة دون الطبقة المخملية فلا بد وأن يحذر الإنسان من سطوة أصحاب السلطة؛ نظارات ملونة بالخوف حمراء كلون الدماء، سوداء كعتمة الزنازن، زرقاء كالكدمات، بيضاء كالأسنان التي تسطق بصفعات الجلاد. وحَسَنُ النية يرى النُبل والكرم في الآخرين وحتى إن اعتدوا عليه أو على غيره فسيعطيهم الأعذار أو ربما يلوم نفسه بدلا عنهم.لا يمكن أن نلوم تلك النظارات عندما يساندها الواقع الذي تراه العين المجردة وعندما يتنافى الواقع مع لون النظارة فيحتاج الإنسان منّا إلى من يزيل الغشاوة عن عينه.&
في مدينة جامعية يُشهد كأحد أركان المثلث البحثي في أمريكا. جامعة نورث كارولاني في مدينة تشابل هيل سلّم شخص أربعيني نفسه إلى السلطان معترفا بقتل عائلة يافعة مسلمة رميا بالرصاص: ضياء شادي بركات 23 سنة، زوجته يسر أبوصالحة 21 وأختها ذات الـ 19 ربيعا رزان أبوصالحة. كانت العائلة إسلامية في هيئتها حيث كانت الأختان ترديان الحجاب. وكان للقاتل تاريخ طويل من مهاجمة الأديان على وسائل التواصل الاجتماعي وبالأخص مواقف المتطرفين فيها ومنها الإسلام. رصاص في رأس كل من الثلاثة المسلمين وكون القاتل كارها للدين ومنه الدين الإسلامي فيصح لنا أن نستنتج أن هذه الجريمة نابعة من كراهية المجرم للمسلمين وكان الثلاثة هدفا سهلا للتعبير عن هذه الكراهية فقتلهم بدم بارد. بالتأكيد أن الإسلاموفوبيا كان قد تمكن من المجتمع الأميركي بداية من حرب الخليج الثانية وازداد بعد أحداث سبتمبر الإرهابية على الأراضي الأميركية. راهنت الحملات الإعلامية المنظمة للكراهية ضد الإسلام على ضمير الشعب الأميركي.
ليس هناك من يلومنا إذا استنتجنا أن الجريمية هي بالفعل جريمة كراهية خاصة وأن العائلة وبالرغم من صغر سنها كانت مثالا يفتخر به من الكرم والعطاء لفقراء المجتمع الذي يعيشون فيه وللاجئين السوريين في تركيا. حياة هذه العائلة بالفعل تستوجب أن تتأجج لها قريحة كل ذي ضمير حي. ولكنها لا تحتاج بالضرورة إلى أن تنطوي تحت معطف الإسلامفوبيا كي تكسب محبة الناس فهي أرواح تقف على هامة الأفعال الخيّرة التي قدمتها. وإن كانت بالفعل هذه الجريمة نابعة من كراهية فيجب على السلطات أن تتعامل معها من خلال آليات قانونية. مهما تحلينا بالموضوعية وحتى إن أزلنا عن أعيننا غشاوة النظارات الملونة بالإسلاموفوبيا وقلنا أن الجريمة كانت بسبب خلاف حول موقف صف سيارة يصعب تقبل تأخر مكتب التحقيقات الفدرالية من فتح تحقيق موازي للنظر فيما إذا كانت هذه جريمة هي بالفعل جريمة كراهية فهي الجهة المناط بها للتحقيق في مثل هذه القضايا. كما يصعب القبول بتأخر الرئيس الأميركي لأكثر من يومين حتى أدلى بتصريح يشجب الجريمة.&
النظارات التي أرتديها تلون الأحداث التي أراها بطيف من العدالة والمساواة وذلك الطيف قد بدى بعيدا في الأفق عندما نظرت إلى هذه الجريمة الغادرة. بالرغم من أن قراءتي لأخبار الحادثة تقودني إلى الإعتقاد بأن هذه الحادثة المروعة - هذه الجريمة النكراء - حقا ربما تكون في لحظة غضب لشخص غير موزون عقليا أو مهزوز نفسيا ولكن ذلك لا يعني أن العدالة والمساواة قد وضعا نصب أعين الحكومة الفدرالية الأميركية. إن كان ألم فقدان ضياء ويسر ورزان والخوف على مستقبل عائلات عربية-مسلمة-أمريكية أخرى قد يدفعنا إلى رفع راية الإسلاموفوبا غضبا إلا أننا جميعا كأمريكيين مسلمين ومسيحيين ويهود وبوذيين وملحدين وغيرهم يجب أن نغضب حين تكون العدالة والمساواة مجرد خطابا لسياسيين ومسؤوليين يُطبّق عشوائيا دون إعتبار للقيم والمعايير والثوابت التي جعلت ضياء ويسر ورزان يفتخرون بكونهم أميركيين.&
&
التعليقات