كلما اقارن بين سلوك الديانات السماوية والديانات الوضعية الارضية بشأن تقبّلها للرأي الآخر والمعتقدات التي تتقاطع معها ؛ ادرك ان موقف العقيدة الدينية الناتجة الوليدة في سطح معمورتنا اكثر رحابة صدرٍ وأوسع قبولا للعقائد الاخرى من المعتقد السماوي ، فالدين المرسل من السماء الى الارض يمتاز بنرجسية مفرطة واعتداد لايوصف بسِماتهِ وتعاليمه وطرائق عباداته ويرى في رؤاه وتوجهاته انه الاصوب والأقرب الى الله بسبب اضفاء طابع القداسة في تعاليمه بينما الاديان الوضعية تمتاز بطابعها البشَري الملامس للإنسان والبعيد عن القدسية والتأليه وينفتح في سلوكه مع بقية المعتقدات الاخرى ، انها باختصارٍ شديد متصالحة مع نفسها ومع التوجهات العقائدية ايّا كانت سواء سماوية او ارضية
ولنا ان نتساءل ؛ لماذا تُشيع العقائد السماوية وهي العقائد المتعارف عليها انها بُعثت من السماء لهداية البشرية – كما يزعم منظّروها – وتعمل على فرض مبادئها وقيمها وسلوكها وإيمانها عن طريق العنف والقوة بالسلاح والترهيب والقتل فيما لو لاقت رفضا من ايّ جماعة بشرية لم تقتنع بفحوى رسالتها& وترى نفسها انها الاجدر بالإتّباع والرضوخ ؟ وفق طريقة " اسلمْ& تسلمْ " او " تنصّرْ تنتصرْ "
واذا كانت المسيحية في عصرنا الراهن قد هدأ أوارها وخفت صليل سيفها بعد تاريخ حافل بالدموية قديما وحديثاً والحروب الاهلية وممارسة سياسة الارض المحروقة والمذابح التي يندى لها جبين الانسانية ضد الوثنيين المخالفين لهم بالدرجة الاولى وضد التيارات والمذاهب الاخرى ضمن المسيحية نفسها ؛ فان الاسلام ودعاته وخطباؤه ومريدوه وأمراء الحروب والقادة العسكريون قد عملوا ايضا على تأجيج هذه النوازع العنفية منذ اول ظهوره حتى الوقت الحاضر حيث الغزوات الاسلامية الكثيفة التي امتدت شرقا وغربا واخذت تكتسح الحواضر المجاورة وغير المجاورة الى ان تعدّت اواسط آسيا شرقا حتى حدود الصين واتجهت غربا لتكتسح كل شمال افريقيا عبورا الى شبه جزيرة ايبيريا قبل اكثر من الف سنة ... ثمّ تلتها الغزوات الصليبية على المشرق بحجج حماية المسيحية وبيتها التليد " القدس " بخرافات وادّعاءات إلهية لتنفيذ ماأمر به الخالق ، وها نحن اليوم نرى نفس المشاهد الدامية لإحياء عصور الغزو الهمجية التي ظننّا انها صارت غابرة& فاستثمر هؤلاء الغزاة الجدد الظروف المربكة التي جاء بها الربيع العربي ليعيدوا احياء ويلات الغزو وهمجية السبي وإرغام المجموعات البشرية غير المسلمة على اعتناق الاسلام عنوةً وإلاّ فالسيف هو الفصل والحكم او القبول والرضوخ للجزية وكأنّ ارض الله صارت عقارا يؤجرونها لهذا الذميّ غير المسلم مقابل مبالغ تؤخذ منه غصبا جراء استقراره في بيته وممارسة حياته المعتادة
هل صارت الديانات السماوية سيفا مسلطا على البشرية ، يمسك به رجل الدين ومن أحاط به من الرعاع الاوغاد من دعاة الحروب ومن مصاصي الدماء وناشري المسالخ والمذابح في الارض ؟
هل سمعتم يوما ما في تاريخنا المعاصر ان الملاحدة والوثنيين ومن لايعبؤون بالتمسك بالعقائد الالهية قد امتشقوا سيوفهم ولبسوا دروعهم لمقاتلة اعدائهم اصحاب الديانات السماوية وسعَوا الى نشر آرائهم ووجهات نظرهم بالقوة وتوسيع الكفر وفرضه بأيّ شكل من اشكال العنف والإرغام على اوسع نطاق في المعمورة ؟ !
لاننكر ان الغزو على التجمعات البشرية والسكان البُداة وساكني الصحراء قبل ظهور الاسلام كان شائعا وكل قبيلة تتحين الفرصة المناسبة لتغير على القبائل المجاورة التي تهجس فيها ضعفا فتقوم بالاستحواذ على ممتلكاتها ونهب ماامكن وسبي نسائها وقتل رجالها وكلنا يدرك ان الغاية والهدف من تلك الغزوات ليس عقائديا ابدا انما الهدف الاساس منها هو اقتصادي محض في باديةٍ يثقل عليها القحط والجدب وقلة الموارد فيضطر هذا العشير او تلك القبيلة الى غزو القبيلة المجاورة وفق منظور البقاء للأقوى ولم نقرأ قبلا ان الغاية من تلك الغارة او الهجوم والغزو كان لأجل فرض عقيدة معينة او دينٍ ما على الجماعات المنهزمة
ما ان بزغت الديانات السماوية على الارض حتى اغرورقت البقاع بالدماء ومن يقرأ تواريخ الدم للعقائد الابراهيمية الثلاث ، اليهودية والمسيحية والإسلامية يصاب بالفزع والرعب وهول الفواجع التي جاءت بها ، فكل من حمل راياتها من قادة السلاح الميدانيين وقادة العقل التنظيريين لهذه المعتقدات قد ثقلت به الكراهية للآخرين ووصلت لمداها الابعد وصار القتل والدمار واتساع الغارات وإعداد الغزوات تتوالى وشلالات الدم تتدفق بسبب النزاعات الدينية والمذهبية ووصلت الى هذه الحقبة التاريخية التي نعيشها الان في مطلع الالفية الثالثة والمتمثلة اليوم بطالبان وبداعش والنصرة وميليشيات متنوعة ما أنزل الله بها من سلطان& تستلف كذباً راياته وشعاراته وتكبيرته التي يستصرخون بها وهم يقطعون رقاب خلقهِ ويصوّبون رصاصهم على الاجساد البشرية التي خلقها الرءوف الرحيم في احسن تقويم
هل الكفر اكثر عدلا وحكمة وإنسانية من تلك العقائد ؟ أكاد اقول بملء فمي : نعم ، ومانفع تلك الاديان اذا كانت تسوّغ للقتل وتمجّد للحروب وتنتصر للعنف وسحق الاخرين وإذلالهم وإجبارهم على تغيير دينهم او إبقائهم اتباعا مهانين تستنزف منهم الجزية ابتزازا معلنا واستغلالا لضعفهم وإبقائهم في هوانٍ ومذلة فيما لو ارتضوا البقاء في ديارهم مع انهم اصحاب الارض الحقيقيين فيصير الغزاة سادةً وساسة يأمرون وينهون حسب هواهم ، اما اهل المنبت والمحتد من السكّان الاصليين فيحكم عليهم بالتبعية والرضوخ والمهانة والاستحواذ على اموالهم بطرائق الجزية وأخذ بناتهم وزوجاتهم بذرائع السبيّ باعتبارهم من اهل الذمة يعيشون على مِنّة هؤلاء المتسلطين
ليتكم تأتوني بأية مجموعة او اقوام اعتنقت الوثنية او الصنمية أو حتى بوذيين أو كونفوشيوسيين او اية عقيدة وضعية غير سماوية& قامت بغزو تجمعات بشرية لفرض قناعاتهم بالقوة والسلاح والغزوات للإطاحة بالغير وتغيير دياناتهم إلزاماً وعنتا وقهرا ، اذ من المؤكد ان تلك العقائد والديانات الوضعية تمتلك من التسامح وسعة الصدر والتعايش مع الاخرين ما لاتمتلكه اية معتقدات سماوية وأوقن تماما ان معتنقي الاديان غير السماوية لديهم من مساحة قبول الاخرين وحرية الايمان والمعتقد مايفوق كل الاديان الثلاثة الابراهيمية السماوية بأشواط بعيدة جدا
أقولها بمرارة ؛ كيف تتوحّد أمّة ووطن تحت راية واحدة وابناؤها يستعْدون على بعضهم البعض ويقتلون احدهم الاخرَ لمجرد انه يختلف في عقيدته ومذهبه مع ان قسما كثيرا منهم من أصول واحدة وصلب واحد وجمعَهم رحم واحد كانوا يتشاركون في حبل سُريّ واحد من أمٍّ اغتذوا من حبّها وحنانها
بؤسا للعقائد التي تستعدي على اخواننا وأصهارنا وجيراننا وأحبّائنا وشركائنا العائشين معنا في بيت واحد اسمه الوطن وكرة ارضية تكاد لاتُرى في فضاء هذا الكون الفسيح جدا
تعساً لكل دينٍ يبيح القتل وسفك الدماء ويسوّغ العداوة والبغضاء ويعتدي على حرمات الاقارب والأباعد مهما اختلفوا في وجهات النظر وابتعدوا او اقتربوا من الخالق فهو وحده الكفيل بالحساب عقابا كان ام ثوابا فدعوا الخلق للخالق وكونوا بعيدين عن هذه المسالك المؤدية الى العنف ولا تمدّوا ايديكم في برك الدماء مثلما فعل اجدادكم الأولون
أيها السماويون ؛ منذ اكثر من عقد من السنين قمتم بنسف تمثالين بالديناميت لنبيّ الارض " بوذا " في باميان وسط افغانستان وتمّ تدميرهما تماما ، فهل انا في حاجة لتذكيركم بما قاله في نبذ الحرب ودعوته الى السلم وهو القائل : " يأتي السلام من الداخل فلا تبحث عنه في الخارج "
كم من السنوات نحتاج لتطهير دواخلنا وننزع العداوة والكراهية من اعماقنا ؟!
- آخر تحديث :
التعليقات