لا أظنّ أنّ مذابح وقتل وتهجير حدث للشعب الفلسطيني بنفس الكمية والنوعية والأعداء كما يحدث في مخيم اليرموك على المدخل الجنوبي للعاصمة السورية دمشق. تعرضت مخيمات تل الزعتر وشاتيلا ونهر البارد في لبنان، ومخيم جنين في الضفة الغربية لعمليات قتل وذبح وتدمير هائل، والفرق بين ما جرى في هذه المخيمات وما يجري في مخيم اليرموك منذ أكثر من عامين، هو أنّ مذابح وكوارث المخيمات في لبنان كان أعداؤها واضحي الهدف والنية من حزب الكتائب& وجيش شارون، وكذلك ما عرف ب "حرب المخيمات" التي دارت بين شهر مايو 1885 و شهر يوليو 1988 حيث شارك فيها جيش حافظ الأسد وقوات حركة أمل في زمن قيادة نبيه بري والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، القيادة العامة، وكلهم توحدوا آنذاك لقتال ومواجهة قوات حركة فتح في زمن الرئيس ياسر عرفات، وكان الهدف واضحا وهو القضاء على أي وجود لحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، وقد قتل في هذه الحرب ما لا يقلّ عن ألفي لاجىء فلسطيني وتمّ تهجير ألاف إلى مخيمات الجنوب.
أما مجرمو حرب مخيم اليرموك،
من الصعب فهم تحالفهم واجتماعهم على هدف واحد وهو تهجير كامل لسكان المخيم، خاصة أنّ الأعداء الثلاثة يتبجحون إما بالهوية الإسلامية مثل داعش، أو يطبلّون ويغنّون للمقاومة والممانعة مثل نظام بشار الأسد وحليفه جبهة أحمد جبريل اللاشعبية لتحرير مخيم اليرموك. فما الذي جمع هؤلاء الأشتات الثلاثة على هدف واحد وهو محاربة المخيم وسكانه؟. لقد استعمل نظام بشار الأسد كل أنواع أسلحته بما فيها البراميل المتفجرة ضد المخيم بحجة وجود داعش و قوات من الجيش السوري الحر داخله. و داعش تدّعي أنّها تدخل المخيم في طريق زحف جحافلها نحو العاصمة دمشق. وقوات أحمد جبريل تقصف وتحارب المخيم بحجة قتال الإرهابيين من داعش وغيرها. والنتيجة الكارثية هي تهجير لغالبية سكان المخيم حيث لم يبق فيه أكثر من15& ألف فلسطيني يعيشون حياة كارثية بدون دواء وكهرباء ومدارس وكافة احتياجات المواطن اليومية.
والمستفيد الوحيد من هذه الكارثة الجماعية،
هو نظام بشار الأسد الذي وجدها فرصة ليضع اللوم والأسباب على إرهابيي داعش الذين ما عاد يشكّ عاقل في أنّهم صنيعة أسدية مالكية إيرانية، بدأوا في العراق بذبح المسيحيين وهدم كنائسهم وتهجير وذبح الإيزيديين وسبي نسائهم، ثم انتقلوا بسهولة وأمان كاملين إلى سوريا، ومنذ إعلان دولتهم المزعومة لتضم سوريا لم يطلقوا رصاصة واحدة ضد جيش بشار الأسد، الذي وجد من خلال إرهابهم فرصة كي يتحول انتباه العالم من جرائمه إلى جرائم داعش ، الذي هو أيضا لم يطلق رصاصة ضد أي موقع لداعش.
والموقف الفلسطيني إما العمالة أو التخاذل،
فجبهة أحمد جبريل مجرد فرع من مخابرات بشار الأسد تتحرك حسب أوامر هذه المخابرات، حيث مواقف أحمد جبريل غير وطنية منذ انشقاقه عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة الدكتور جورج حبش في عام 1969 وتأسيسه هذه الدكانة المخابراتية بإسم الجبهة الشعبية، القيادة العامة. وهذا ليس تجنيّا من طرفنا ضد أحمد جبريل، فإنّ كان "أهل القيادة العامة أدرى بشعابها" فلنتذكر أنّه في شهر أغسطس 2012 هدّدت قيادة أحمد جبريل في داخل الأراضي الفلسطينية بالإنشقاق عن القيادة في دمشق بسبب " مواقف أمينها العام أحمد جبريل المنحازة إلى النظام السوري ووقوفه إلى جانبه وتسليحه للعديد من شبان الجبهة والزج بهم في المشهد السوري الدامي" وقال آنذاك عضو لجنتها المركزية "شوكت حماد": ( إنّ القيادة العامة أنشئت من أجل فلسطين وما يقوم به أحمد جبريل يعبر عن قرارت منفردة بعيدا عن الرجوع إلى اطرها القيادية، وإذا أراد جبريل أن ينسحب من الجبهة فلينسحب). وكشف شوكت حماد أنّ ستة أعضاء من قيادة القيادة العامة استقالوا احتجاجا على مواقف أحمد جبريل.
ووموقف منظمة التحرير في رام الله،
لا يمكن فهمه سوى أنّه تخبط من كل شخص حسب مصالحه وارتباطاته. فالمنظمة أرسلت عضو لجنتها التنفيذية أحمد المجدلاوي أكثر من مرة إلى دمشق تحت غطاء "حل مشكلة مخيم اليرموك" وهي تعرف أن المجدلاوي في مواقفه من نظام بشار الأسد لا يختلف عن مواقف أحمد جبريل، وهو عندما يصل دمشق لا يصدّر أية تصريحات إلا الموالية لنظام الأسد حتى لو اختلفت عمّا يصدر من قيادة المنظمة في رام الله. وأوضح مثال هو تصريحاته في زيارته الأخيرة إلى دمشق قبل أيام قليلة وبعد اجتماعه مع قيادات مخابرات الأسد، إذ صرّح بأنّ قيادة المنظمة تؤيد الحل العسكري بقيادة الجيش السوري من أجل استعادة السيطرة على مخيم اليرموك. وفورا أعلنت منظمة التحرير في بيان رسمي صدر في رام الله بصفتها ممثل للشعب الفلسطيني في الداخل ودول الشتات "رفضها الإنجرار إلى أي عمل عسكري مهما كان نوعه أو غطاؤه"، ودعى البيان" إلى تغليب الحفاظ على دماء الشعب الفلسطيني والحؤول دون المزيد من الخراب والدمار في المخيم، وغلى ايجاد حلول أخرى أكثر سلمية للحفاظ على الفلسطينيين من التهجير".
وهكذا تستمر مذابح مخيم اليرموك،
بسبب صراعات وحروب لا دخل للقضية الفلسطينية بها، رغم انجرار عملاء فلسطينيين لخدمة أطراف في هذه الحروب والصراعات، والنتيجة مهما طالت أو قصرت حرب مخيم اليرموك فالنتيجة هي ألاف القتلى والمهجّرين وبالتالي لن يتبق من المخيم إلا الأطلال وعشرات الألاف في المنافي والشتات بدون الحد الأدني من أية حياة إنسانية.
www.drabumatar.com
&
التعليقات