لا شك في أن الصورة أحيانآ تحدث أثرآ يفوق تأثير الكلمة بعشرات المرات، وهي تصل بشكل أسرع وخاصة في ظل الثورة التكنولوجية الحالية الهائلة في عالم الإتصالات اليوم، وهي تلامس قلوب البشر مباشرة، وتحدث تأثيرآ هائلآ في الرأي العام، أينما كان. وكلنا يتذكر صورة الطفلة الفيتنامية العارية والمشوهة، وهي تهرب من جحيم نيران الحرب، ومدى تأثير تلك الصورة على الرأي العالمي وعلى السياسيين حينذاك.

وصورة ألان عبدالله شنو، الملقب بالكردي وهو ممدد على شاطئ مدينة بودروم التركية السياحية، بعد أن أغرقته مياه البحر وقذفته إلى هذا المكان، فاقت جميع صور الحرب السورية البشعة، منذ أربعة سنوات عجاف. هذه الصورة لخصت كل مأساة الشعب السوري بكرده وعربه، وأحدثت هزة قوية في الرأي العام العالمي، أكثر من كل جولات المعارضيين السوريين وخطاب إعلامهم الباهت.&

ولصورة ألان الغريق البريئة، ثلاثة دلالات وهي:&

الدلالة الإولى:

إنها فضحت جميع أطراف الأزمة السورية، بدءً من النظام السوري المجرم، ومرورآ بالمعارضة السورية السياسية والعسكرية، بجميع فصائلها والطرفين الكرديين، المجلس الوطني الكردي، وحزب الإتحاد «الديمقراطي»، وإنتهاءً بالمجموعات الإرهابية وعلى رأسهم تنظيم داعش وجبهة النصرة وأحرار الشام. كل هؤلاء أجرموا بحق الشعب السوري، ومسؤولين عن مأساته وإن درجات مختلفة.&

&

الدلالة الثانية:

كشفت مدى تورط الدول الإقليمية، والقوى العالمية الكبرى في القضية السورية، ونفاقهم والمتاجرة بدماء السوريين باختلاف انتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية. هناك دول تورطت بشكل مباشر في الصراع السوري، وقاتلت إلى جانب نظام الأسد، ضد الشعب السوري، كإيران وروسيا والعراق وحزب الله. وهناك مجموعة من الدول الإخرى، دعمت التنظيمات المتشددة، وقدمت لها الدعم المالي والعسكري وفتحت لها الحدود،&

ويأتي في مقدمة هذه الدول تركيا، وبعض دول الخليج. أما المجموعة الثالثة من الدول، هي التي رفعت صوتها ضد النظام، ولكنها في الواقع سمحت له بأن يفعل بالشعب السوري ما يشاء، وتأتي الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا وفرنسا، على في مقدمة هذه الدول.

الدلالة الثالثة:

هو تجاهل حزب الاتحاد «الديموقراطي» وإعلامه المدجن كليآ، لمأساة الطفل ألان وعائلته وبقية المهاجرين، رغم إن الطفل ينحدر من مدينة كوباني، التي ينحدر منها رئيس هذا الحزب صالح مسلم وشقيقه، رئيس مقاطعة كوباني أنور مسلم، ومسؤول الحزب في أوروبا زوهات كوباني. هذا في الوقت الذي كل وسائل الإعلام العالمية تتداول مأساة اللاجئيين السوريين وصورة الطفل ألان. والأغرب من ذلك، هو غياب مسؤولي مقاطعة كوباني، عن مراسيم دفن الطفل وشقيقيه ووالدته ريحانة في المدينة!

إن هذا التصرف من قبل قيادات هذا الحزب أمر مخزي ومعيب، بحق مأساة هذا الطفل وعائلته، التي هزت ضمير العالم بأسره. وبرأي السبب في إحجام إعلام حزب الاتحاد الديموقراطي، في تغطية هذا الحدث الكبير، هو إحساس قيادات هذا التنظيم الشمولي، بأن الحادث كشفت عورتهم، وعرى زيف أقوالهم حول حقيقة الأوضاع في المناطق الكردية بغرب كردستان. لو كان لديهم نوع من المسؤولية الأخلاقية، لعقدوا إجتماعآ طارئآ وبحثوا أسباب هجرة المواطنيين الكرد من وطنهم، وإيجاد الحلول لهذه المعضلة، بدلآ من إلتزام الصمت تجاه هذه القضية، وتحميل الأخرين المسؤولية.&

على المسؤولين عن ما يسمى «بالإدارة الذاتية والإمة الديمقراطية» أن يطرحوا الأسئلة التالية على أنفسهم وإيجاد الإجابات الحقيقة ولصحيحة عنها، وهذه الأسئلة هي:&

السؤال الأول: لماذا يهاجر المواطنيين الكرد مناطق في ظل وجود سلطة كردية؟

السؤال الثاني: لماذا لا يعود كافة أعضاء ومؤيدي حزب الإتحاد الديمقراطي، الذين يتغنون بكانتونات غرب كردستان، ويعيشون في أوروبا وأمريكا وكندا وروسيا والدول الإسكندنافية، ودمشق وحلب ولبنان وقبرص إلى هذه الكنتونات، التي يسيطيرون عليها سيطرة مطلقة؟

السؤال الثالث: ماذا يفعل أكثرية قادة هذا الحزب في أوربا؟ ولماذا يقدمون على اللجوء السياسي في هذه الدول، ويحرمونها على غيرهم؟

السؤال الرابع: لماذا يرسل بعض هذه القيادات أولادهم وعائلاتهم إلى أوروبا ويطالبون الأخرين في البقاء داخل جنتهم الديمقراطية؟

السؤال الخامس: هل قمتم بتأمين حياة كريمة، للمواطنيين كي لا يهاجروا من ديارهم؟

في كثير من دول العالم الديمقراطية، نشاهد مواطنيها يهاجرونها إلى دول إخرى للعمل بسبب تدهور الوضع الإقتصادي في تلك البلدان، وخير مثال على ذلك هو اليونان، أسبانيا البرتغال وإيرلندا. فما بالكم العيش في ظل سلطة شمولية، كسلطة حزب الإتحاد الديمقراطي، وغياب الأمن والحريات العامة، ومقومات الحياة الأساسية. إن تحميل مسؤولية الفشل على المجلس الوطني الكردي المفلس وتركيا، ليس حلآ ولا يعفي صالح مسلم وحزبه من المسؤولية بكل تأكيد.