ما بعد النكسة الامريكية في فيتنام تمحور انتقالها الى الاهتمام بمنطقة الشرق الاوسط اعتمدت واشنطن على ما عرف بسياسة العمودين وهما العربية السعودية ايران الشاهنشاهية، بفرضيات تستبعد اسرائيل عن مداخلاتها الاقليمية لأسباب تتعلق بطيعة الصراع العربي – الصهيوني، ومع نهايات المد القومي ما بعد حرب اكتوبر 1973ونجاحات ثعلب السياسة الامريكية هنري كيسنجر في بلورة منطلقات جديدة تخالف واقع الامة العربية حينها انتهت الى اتفاقات كامب ديفيد.

&كل هذه المتغيرات انتهت الى ظهور ما عرف بسياسات الاحتواء وبروز نموذج الشرق الاوسط الجديد في مرحلة الاستعداد الامريكي للقرن الحادي والعشرين، لكن ابرز تحديات ذلك الاستعداد الانتهاء من سياسات اضحت بالية منذ تأسيسها ما بعد الحرب العالمية الثانية، لتاتي بسياسات اخرى تحاكي ذات منطلقات القرن الجديد ومعطياته في فرضيات عالم جديد يتقافز فيه الفكر الاستراتيجي حول مفاهيم غير مطروقة مسبقا لعل من بينها عودة واشنطن الى سياسة العمودين بنموذج جديد يعتمد التوازن الاستراتيجي ما بين ايران كقوة اقليمية كبرى واسرائيل كقوة عسكرية تدعم الانظمة العربية التقليدية، ربما تبدو الفكرة مثل الجنون السياسي، لكن قراءة لأفكار الرئيسية التي تحدث عنها الرئيس الأميركي في المقابلة مع الصحفي اليهودي المعروف توماس فريدمان والتي نشرها موقع "نيويورك تايمز" متلفزة ومكتوبة في ابريل الماضي، فتمحورت حول ثلاثة نقاط: الأولى، أن إيران دولة ذات مقدرات كبيرة تمكنها من التحول لقوة إقليمية إذا ما تخلت عن أجندتها الحالية الداعمة لمجموعات تصنفها واشنطن بالإرهابية، الثانية، أن مشكلة الدول العربية، والسعودية خصوصا، هي مشكلة داخلية تدفع الشباب العربي نحو المجموعات المتطرفة مثل تنظيم (داعش).

أما الفكرة الثالثة، فتتمحور حول استمرار التفوق العسكري الإسرائيلي، بدعم من الولايات المتحدة، على كل دول الجوار، وبسبب تفوقها العسكري، على إسرائيل أن لا تخشى إيران، وان تعطي موافقتها للاتفاقية، وفي ما يتعلق بحلفاء أميركا من العرب السنة، وأكد أوباما أنه مستعد للمساعدة على زيادة قدراتهم العسكرية، لكن يتعين عليهم أيضا زيادة استعدادهم لاستخدام قواتهم البرية في المشاكل الإقليمية.&

&في المقابل، تبدو نتائج زيارة الملك سليمان بن عبد العزيز لواشنطن على مفترق طرق، حيث نشرت صحيفة دويتشه فيله الألمانية تحقيقا عن هذه الزيارة، اشارت فيه الى ان الولايات المتحدة تواجه اليوم المملكة التي اصبحت حازمة جدا في سياساتها الخارجية، ونقلت الصحيفة عن السفير الاميركي السابق في السعودية، جيمس سميث، قوله "طوال العقود الماضية كانت المعادلة قائمة على اساس، الرياض تقدم النفط، وواشنطن الأمن، إلا ان هذه المعادلة اصبحت اليوم اكثر تعقيدا"، واضافت " لقاء الملك سلمان بأوباما، يجمع بين الاخير الممثل لأمة اصبحت تعتمد على الذات في انتاج الطاقة، وملك يمثل أمة باتت هي الاخرى تعتمد على الذات في سياستها الخارجية الحازمة".&

المقارنة المنهجية بين كلا الحدثين، تصريحات اوباما عن سياسات واشنطن الشرق اوسطية الجديدة، وموقف العربية السعودية في استثمار حفاوة الاستقبال في حملة علاقات عامة متعارف عليها في تطبيقات السياسات الامريكية، ربما تنتهي الى خسارة اموال سعودية اكبر دون الحصول على قناعات مغايرة لتصريحات اوباما بان المشكلة ليست في الاتفاق النووي مع ايران بل هي في داخل العربية السعودية مع ضمان التفوق الاسرائيلي، وكل هذه المعطيات تصب في محصلة متجددة بان المرحلة المقبلة يمكن ان تشهد تنسيقا عبر بوابة الاتفاق النووي بين طموحات ايران الاقليمية وبين مشاريع القرن الحادي والعشرين الأمريكية بتحقيق انموذج الشرق الاوسط الكبير فقط كسوق استهلاكي كبير للبضائع متعددة الجنسيات وتدوير ارباح البترودولار بما يعيد الاستعمار الى المنطقة من جديد بأنموذج من بوابة الفوضى الايرانية وبحماية اسرائيلية عسكرية.

[email protected]

&