الأماكن المقدسة، وأياً كان الدين مصانة عرفيا واخلاقياً وانسانياً وبموجب القوانين والاتفاقات الدولية. وإذا كانت الاثار القديمة ذات حصانة دولية خاصة، فان الأماكن المقدسة لها حصانات مضاعفة. ان المصادمات الأخيرة في المسجد الأقصى تثير القلق والادانة.. هذه الحالة المضطربة التي تستمر منذ أسبوع، صارت مثار اهتمام المجتمع الدولي وتتصدر وكالات اخبار.
ان استعمال العنف ضد المصلين جريمة، وممارسة العنف في الأماكن المقدسة، وأياً كان الطرف المسبب، مرفوض ويدعوا للاستنكار. ان الحالة القدسية الراهنة تثير عندي العديد من الخواطر والتداعيات. إسرائيل ليست ملاكاً، ونشاط المتطرفين الصهاينة ليس بالجديد.. القدس الشرقية جرى احتلالها بفعل المغامرة العسكرية الكارثية للراحل عبد الناصر في حزيران1967 والتي أدت الى فقدان المزيد من الأراضي الفلسطينية، زائداً سيناء والجولان. وقد استرد السادات سيناء بعد مفاوضات شاقة وفشل الخيار العسكري، وظلت بقية الأراضي المحتلة تحت الاحتلال..
في احدى جولات المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية بأشراف أميركي، طرح حل وسط ومرحلي لقضية القدس الشرقية، وهو اشراف السلطة الفلسطينية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، ولكن الجانب الفلسطيني لم يوافق، واعتقد انه كانت تجب الموافقة، فما لا يدرك كله لا يترك جزؤه.. وان يكون للفلسطينيين دور ما ، خير من الحالة الراهنة. وبانتظار ذلك يمكن بذل الجهود والمساعي للحصول على أدوار اكبر وصولاً لعودة القدس الشرقية الى أهلها.. الأراضي المحتلة لا تسترد بالقوة، وليست هنالك دولة عربية واحدة مستعدة للقتال مرة أخرى من اجل فلسطين.. والرأي العام الدولي ضد أي حل عسكري .. وتقدم لنا اتفاقيات أوسلو مثالاً، حيث تم استرداد غزة والضفة العربية بالمفاوضات، مع انها كانت اتفاقيات جزئية. وفي حينها قال الشاعر الراحل محمود درويش: (إنها لا ترضيني ولكنني لا ارفضها). ونعرف كيف ان منظمة حماس انقلبت على الشرعية واقامت نظاماً طالبانيا في غزة، وراحت تنكل بالفتحاويين، ووضعت نفسها تحت تصرف النظامين السوري والإيراني واممية الاخوان. ان التدخل العربي في القضية الفلسطينية لم يكن دوماً نافعا. وقد استغل النظامان البعثيان في سوريا والعراق اسم فلسطين لتمزيق الوحدة الوطنية.. كذلك فعلت ايران الخمينية. والمتاجرة باسم فلسطين صارت سلعة عربية وإسلامية رائجة.
وقد كان مطلوباً اتباع مواقف تعزل التيارات الأكثر تطرفاً في إسرائيل، وتشديد الضغط الدولي عليها للعودة للمفاوضات بلا مناورات ومراوغات. ذات يوم كان في إسرائيل تيار قوي من اجل السلام والاعتراف بدولة فلسطينية.. ولكن دور هذا التيار تقلص تدريجياً لصالح المستوطنين والأكثر تطرفاً.. ورغم ذلك فالأراضي لا تسترد بغير المفاوضات. والقضية الفلسطينية لا تنحصر في الأقصى، رغم أهمية هذا المسجد، فهي قضية احتلال أراضي وانهاء الاحتلال هو الاساس. وقد استثمر اسم القدس لدغدغة المشاعر الدينية ولإضفاء صبغة دينية على القضية الأساسية. وهذا ما فعلته ايران بفيلق قدسها، وكذلك المنظمات الإرهابية التي تستخدم اسم بيت المقدس لممارسة التخريب في مصر وغيرها..
ان احراز مكاسب ديبلوماسية رمزية في المحافل الدولية شيء جيد، ولكنه لا يسترد شبراً جديداً من الأراضي..& يجب محاصرة التعنت الإسرائيلي بسياسات ومواقف تجمع بين المرونة والحزم، والعمل لمخاطبة أطراف السلام داخل إسرائيل نفسها. ومنذ توقف المفاوضات اتسعت رقعة الاستيطان، وتعقدت القضية المركزية..
هذه بضع ملاحظات من كاتب كرّس الكثير من جهوده السياسية والفكرية والدبلوماسية لصالح فلسطين. وقد لا يوافق الكثيرون على هذه الملاحظات وهي مطروحة لتبادل الرأي والنقاش..
هامش
دعا مجلس الامن (كافة الأطراف في القدس الشرقية) الى التزام الهدوء وتجنب العنف .. ونقول هنا ان الانتفاضة الفلسطينية (انتفاضة الحجارة) كانت سلمية واكتسبت القضية عطفا دوليا واسعا واحرجت إسرائيل، اما الانتفاضة التالية، فاستعملت العنف، وكلفت القضية خسران حجم كبير من ذلك التعاطف الدولي.. كما نقارن، بهذه المناسبة بين الوضع في القدس الشرقية عام 2010 وبينه اليوم. فقد قامت مؤسسة الاستبيان الفلسطينية الرسمية عام 2010 بتوجيه اسئلة لفلسطينيين القدس الشرقية، عن خيارهم لو قامت دولة فلسطينية، كان الجواب مذهلاً.، اذ ان 70 بالمائة اجابوا أنهم يفضلون البقاء مع إسرائيل، برغم وجود بعض اشكال التمييز ضدهم. وقدموا سببين رئيسين: الحريات و الوضع الحياتي اليومي اليوم ؟؟؟؟؟ علماً بان السلطة لم تنشر النتائج ولا نشرتها وسائل الاعلام العربية، بل نشرتها بعد عام مجلة (فالير اكتول) الفرنسية..

&