ربما يستغرب الرأي العام، خاصة العربي، من التغيير المفاجئ في الموقف الغربي من الحكومة السورية وبالتحديد من رئيسها بشار الأسد، ففي الوقت الذي كانت فيه الدول الغربية تصر على رحيله، تعلن اليوم عن مشاريع وخطط لحل الأزمة السورية ويكون الرئيس السوري جزء منها؟

يمكننا أن نكتشف الاجابة على هذا السؤال من التصريح الذي أدلى به الرئيس الفرنسي أمس الاربعاء قبل انضمامه إلى القمة الأوروبية في بروكسل، فقد دعا هولاند الى عقد مؤتمر دولي جديد تشارك فيه كل الدول التي تريد السلام لسوريا. أليس من الغريب أن يدعو الرئيس الفرنسي الى مؤتمر حول سوريا وهو في طريقه للمشاركة بقمة أوروبية تبحث قضية اللاجئين؟

كلا ليس مستغربا بتاتا، بل أن الحرب على سوريا تأتي في صلب قضية كارثة اللاجئين التي داهمت الدول الغربية على حين غرة، ولم تكن تحسب لها أي حساب، فقد لعبت الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة دورا كبيرا في استمرار الحرب على سوريا، وبالتالي فانها تتحمل جزءا من مسؤولية اللاجئين التي تواجهها اليوم.

ولو أغمضنا أعيننا عن الدعم بالمال والسلاح للمعارضين السوريين، وكذلك السماح بانطلاق نشاط المعارضة السورية من الدول الغربية، وأيضا تدريب معارضين سوريين على السلاح وأيواء المعارضين السياسيين والاعلاميين وعقد المؤتمرات الدولية التحريضية على استمرار الحرب في سوريا، فضلا عن التحريض الاعلامي، والسماح للآلاف من المواطنين الغربيين بالذهاب الى سوريا والقتال فيها، لو غضينا الطرف عن كل ذلك فان لاصرار الغرب على رحيل الأسد وحده الدور الكبير في استمرار الأزمة السورية.

وما كان ليرف جفن الدول الغربية لو تهدمت كل سوريا على رؤوس أهلها، ولكن ولمجرد أن وصلت النار الى بيتها هرعت لاطفاء مصدرها، بالطبع هنا لا اريد تبرئة ذمة أحد في اشتعال الشرارة الاولى للنار، ولكن هناك أطرافا رئيسية ساهمت في توسعها وانتشارها، فعندما وصلت الحكومة السورية الى قناعة بأنه لا يمكن حل الأزمة عسكريا أبدت بعد عدة أشهر من اندلاعها مرونة كبيرة في التوصل الى حل سياسي لها، ولكن اصرار الطرف الآخر على ضرورة تنحي الأسد ومكابرته لعب الدور الرئيسي في استمرارها حتى اليوم.

الأزمة اليمنية مرشحة اليوم إلى أن تتحول إلى أزمة سورية ثانية إن لم تكن قد تحولت، مما يحمل هذا التحول في طياته سعي ملايين اليمنيين الى هجرة بلادهم واللجوء إلى الغرب، خاصة وأنه لا تلوح في الأفق دلالات على حل الأزمة قريبا، بل أن دلائل استمرارها أكثر من توقفها، فيا ترى إلى متى سيقف الغرب متفرجا على هذه الأزمة وهل انه لن يتحرك إلا عندما يرى ان آلاف اليمنيين بدأوا يدخلون اراضيه؟

عودة عبد ربه منصور هادي الى عدن سيسهم في استمرار الحرب خاصة وأن ابعاد المقاتلين الحوثيين وحلفائهم عن عدن والسيطرة النسبية على شبوة ولحج وأبين وحضرموت والمهرة سيشجعه على التقدم للسيطرة على مناطق أخرى وصولا الى صنعاء، ولكن حتى لو سيطر على صنعاء فلن تنتهي الحرب في اليمن بل تتضاعف انعكاساتها وأضرارها، لأن هادي سيواجه مشكلة الجنوبيين ومطالبهم الكبيرة ومشكلة التنظيمات المتطرفة اذا انتهى من تصفية اليمن من الحوثيين، وهو الأمر المستحيل.

لاشك أن الحرب على اليمن تختلف عن سوريا فليس الغرب طرفا مباشرا فيها، إلا أنه قادر على وقفها، فكل الدلائل تشير الى أن الحوثيين وحلفاءهم منفتحون على الحلول السياسية لحل الأزمة، ولعل أكبر دليل على استعدادهم لحل الأزمة هو عدم تشكيلهم للحكومة، وامتناعهم عن تشكيل الحكومة يعني أن باب حل الأزمة تركوه مفتوحا وطالما أعلنوا عن استعدادهم للحوار مع كافة الأطراف اليمنية.

كل الدلائل تشير على أن التحالف لا يزال مصراً على حل واحد للأزمة، وهو تسليم الحوثيين وحلفاءهم لكل المناطق والأسلحة التي سيطروا عليها، وهذا ضرب من المستحيل، وهو يعني استمرار الأزمة والحرب دون حل، وبما أن علاقات الغرب قريبة من التحالف فبامكانه أن يضغط عليه للتوصل الى حل ووقف الحرب في اليمن، هذا اذا كان يريد نيران اليمن لا تصل اليه.