عندما وصف وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر قبل نهاية شهر أغسطس الماضي روسيا بأنها باتت " تحت سلطة بوتين " تمثل خطراً وجودياً لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في اكثر من مكان حول العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، لم يأخذ في تقديراته مكونات اللحظة الراهنة التى دفعت بواشنطن ومن بعدها عدد من حلفائها الأوربيون إلي تأييد مبادرة موسكو حول الملف السوري وكيفية الجمع بين البحث عن حل سياسي له ومحاربة تنظيم داعش في سوريا والعراق ضمن مظلة التوافق حول إبقاء الرئيس السوري في السلطة إلي حين انتهاء المرحلة الانتقالية " لأنه يمثل عنصرا رئيسيا في محاربة الارهاب ".

آخر المنضمين إلي قافلة التأييد هذه كان ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا الذي أعلن أنه سيدعو من فوق منبر الأمم المتحدة لإطلاق حملة دبلوماسية جديد لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا ليس من بين شروطها " إبعاد الرئيس السوري في الوقت الراهن " وذلك ضمن تسوية سياسية تَفرض عليه التخلي – أي بشار الأسد - عن منصبه طواعية بعد نجاح جهود المصالحة الوطنية..&

سبق كاميرون إلي تبني هذا الموقف.

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي شددت عبر المؤتمر الصحفي الذي عقدته في بروكسل الخميس 24 سبتمبر علي " ضرورة إشراك الرئيس السوري في أي محادثات تهدف إلي إنهاء النزاع الدموي في سوريا " مؤكدة ضرورة مشاركة إيران والسعودية إلي جانب كل من روسيا والولايات المتحدة في هذه المساعي " لأننا جميعا نعمل من أجل وقف تتنامي العمليات الإرهابية ومتع إمتدادتها إلي حدود دول الإتحاد الأوربي بأي ثمن ".

أما وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس فلم يكتف بتأييد المباردة الروسية بصفة مبدأية بل دعا نظيريه البريطاني والألماني وكذا منسقة السياسة الخارجية في الإتحاد الأوربي إلي لقاء في باريس مساء نفس اليوم " للتوافق حول رؤية " مشتركة متقاربة " حول الملف السوري قبل أن يتقابل زعماء هذه الحكومات في أطار اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

اما التفوق في مجال التعامل مع هذا الملف فكان من نصيب جون كيري وزير خارجية أمريكا الذي حرص علي التعبير عن موقف واشنطن عبر ثلاثة محاور.. الإعراب بعد لقاء مع نظيره الإيراني – في نيويورك - عن إعتقاده بأن ثمة فرصة لتحقيق تقدم خلال الأيام القليلة القادمة في محال التوصل إلي حل للصراعين القائمين في كل من سوريا واليمن.. الإشارة إلي ان لقاء الرئيسين الأمريكي والروسي – الإثنين 28 الجاري – سيتناول المشكلتين الأوكرانية والسورية خاصة في ضوء " التعزيز العسكري الروسي في كلا البلدين ".. التأكيد علي أن واشنطن في طريقها لتقديم مبادرة جديدة لحلحلة الملف السوري في ضوء ما ستسفر عنه لقاءاته مع عدد من وزراء الخارجية في نيويورك، وايضا وفق ما ستتمخض عنه الترتيبات التى ستعقد مع الأطراف الفاعله علي مستوي الشرق الأوسط..&

علي الجانب الآخر&لا تنكر التقارير السياسية المتدفقة أن روسيا تدير الملف السوري من موقع اكثر قوة بالمقارنة مع واشنطن، وهناك من يقول ان الخلافات العميقة حول الملف الأوكراني منذ شهر مارس 2014 لن تمنع الطرفين من التلاقي حول عدة نقاط لمحاربة الإرهاب الذي بات يهدد العديد من الدول الحليفة لكليهما في الشرق الأوسط وفي أوربا أيضا.

ويؤكد العديد من الخبراء أن الزيارة التى قام بها رئيس وزراء إسرائيل إلي موسكو يوم 21 من الشهر الحالي إلي موسكو وإتفاق الطرفين علي تشكيل لحنة عسكرية " عليا " للتنسيق بينهما في مجال تفادي " إطلاق النار الصديقة من جانب أيهما ناحية الآخر " والعمل معا علي " منع وصول أسلحة روسية أو إيرانية إلي مقاتلي حزب الله في جنوب لبنان " رجحت كفة المساعي الروسية " ربما لصالح أجندة توسيع شقة الخلاف بينه وبين ادارة الرئيس أوباما بإستغلال أجواء الإنتخابات الرئاسية التي بدأت في التسخين.

هذا بالإضافة إلي إستمرار تدني سمعة واشنطن فيما يتعلق بإستراتيجيتها الفاشلة في محاربة تنظيم داعش الارهابي والتى تُوجت الأسبوع الماضي باعتراف الكابتن جيف ديفيس المتحدث باسم البنتاحون أن افراد من الفرقة 30 التى دربها متخصصون في وزارة الدفاع سلموا – قبل أيام قليله - عربات نقل ودخيرة ومعدات عسكرية حديثه ( تمثل حوالي 25 % مما زودوا بها ) إلي جبهة النصرة مقابل السماح لهم بالخروج الآمن من الكمين الذي وقعوا فيه إلي مكان أخر.. الأمر الذي اعتبره البعض نكسة فادحة لواشنطن.

في نفس الوقت لم يتوقف كثير من المعلقين طويلا أمام&تسريب وسائل الإعلام الفرنسية أن باريس علي مستوي مؤسسة الرئاسة تفضل أن لا يلعب الأسد " اي دور فيما يتعلق بمستقبل سوريا ".. أو ما نقلته بعضها عن بروكسل أن " بلدان الإتحاد الأوربي ستعرض نفسها للفشل إذا وافقت علي أن يكون للأسد دور في تحديد مستقبل الشعب السوري "..&

بينما لفت نظرهم

أولاً.. الخبطة الإعلامية التى بثتها قناة C.B.S. الأمريكية – مساء الأحد 27 الجاري - عبر برنامجها الشهير " 60 دقيقة " مع الرئيس الروسي قبل ساعات من توقيت ظهوره علي منبر الأمم المتحدة والذي لم ينكر خلاله حرص موسكو علي الإبقاء علي الرئيس بشار الأسد في السلطة لفترة قادمة " لأن أبعاده يُفقد الأطراف الساعية إلي إقرار السلام في سوريا القدرة علي هزيمة الإرهاب كما حدث لها في ليبيا واليمن والعراق ".. وتأكيده عدة مرات علي أن تعزيز قدرات القوات المسلحة السورية بعدد من الطائرات المقاتلة الروسية من شأنه أن يقوي ساعدها في مواجهة التنظيمات الإرهابية التى تعمل فوق ارضيها.&

ثانياً.. إنقسام التحليلات الإعلامية وتقارير المعلقين حيال قمة الرئيسين أوباما وبوتين القادمة، بين توجيهن علي درجة كبيرة من التنافر.

أولهما.. يري أن بوتين سجل عدة نقاط في شباك الإستراتيجية الأمريكية.. لأنه فرض واقعاً سارعت إدارة أوباما إلي الاعتراف به وتبعها في ذلك اهم حلفاؤها الأوربيون.. وأسقط كل ما كان يقال حول عزله سياسياً لأكثر من عام ونصف ( منذ احداث أوكرانيا / مارس 2014 ).. مما جعله قادراً علي التباحث حول أوراق الملف السوري وفق رؤيته الإستراتيجية كلاعب ماهر في ساحة الشرق الأوسط يجب التفاهم معه.

وثانيهما.. يؤكد ان عدم إتفاق واشنطن وموسكو علي جدول أعمال قمتهما المرتقبة في نيويورك وما جري بينهما من تلاسن حول الدعم العسكري للدبلوماسية الروسية التى تنادي بالإبقاء علي بشار الاسد كمدخل " حتمي وضروري " لمحاربة الإهارب في إقليم الشام، سينهي إجتماع القمة بمجموعة من الصور التذكارية التي تؤكد عمق الخلافات بينهما حول كل من أوكرانيا وسوريا وصعوبة التلاقي في منتصف الطريق.

فهل يعني ذلك عودة أجواء الحرب الباردة بينهما إلي سابق عهدها؟

أم نتوقع بعد إزاحت بعض الجليد الذي تراكم لأكثر من عام ونصف، الإتفاق علي زيارة أمريكية إلي موسكو لإستكمال ما إتفقا علي إستكماله في الكواليس؟

أم يُكلفا المستشارة الألمانية من وراء ستار بالدعوة لمؤتمر دولي قبل أجازات نهاية العام الحالي لطرح كل جوانب وتصورات الملف دولياً وإقليمياً؟

[email protected]&

&