&طرحت وسائل الإعلام الأوربية هذا السؤال تعليقاً علي تصريح الرئيس رجب طيب أردوغان الذي تناقلته الصحف التركية يوم السبت الماضي، وجاء فيه " إسرائيل في حاجة إلي بلد مثل تركيا علي مستوي المنطقة، بنفس مستوي حاجتنا إلي إسرائيل " مؤكداً أن هذه الحاجة المتبادلة تمثل " حقيقة واقعة لا بد من اخذها في الإعتبار " علي مستوي الشرق الأوسط..&

قبل نحو ثلاثة أسابيع، أعلنت أنقرة أنها في حاجة ماسة إلي الغاز الإسرائيلي لأنه الأقرب وليس الأرخص.. وتوقعنا مثل غيرنا ان تنتفي هذه الحاجة " شديدة الإلحاح " بعدما صرح الكسندر نوفاك وزير الطاقة الروسي أن موسكو ستواصل مد تركيا بالغاز بالرغم من العقوبات الإقتصادية المفروضة عليها..&

جميع الأطراف ذات الصلة بالشأن التركي تعرف&أن الغاز الروسي أرخص بكثير من الغاز الإسرائيلي، وتعي ان البنية التحيىة اللازمة لنقله بين الطرفين أقوي وأكثر أمناً..&

وتعرف أن تل أبيب حرصت منذ بداية إفصاح أنقرة عن رغبيتها في اعادة العلاقات بين الطرفين إلي ما كانت عليه قبل شهر مايو 2010، علي تحديد شروطها قبل الإتفاق علي الموعد الذي سيُحدد مستقبلاً لتوقيت عودة سفراء كلا البلدين لمباشرة عملهما..&

وتعرف أن تركيا فقدت منذ بضعة اشهر بوصلة توجهات خططها الإستراتيجية بعد فقدها لمجموعة من الأوراق التى تحرك ملفاتها علي مستوي سوريا والعراق بوجه خاص..&

وتعي فشلها في قتح أبواب الإتحاد الأوربي عبر موجات اللاجئين الذين صدرتهم شواطئها إلي دوله للحصول علي مساعدات مالية لمواجهة الأزمات التى يعيشها السوريون المقيمين في خيام إيواء بالقرب من حدود البلدين المشتركة..&

علي الجانب الأخر، يمكن القول أن تركيا حتي اللخطة الراهنة&فشلت، وستفشل مجدداً في إحياء مطلب إقامة منطقة آمنة شمال سوريا..&

ولم توفق في إنتزاع إعتراف من جانب واشنطن يصنف الجماعات الكردية المسلحة " كمنظمات إرهابية " لتسهيل عملية تصفيتها..&

ولم تحظ بدعم غربي متنامي بعد حادث إسقاط الطائرة الحربية الروسية..&

وانها مستبعدة إلي حد ملحوظ من المشاركة في العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش الإرهابي خاصة من جانب كل من باريس ولندن..&

في ظل هذه المعطيات&كيف يتسني لأنقرة ان تجمع من ناحية بين تأسيسها لمجلس تعاون إستراتيجي بينها وبين الرياض بعد ترحيبها الحار بقيام التحالف العسكري الإسلامي، وتسعي حثيثاً لإستعادة علاقاتها المجمدة مع إسرائيل منذ ما يقرب من ست سنوات؟

كيف تقبل علي نفسها أن تطلب من قيادات لمنظمة حماس مغادرة أراضيها تنفيذاً لمطلب إسرائيلي محدد وقاطع، وتنفذ في نفس الوقت مخططات تدمير البنية التحية الإجتماية والثقافية لمواطنيها الأكراد وتحرمهم من أبسط حقوقهم الإنسانية؟؟..&

وهل يعتقد الرئيس التركي أن مواقفه المتطرفة حيال العديد من أنظمة الحكم العربية خاصة في القاهرة، هي التي ستفتح أبواب إعادة علاقته باسرائيل؟؟&

عند هذه النقطة نود التذكير بالنقاط التالية:

1 – تراجع مقومات أنقرة في تبني نظرية تمكين جماعة الإخوان من تصدر المشهد السياسي في العديد من الدول العربية، وتفضيل رئاستها للمقاومة السورية..&

2 – تدني قدرتها علي إستغلال نقاط الفشل فيما يسمي بثورات الربيع العربي لصالح توجهاتها السياسية وإستثماراتها المالية ومشاريعها الإقتصادية وفتح أسواقها لمنتجاتها..&

3 – تباعد المسافة بينها وبين واشنطن فيما يتعلق بمجمل المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط لصالح التفاهمات التى جمعت بين البيت الأبيض والكرملين بهدف العمل معا لتقليل حجم نشاطات داعش إلي أدني مستوي قبل جولة إنتخابات رئيس أمريكي جديد في نوفمبر القادم..&

4 – إكتفاء إسرائيل بتقديم إعتذار عن حادث سفينة مرمرة / مايو 2010 قبل عامين بناء علي نصحية من الرئيس أوباما، دون أن تسعي إلي إعادة علاقتها الدبلوسية مع أنقرة.. ثم تريثها في إتخاذ هذه الخطوة عندما حانت لحظتها وفق الرؤية التركية!

هذه النقاط وغيرها تدلل علي ان ما حققته تركيا من مكاسب مادية ومعنوية وما نجحت في إحداثه من إختراقات منذ عام 1998 وحتى عام 2011، بدأ في التآكل السريع بسبب التضارب في توجهات سياسات الرئيس التركي وحزب العدالة والتنمية بين ما هو أوربي وما هو شرق أوسطي!! وبين ما هو قوقازي / بلقاني وما هو غربي أوربي!! وبين شجبهما لممارسات الآخرين تجاه حقوق الإنسان في بلدانهم وممارسات مؤسساتهم الأمنية حيال مواطنيهم وفي مقدمتها حزب العمال الكردي..&

كما تدلل علي أن مساعي الجمع بين علاقات إستراتيجية مع الجمهورية الإيرانية من جانب وبعض العواصم العربية المؤثرة في صناعة القرار العربي من جانب آخر، لن يحقق لها أي نفوذ أو أولوية علي أي من المسارين..&

وتبرهن علي أن إدعائها تبني توجهات متعارضة مع سياسات إسرائيل الإحتلالية العنصرية خاصة علي مستوي قطاع غزة، لم تثمر عن شئ ذو عائد ملموس لا علي مطالب التحرر من الإستعمار الصهيوني ولا حتي علي مستوي رفع الحصار..&

نقول إن تركيا ليست معزولة بالمعني الحرفي للكلمة، ولكنها لم تعد طليقة اليد كما كانت قبل عام 2009 علي وجه التحديد..&

ولم تعد جسراً متيناً للتواصل بين الشرق والغرب، بعد أن بادرت لمعادة موسكو عن سوء نية أو بتجاهل لموازين القوي..&

ولم تعد تُمثل رقماً حيوياً ضمن القوي الإقليمية المؤثرة مباشرة في ملف قضية الشعب السوري، ليس فقط بسبب نزول روسيا إلي الساحة ولكن لأن أمريكا لم تعد تمنحها ثقتها..&

ولم تعد قادرة علي تنفيذ نظرية " تصفير المشاكل " مع الآخرين لأن الغالبية العظمي من جيرانها يعانون أشد المعاناة من تضخم وتعاظم مشاكلهم معها..&

فهل إعادة العلاقات مع إسرائيل سيخفف من عزلتها هذه؟

من وجهة نظر أنقرة، ربما يتحقق ذلك.. ولكنه لن يكون كافيا.. لأن إسرائيل إن اعادت هذه العلاقات فستُعيدها في الغالب الأعم بعد ضمان الحصول علي مكاسب تكتيكية وإستراتيجية، والوعد بالإستجابة لبعض المطالب التركية..&

إسرائيل ستنسق مع تركيا حول تواجدها العسكري في شمال العراق الذي قال الرئيس التركي يوم 27 من الشهر الماضي أنه مخصص لبتدريب القوات العراقية بمعسكر بعشيقة " بناء علي طلب من الحكومة العراقية "!! وستنسق معها حول قاعدتها العسكرية في قطر التى ستضم تشكيلات جوية وبحرية تركية مستعدة لتقديم " الإسناد اللآزم للقوات القطرية إذا دعت الضرورة ".

إسرائيل ستسعي في أقرب وقت لإعادة إحياء الحياة لإتفاقاتها العسكرية والأمنية مع تركيا بغرض امتلاك ناصية الفوز الفوري بالمعلومات والصور التى تحصل عليها اليوم من طرف ثاني، إستثماراً للوقت.

إسرائيل تخطط لفتح مزيد من الأسواق التركية لتصريف منتجات مستعمراتها في الضفة والجولان والتى فرضت عليها دول الإتحاد الأوربي إشتراطات ترفضها تل أبيب..&

إسرائيل قد تسمح لمعدات البناء التركية بالدخول إلي قطاع غزة لبناء ما هدمته هجماتها الحربية ضد أبناء الشعب الفلسطينى، ولكنها ستبيع لها الطاقة ومواد البناء ومستلزمات إعادة تركيب البنية التحتية للقطاع كما كانت دون تطوير وتحديث..&

وأخيراً ستبدي إسرائيل إستعدادها الفوري لتعويض تركيا عن كميات الغاز التي قد تتباطئ موسكو في إمدادها بها، لكنها لن توفرها لها بالسعر الذي تحلم به..&

وستعمل علي توسيع نطاق مجالات تجارتها مع تركيا، ولكنها لن تساهم بأي حال من الأحوال في تخفيف أثر العقوبات الروسية ضدها، لأنها لن ترضي بخسارة موسكو لحسابها مهما كان حجم العوائد المادية التى ستجنيها من وراء ذلك..&

فهل تعي أنقرة هذه الأمور؟
&

[email protected]