كثر الحديث مؤخرا حول سقوط الحدود التي رسمتها معاهدة سايكس بيكو لدول المنطقة قبل مائة عام.. وإستغلت بعض القوى السياسية في المنطقة الحرب الحالية ضد تنظيم داعش لرسم حدود جديدة بين الدول وصولا الى إعادة تقسيمها على أساس طائفي أو عنصري، وأصبح الحديث عن نشوء كيانات جديدة بالمنطقة كنتيجة لتداعيات الحرب ضد داعش، بما فيها كيان كردي مستقل تحت قيادة مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان المنتهية ولايته.

ويفسر الإعلام الحزبي هنا في إقليم كردستان الزيارات الأخيرة لبارزاني الى دول العالم والمنطقة بأنها تهدف الى حشد الدعم الدولي لمسألة إستقلال كردستان، رغم أن الدول التي زارها بارزاني ومنها تحديدا الولايات المتحدة وتركيا قد أكدتا مرارا مواقفهما الرسمية بمعارضة نشوء أي كيان كردي على أساس تقسيم العراق،ولكن الإعلام الحزبي مازال يردد على أسماع البسطاء مسألة تكوين الدولة على يد البارزاني،والهدف الأساسي من كل ذلك هو إشغال الرأي العام الداخلي بمسألة ذات أهمية قصوى تثير المشاعر القومية الكردية من أجل التغطية على تمسك بارزاني بالسلطة وإصراره على إنتهاك القوانين التي أنهت ولايته الرئاسية..

لنترك الحديث عن تحقيق الحلم الكردي بيد بارزاني بتأسيس الدولة الكردية المستقلة، لأن بارزاني لم ينجح بعد في حشد الدعم الكردي الداخلي لهذه الخطوة بقدر ما تثير وسائل إعلامه من نجاحه في حشد الدعم الدولي،ولا أدري كيف يمكن تشكيل دولة ممزقة داخليا حتى لو حظيت بدعم دولي، والمعاهدات السابقة ومنها معاهدة سايكس بيكو وما تبعها من معاهدة لوزان إنما فرضت على شعوب المنطقة عنوة، وقد رأينا ما آلت أليه أوضاع المنطقة بسبب فرض إرادة خارجية على الشعوب..

ولو تجرأ مسعود بارزاني بتشكيل دولته المزعومة من دون تأييد شعبي بالداخل فلن يكون نظامه القادم سوى نظام ديكتاتوري آخر يفرض نفسه على الشعب بالقوة.

قد تكون المشكلات والصراعات الداخلية هي السبب الأساسي لتريث مسعود بارزاني من الإقدام على مثل هذه المغامرة، وقد تكون تلك الصراعات هي السبب الأساسي لتغيير بارزاني لنهجه الحالي بالتوجه نحو المكون السني والسعي معه من أجل تأسيس كيان سني يشمل ما كان يعرف بولاية الموصل الملحقة بالعراق منذ بدايات القرن الماضي..فبارزاني الذي يطمح الى أن يكون زعيما خالدا بالمنطقة لايهمه تحقيق حلم شعبه بقدر ما يحلم بتحقيق حلم نفسه حتى ولو كان تأسيس كيان كردي عربي معادي لتطلعات الشعب الكردي الحقيقية بالإستقلال وتأسيس دولته الديمقراطية المرتقبة على أسس صحيحة.

الغريب أن بارزاني الذي عانى شعبه لعقود طويلة من الحكم الدكتاتوري لأحزاب حسبت على المكون السني بالعراق،وتعرض الى أبشع جرائم الإبادة البشرية بعمليات الأنفال والقصف الكيمياوي، لايتورع في مد يده لإعداء الأمس لمجرد أن يكون زعيما بالمنطقة،والأغرب من ذلك كله أن بارزاني يرتضي لنفسه أن يكون رئيسا لإقليم سني يضم العرب والكرد، في وقت عرضت عليه مرارا رئاسة الدولة العراقية لكنه كان يرفض ذلك بإستمرار ويصر على بقائه رئيسا للإقليم..

بحسب قيادات كردية ناقشتهم حول تطورات الأوضاع الحالية بالمنطقة وتحركات بارزاني بشأن موضوع تشكيل كيان سني جديد بالعراق يضم إقليم كردستان ومحافظات نينوى وصلاح الدين والرمادي تحت قيادته.وعلمت من تلك المصادر" أن أيا من قيادات الأحزاب والقوى الكردية الأخرى لم يبلغ بمثل هذا التوجه من حزب بارزاني،وأن هناك العديد من القوى السنية العراقية ترفض هذه الفكرة بما فيها القوى الناشطة في محافظات الرمادي وصلاح الدين وكذلك تنظيم أياد علاوي، والوحيدون الذين يؤيدون هذه الفكرة هم فقط عائلة النجيفي المتحالفة مع عائلة بارزاني، ولهذا فإن الجهود الإقليمية تنصب لدعم عائلتي البارزاني والنجيفي متمثلا بأثيل النجيفي المحافظ السابق للموصل والذي لم يعد يمتلك الصلاحيات والنفوذ اللازمين للعب دور مستقبلي في الموصل، وبالتالي فإن الجو سيخلو لبارزاني لقيادة ذلك الإقليم السني.

والملاحظ أن محافظات السليمانية وكركوك وحلبجة قد أخرجت من خارطة ذلك الإقليم المزعوم وهذا يعني تقسيم كردستان مرة أخرى بين إدارتين منفصلتين كما حدث أثناء الحرب الداخلية 1994-2000، وتمزيق إقليم كردستان وشعبه لمجرد تحقيق حلم راود بارزاني بالزعامة في المنطقة.هناك أسئلة عديدة تطرح نفسها:كيف أجاز مسعود بارزاني لنفسه أن يدير ظهره للقوى السياسية الكردية وأن يضع يده بيد أعداء الكرد من فلول البعث والسعي معها لتفتيت العراق؟.ألا تشير خارطة الإقليم المزعوم الى إعادة إحياء الحلم التركي بإستعادة ولاية الموصل، خاصة وأن بارزاني قد سلم جميع مقادير إقليم كردستان بيد تركيا من خلال توقيع إتفاقات إقتصادية تصل الى خمسين عاما المقبلة، يسعى بارزاني خلالها لتأمين إحتياجات تركيا من النفط والغاز،بل أنه أصبح يحارب بالنيابة عنها حزب العمال الكردستاني وحزب الإتحاد الديمقراطي الكردي السوري،ويؤيد كل السياسات والمواقف التي تطلقها تركيا بشأن أحداث المنطقة، ما يؤكد وجود إتفاق سري بين بارزاني وتركيا يقضي بإعادة إلحاق ولاية الموصل بتركيا ولكن تحت مسمى جديد وهو إقليم سني بالعراق تحت قيادة مسعود بارزاني..

من المؤسف أن أجداد بارزاني من القادة الكرد ثاروا ضد إلحاق ولاية الموصل بالعراق مطلع القرن العشرين وقدموا آلآف الشهداء والضحايا في سبيل تأسيس كيان كردي مستقل على هذه الولاية وفقا لقرارات عصبة الأمم والإتفاقات والمعاهدات الدولية، ولكن بارزاني يسعى اليوم الى إعادة إلحاق تلك الولاية بتركيا على أمل أن يعين واليا عليها ليدخل إسمه الى سجل الولاة العثمانيين الذي تعاقبوا على العراق.