&أهم ما في التدخل التركي الأخير داخل الأراضي العراقية، أن الجانب الأمريكي في الوقت الذي أكد فيه علمه بالتدخل، نفى أن يكون الأمر ذا صلة التحالف الدولي ضد داعش!

الموقف الذي نسبته رويترز الى اثنين من المسؤولين الامريكيين، رسالة تحمل معنيين. فإعلان قائدة التحالف الدولي، إما محاولة تطمين للجانب العراقي وحلفائه بأن وجود تركيا خارج سياقات التحالف، وإما أن امريكا تريد القول إن تحالفها غير مسؤول عن الوجود التركي. وفي كلا الحالتين، فإن الحرب ضد داعش ليست غطاء لأنقرة في هذا التدخل، وبهذا لا يحظى بشرعية محاربة الإرهاب، انما شرعية "التنسيق" الكردستاني.&
الجانب العراقي، الخجول كالعادة في اتخاذ المواقف، لم يتصرف الا بدعوة تركيا الى الانسحاب. خجل متوقع طبعاً، لأن أي موقف حازم سيفتح الباب على تدخلات أخرى تتم بعلم الحكومة المركزية. لكن الدعوة الى الانسحاب، تمثل أحد وجوه النزاع بين بغداد وأربيل. فوجود هذه القوات ضمن تنسيق كردي تركي بمعزل عن الحكومة الاتحادية، يجعل الأخيرة في موقف محرج مع حكومة الإقليم.&
أذرع العملية السياسية غير الرسمية هي صاحبة القرار. لا يوجد أي دور رسمي في المعادلة الحاكمة في العراق. وحدود التدخلات تنسق بعيداً عن بغداد، سواء الدور التركي أو الدور الإيراني. بل إن هذه الأذرع تعتمد لضمان قوتها على التنسيق مع الدول الإقليمية المعنية. بينما الجانب الأمريكي هو الوحيد الذي يعمل على جعل تدخله منسقاً مع حكومة العبادي، ولو شكلياً. ورغم هذا، يقتصر الأخير في مواقفه الإعلامية المناهضة على التدخل الأمريكي.&
ومن جانب آخر، جاء التدخل التركي في شمال العراق لكسر الطوق الذي فرض على طموحات أردوغان في سوريا. فمنذ اسقاط طائرة بوتين، يواجه الاتراك ساعات عصيبة في التحرك داخل سوريا، خوفا من رد روسي، فضلا عن العقوبات الاقتصادية التي اتخذتها موسكو. عدا عن هذا، فإن اليمين الأوربي وإيران، يتهما تركيا صراحة بالتورط في ملف داعش، وهناك ايضا ضغوط رسمية غربية لوضع حد على اللاجئين تستبطن اتهامات بعدم السيطرة على الحدود، خصوصا وان حركة اللاجئين باتت تربطاً في الأوساط الأوربية بطريق هجرة "المجاهدين".&
فالتدخل في العراق عملياً محاولة للعب دور في مجال جغرافي آخر، لا يدخل ضمن النفوذ الروسي، ومنسق مع أربيل، اي يحظى ببعض الشرعية، وهو في الوقت نفسه يدور في الموصل التي يراها الاتراك جزءاً من مملكتهم. فضلا عن هذا هم متعطشون لمنافسة الغريم التقليدي، إيران، على تقاسم النفوذ في المنطقة.&
وعوداً الى موقف العراق، فهو الوحيد في هذه المعادلة الغائب عن دفع الضرر عنه. بلد حكومته أضعف من الأذرع القوية والمسلحة، وجزء كبير من أرضه مستباح من تنظيم إرهابي، والباقي يخضع للدويلات التي تتقاسم النفوذ والوجود والهيمنة.&
العراق باختصار عراقات متناشزة في مواقفها وترتيباتها، حتى وإن وحدتها الحرب ضد داعش، لأن ضمان الوحدة حكومة عادلة وقوية.
&