الشعور العميق بأنّ العراق لم يعطك شيئا بعد. على الأقل ما تستحقه. وأنّك لم تعطه بدورك كلّ أو بعض ما يحتاج اليه منك. هو مونولوج& شائك يقودك الى حافة هاوية. تجنّب التحديق فيه طويلا. "ستيفان تسفايغ" قالها يوما:"مَن يحدّق طويلا في الهاوية، فالهاوية ستنظر اليه".
&هو شعور مقلق ومدمّر ولكنه خالق وغير رتيب. الرتابة تعني الموت والفناء. فيها شيء من ذلك. السكون غير متوازن في ثقافتنا العراقية. نخشاه ونخدشه سرّا. هل لأنّنا لم نعرف السكون أبدا؟. كلّ ما نعرف عنه أنّه مخيف ومحل ريبة.
&الحركة هي شحنة حياة غير عادّية. ثمّة أمل في الحركة ولكنّه بعيد كوهم. حتّى لو كان أملا موهوما وغائما. فهو ضروري لنا أحيانا. هنالك من تاجر ويتاجر فينا وفي هذه الضرورة. يحرّفها. أوّلهم سماسرة الدين والمذهب والطائفة والقومية.
لقد كبّلتنا الديكتاتورية طوال عقود. وحين قالوا تحرّرنا، خرجنا كالفراخ المحبوسة& نجري في كلّ إتّجاه. وجدنا قوالب الطوائف جاهزة بإنتظارنا فدخلناها صاغرين. كنّا جاهزين. معظمنا. النكران هنا دعائي وكاذب. ردّدنا شعارات لا تقلّ خرافة عن غيرها تسعى غالبا الى ايهام الذات كمقدّمة لتطويعها وضمّها للقطيع المطيع الوديع. ما حولنا ليس كذلك حتما. من هم خارج القطيع أعداء. أليس كذلك؟.
قد تكون كراهية الأحزاب المدنية بعض ما ترسّب في أعماقنا من الحكم البعثي. وقد تكون أيضا هي طبيعة المرحلة الإنتقالية كما يقول الساسّة والخبراء. الوصف يفسّر. الواقع شيء آخر. تفسيره مختلف وتغييره عسير وغير آني. لا توجد قوانين للتاريخ قبل حدوث التاريخ نفسه. لا أعرف من قالها. وجدتها في ذاكرتي هكذا. الواقع يمكن تغييره بالإرادة والعمل وبقوانين البشر.
الأحزاب& تنظيمات تسعى للتغيير افتراضا. تنشأ في المدن بديلة نوعا ما عن عشائر الريف وقبائل البادية. هو أمر معروف للجميع. التقارب بين أفراد لا تجمعهم بالضرورة الروابط العصبية التقليدية خطوة هائلة نحو التمدّن. هل لكم أن تتخيلوا معي ماذا سيحصل ان تشكّلت الأحزاب وفقا لتلك الروابط وليس على تجاوزها وعبورها لحالة أرقى هي: المواطنة؟.
لسنا بشعب جاهل وإنّما تمّ تجهيلنا وتسطيحنا وتركيعنا. الجهل مثل المعرفة يحتاجان الى مؤسسات. تنظيم الذّل هو مؤسسة. تسطيح العقل هو مؤسسة أخرى. مصادرة الإرادة الحرّة هي من أكبر تلك المؤسسات. ماذا يفسّر موت الفقراء بيد الفقراء في حروب الأغنياء؟. الفقر يصطلي بنيران الغنى. عقوبة دنيوية. السماء والجنائن محجوزة مسبقا. والمكان لا يتّسع للجميع. لذلك لا بدّ للفقراء القدامى الذين سيصبحون فيما بعد التحرير من أبشع الأغنياء من انتهاز الفرصة التاريخية واللحاق بالركب. هي فرصة وضربة حظّ قد لا تتكرر.
&ولسنا بشعب فقير وإنّما فُقّرنا رغم ثرواتنا ولا أعني بها النفط فحسب. ولكنّ معظمنا، أفرادا وجماعات، لا نمتلك حرية الإرادة ولا القدرة على المواجهة الصريحة لكي نبني حوارا مقبولا مع بعضنا. الفشل السياسي أحدى العلامات. انحطاط النخبة السياسية هو من طفح النتائج وليس من جوهرالأسباب. الأسباب الحقيقية هي أعمق بكثير.
التشويه عامّ والجروح مفتوحة ولا وقت للتوقّف. الوقوف ممنوع . الركض والجريان في كلّ الإتجاهات مسموحان. بل مفروضان. أمل الإنقاذ بيد القراصنة. الغرق أو الأمل الموهوم. ولكن ثمّة رجال حقيقيون يعملون بصمت في هذا البلد ويستحقون الإجلال والإحترام. هم موجودون في كلّ مكان. يصعب رؤيتهم لأنّ الرؤية الآن صعبة وسط دخان المعارك ولكن سيظهرون يوما. لهم ولنا المستقبل. قد يكون الأمل وهميا لكنّه ضروري أحيانا وخصوصا حين يجنّبنا التحديق الطويل في الهاوية.

باريس&
&