الكايزن كلمتان يابانيتان تعنيان التغيير للأفضل، وقد أدخل هذا المصطلح الياباني تاييشي أوهنو في عام 1984 وذلك ضمن المساعي الكبيرة التي تبذلها اليابان لكي تفوز في التنافس بين الدول الصناعية الكبرى لاختراق الأسواق والفوز بثقة المستهلك، ولتحقيق هذا الهدف، جعلت الشركات الكبرى تطوير العامل الذي يعمل لديها من أهم أولوياتها، حرصا منها أن يلم هذا الموظف بجميع المعلومات الضرورية لرفع سوية العمل، وبالتالي رفع مستوى الجودة وزيادة المبيعات بشكل عام.&
كما عمد أصحاب الشركات إلى تخصيص قسم يسمى البحث والتطوير والتدريب Research, Development and Training (R.D& T) وهذا القسم ربما يكون هو السبب في آلاف الاختراعات التي تخرج من الدول الصناعية، وذلك لأنهم يفعِّلونه جيدا وينفقون عليه بسخاء. ويشمل البحث والتطوير والتدريب الجانب العلمي من الأبحاث وكذلك الجانب الشخصي والأخلاقي للموظفين. وقد عمدت الدول العربية إلى تطبيق فلسفة كايزن في المؤسسات الهامة والشركات الكبرى، ونشطت البرامج التدريبية وما يعرف بالمكاتب الاستشارية في القطاع الخاص.&
لا ضير في تقليد الدول المتقدمة فيما يعود بالنفع على مجتمعاتنا، ولكن تدريب الموارد البشرية يشمل غرس القيم الايجابية كالنزاهة والمحاسبة والابتكار والاجتهاد وبذل الجهد وعدم إضاعة الوقت والتعاون والتواصل والعمل بروح الفريق، وهذا الأمر بمستطاع الدول المتقدمة لأن افرادها تربوا عليها وعندما حصل رئيس ألمانيا كريستيان فولف على معاملة تفضيلية من أحد البنوك ونشر ذلك في الصحف، استقال من فوره بسبب تلك الفضيحة. أي أنه استقال ولم يسرق ولم يرتش ولكن حصل على قرض دون أن يكون مؤهلا للحصول عليه. فإذا كان ذلك الرئيس فكيف ببقية موظفي القطاعين العام والخاص؟&
إن فلسفة كايزن لا تطبق إلا في مجتمع يعيش بها في حياته اليومية ومن السهل عليه نقلها إلى الشركة أو المصنع، ولكن في المجتمات التي تهزأ بالمحلص في عمله، فمن الصعب جدا تطبيقها، ولا زلنا نذكر قصة "لكل مجتهد نصيب" لتوفيق الحكيم. إذ لم نكن في يوم نكافئ المجتهد، ولا نعاقب المسيء، ومعظم أعمالنا تسير وفقا للعلاقات الشخصية أو القرابة أو السلبية التامة، بحيث أنه من يريد أن يسلم فليكن لديه سلبية كاملة ويصمت، فلن ينتبه له أحد. وهناك الكثير من الأمثلة الشعبية في مجتمعاتنا التي تعزز السلبية وعدم المبادرة بأي عمل إيجابي.&
ويزداد الأمر سوءا في الجهات الحكومية، حيث تضيع الملفات ويقضي الموظفون ساعات الدوام في أعمال لا تخص العمل، كما أن هناك البطالة المقنعة حيث يتم توظيف عشرات الموظفين دون تحديد لمسئولياتهم، وهم في الواقع فائضون عن الحاجة. ولا يعني هذا أن كل موظفي الجهات الحكومية سلبيون، بل هناك عدد غير قليل ممن يحملون مسئولياتهم بجدارة وإخلاص وتفان. ولكن الغالبية العظمى لا يعتبرون العمل أمانة في أعناقهم.&
إذن، مهما حاولت المؤسسات غرس القيم المثلى في نفوس عمالها، فلا يمكنها إعادة تشكيلهم بعد أن تشربوا جميع القيم المطبقة فعليا في مجتمعاتهم. فإذا كان المجتمع مليئا بالدجل والنفاق والدسائس، فسوف ينقل الموظفون تلك القيم إلى مكان العمل، وإذا كان المجتمع نزيها وأفراده يتحلون بأخلاق حميدة، فمن السهل جدا نقل هذه الثقافة إلى مكان العمل، إذ لا يمكن الفصل بين الثقافة المجتمعية والثقافة المؤسسية.&
والخلاصة، إن فلسفة كايزن لا تصلح إلا إذا طبقت في مجتمع تربى عليها ونشأ في ثقافة تشجع على الإخلاص وتطوير الذات والمحاسبة والمسئولية، وبعد التأكد من وجود هذه الثقافة، يمكن الانطلاق نحو تحسين المنتجات والخدمات المقدمة إلى المراجعين أو المستهلكين.&
التعليقات