&مع انني تفاجأت باعدام الشيخ نمر النمر ولم أكن أتوقعه بتاتا إلا أنني توقعت في عدة مقالات سابقة (تفضلت ايلاف بنشرها) بانفجار التوتر بين ايران والسعودية يوما ما، وقد تزايدت الاحتمالات بعد الاتفاق النووي، ولذلك دعوت في تلك المقالات وخاصة المقال الأخير (لاعب أساسي في المنطقة أم لاعبان أم أكثر؟) والذي كتبته قبل يومين من انفجار الأزمة الى ضرورة تعاون ايران والسعودية وتركيا وسائر بلدان المنطقة لحل مشاكلها.

مع أن العلاقات الايرانية – السعودية لم تكن على مستوى واحد بل خضعت لمد وجزر منذ تأسيس الجمهورية الاسلامية والى هذا اليوم، غير أن الملفت في الأمر أن هذه العلاقات اتخذت منحى جديدا بعد الاتفاق النووي بين ايران والغرب، والغريب في الأمر انه في الوقت الذي كانت ولا تزال الوفود الغربية تتوافد على ايران لفتح صفحة جديدة في العلاقات والتعاون نرى أن العلاقات بين طهران والرياض تزداد سوءا وتدهورا، حتى وقع حادث اقتحام وحرق القنصلية والسفارة السعودية في طهران ومشهد، وكان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فيا ترى لماذا وصلت العلاقات الى هذا المستوى من التدهور؟

السبب باختصار شديد، هو ما تسميه المملكة وبعض الدول العربية والخليجية بالتدخل الايراني في شؤونها، ولكن السؤال المطروح هو ان هذا ليس اتهاما جديدا من قبل هذه الدول فيا ترى هل يستوجب تكرار التهمة هذا التصعيد الذي لا ندري الى ايران سيقودنا؟

الجديد القديم في هذا الاتهام هو الاتفاق النووي، فمنذ بدء المفاوضات النووية بين ايران والغرب عام 2003 وحتى اجتماع زعماء الدول الخليجية مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في مايو العام الماضي، كانت تطالب بعض الدول العربية والخليجية من الغرب أن يتضمن الاتفاق النووي مع ايران، أخذ ضمانات من طهران بالتوقف بشكل نهائي عن "التدخل في شؤون دول المنطقة"، ويبدو أن اوباما لم يتعهد في هذا اللقاء بانتزاع ضمانات من طهران بهذا الخصوص وأكد انه ماض في الاتفاق النووي ولكنه تعهد في المقابل بأنه سيقف الى جنب الدول الخليجية ولن يتخلى عنها ولن يسمح لأحد بتهديدها.

ايران ومجموعة 5+1 وقعوا على الاتفاق النووي ونشروه في وسائل الاعلام ولم يكن يتطرق من قريب أو بعيد الى قضية "تهمة التدخل في شؤون سائر الدول"، بل اقتصر على البرنامج النووي الايراني وحسب، الأمر الذي طالما أكدته طهران طوال السنوات السابقة، من أنها لن تبحث في مفاوضاتها مع الغرب في أي موضوع آخر غير البرنامج النووي الايراني.

الدلائل تشير إلى أن المملكة اتخذت قرارا بسعيها المباشر الى "ارغام" ايران على "عدم التدخل في شؤون المنطقة"، وقبل أن نتطرق إلى أنها ستنجح في ذلك أم لا، علينا أن نعرف مالذي تقصده بعض الدول الخليجية والعربية من التدخل الايراني؟

الدلائل تشير إلى أن هذه الدول تريد من طهران عدم إبداء حتى وجهة نظرها تجاه القضايا التي تقع في المنطقة، بينما تسمح لنفسها اتخاذ أي اجراء بخصوص قضايا المنطقة، فعلى سبيل المثال تقدم الدعم الكامل للمعارضين السوريين وتعلن بشكل صريح أنها ترفض وجود الرئيس السوري ولابد من رحيله، بينما تأخذ على طهران دعوتها الى ترك أمر تقرير مصير الحكم الى الشعب السوري.

وفيما يتعلق بأزمة البحرين، نرى أن درع الجزيرة تدخل بشكل مباشر في هذه الأزمة وأرسل قواته للتصدي للمتظاهرين في هذا البلد، بينما ايران دعت منذ اليوم الأول لاندلاع الأزمة والى هذا اليوم الى حلها عبر الحوار الجاد بين الحكومة والمعارضة، مما يعني انها لم تطالب يوما برحيل الحكومة البحرينية، وكذلك الحال فيما يتعلق بالأزمة اليمنية فنرى أن التحالف العربي تدخل مباشرة في اليمن بعد طلب "الحكومة الشرعية" منه ذلك، بينما يعترض هذا التحالف على ايران اتخاذ موقف تجاه ما يجري في اليمن.

واذا اردنا سرد الأمثلة فسيطول بنا المقام، وغير خاف على أحد أن ايران لديها مستشارين عسكريين في سوريا والعراق وتدعم حزب الله وبعض الفصائل الفلسطينية، ولكنها لم تقدم أي دعم للمعارضين في بعض الدول العربية والخليجية بل وحتى الحوثيين، ولا يراودني أدنى شك أن ايران لو تدخلت في قضايا المنطقة بالطريقة التي تقصدها هذه الدول من اتهام طهران لتغيرت الكثير من الأمور، ولما كانت عليه الاوضاع كما هو عليه في الوقت الراهن.

وبخصوص الأزمة الحالية بين ايران والسعودية ودول أخرى أعربت عن تضامنها مع المملكة، فلا يمكن التكهن بالمديات التي تستعد المملكة وسائر الدول الذهاب اليها، ولكن هناك حقيقتان ينبغي الالتفات لهما في هذا الصدد، وهما أن ايران تبذل ما في وسعها لاحتواء التوتر وعدم تطوره الى مواجهة عسكرية لانها تدرك أن الجميع سيخسر من هذه المواجهة.

اما بشأن "ارغام" ايران على التخلي عن مواقفها ومبادئها، فلن تتخلى عن ذلك بتاتا لأنها تعتبرها أحد مصادر قوتها واستقلالها، وقد مرت طيلة العقود الماضية بأعاصير كانت تريد ارغامها عن التخلي عن مواقف ومبادئ مشابهة ومن بينها التخلي عن القضية الفلسطينية، فلم تتخلى مع أن الذي كان يقف وراء هذه الأعاصير قوى دولية هددت ايران عدة مرات بالحرب وفرضت عليها أنواع الحظر والعقوبات، لذلك لا أعتقد انها ستنحني هذه المرّة.