&
مما لا شك فيه أن إشكالية العلاقة بين العلم و الدين من الإشكاليات الفكرية المعقدة و الصعبة و التي دار حولها نقاش و جدال شاق و معقد، فالبعض ذهب إلي أن أساس هذه الإشكالية أو الصراع بين الدين و العلم هو الغرب، إذ لم يحتدم هذا الصراع في أي منطقة في العالم كما احتدم في أوروبا في عصر النهضة تحديدا. و احدي السمات التي اكتسبها هذا الصراع هي أن العلم الذي تم تصنيمه بتحويله إلي دين جديد قدسه مريدوه بوصفه القوة التي تقف وراء تفوق أوروبا، ونتيجة ذلك كانوا يومنون بان العلم سوف يحل في مستقبل غير بعيد محل الأديان، و سعي آخرون إلي توضيح العلاقة بين الدين و العلم برسم حدود لتلك العلاقة من خلال بيان أن كل من العلم و الدين له نسق خاص و ليس متعارضين، فالبراهين الدينية قائمة علي سلطة النص، بينما دعي البعض الأخر إلي ضرورة توافق الدين و العلم و أنهما متكاملان و متعانقان و ليس بينهما صراع أو صدام، بل يتفقان و لا يختلفان، فالدين علم و العلم دين، و لهذا لم يقم صراع بينهما، و طالما تعاون العلم و الدين في نشأت الحضارات و حل ما أشكل من معضلات الحياة. و يجب أن نشير إلي أن جدلية العلاقة بين الدين و العلم ليست و ليدة العصر الحاضر، إنما هي قديمة قدم الدين و العلم. والسوال الذي يطرح نفسه بقوة هل العلاقة بين الدين و العلم علاقة تعضد و تكامل أم علاقة صراع و تناقض؟ و الإجابة علي ذلك السؤال قد يبدو للوهلة الأولي أن العلاقة بين الدين و العلم هي علاقة تناقض و صراع و تعارض، و خير مثال علي ذلك أن نظريات (كوبرنيقوس) في علم الفلك و (دارون) في التطور و (هارفي) في الدورة الدموية قد تم معارضتها من جانب عدد كبير من رجال اللاهوت في أوروبا، ثم بعد فترة من الزمن وافق رجال الدين علي هذه النظريات العلمية رغم أن البداية كانت تصادمية بين الدين و العلم، و الصراع كان علي أشده في البدايات الأولي و خصوصًا في أوروبا بين رجال العلم و رجال الدين المسيحي.و عبر التاريخ لم يكن هناك بروز لهذا الصراع، لأنه في أحقاب كثيرة كانت الهيمنة للدين و توجهاته، و كانت خطوات التطور العلمي بطيئة و بعضها كان يدور في فلك الضرورات، وبعضها كان ممزوجا بالوثنيات و الأسطوريات، و حتى في اليهودية لم يظهر هذا الصراع، وإنما برز في عصر سيطرت الكنيسة بعد ظهور المسيحية بأكثر من تسعة قرون. و قد بدأت قضية الصراع تطفو علي السطح تحديدا مع ظهور عصر التنوير أو عصر النهضة الأوروبية، و بداية الوقوف بحزم من رجال العلم ضد سيطرة الكنيسة المطلقة. و من الضلالات التي وقع فيها الغرب نبذ الدين و الخروج علي أوامره و النفور من أحكامه. و مما لاشك فيه أن موقف رجال الكنيسة و أفعالهم كانت سببًا رئيسًا في هذا التصادم مع الدين، و لو الكنيسة لم تعاد النظريات و الاكتشافات العلمية التي لا تتعارض مع الدين و لا تتناقض، و لو أنها وافقت علي ذلك لما آل الأمر إلي ما وصل إليه من نبذ لها و كفر بها. و الحقيقة الواضحة و ضوح الشمس و التي لا ينكرها عاقل هي أن العلاقة بين الدين و العلم هي علاقة وطيدة و علاقة تكامل و تعاون و تعاضد، رغم اختلاف ميدان كل منهما، و اختلاف طبيعتهما، و مع ذلك كلاهما يكمل الأخر و يتعاون من اجل الوصول للحقيقة. بل أن الأديان تدعو للعلم و تشجع عليه و تحث الناس علي استخدام عقولهم و استنباط الحقيقة من الكون. &
&
الدكتور عماد الدين ابراهيم عبد الرازق اكاديمي مصري