&

قبل أيام قليلة وعلى إحدى القنوات الألمانية شاهدت تقريرا عن حالتين حقيقيتين تعكس الإيجابيات والسلبيات التي عاشها الألماني في تعاطفه مع القادمين المهاجرين من خلال إستضافته لهم ليشاركوه بيته وعيشه. التجربة عكست الفجوة الكبيرة في ثقافة كل منهما فالعنف المجرّم في ثقافة الألماني، كان مقبولا و’مسلم به من المرأة التي أستضافوها مع زوجها وثلاثه او أربعة من أطفالهما.. تعرض المرأة المستمر للضرب ورفضها التبليغ عن زوجها للبوليس، ثم قبولها بعودة الزوج مرة بعد أخرى, قوبل بمنتهى الرفض من العائلة الألمانية التي حاولت إقناعها بحماية حقوقها ولكنها رفضت كل إقتراحاتهم. طريقة معاملة أطفالهما أجبرت العائلة للتبليغ عنهم للجهات المختصة, التي أخذتهم وقامت بالإجراءات المعتادة لإعادة سكنهم وتامين الحقوق الأساسية لهم حسب القانون المعمول به ومن ضمنه إعادة تأهيل المرأة وبث الثقة في نفسها وإرشادها إلى طرق التربية الصحيحة., الأمان جعلها تتخذ قرار الإنفصال عن الزوج حتى بدون طلاق حاليا وكسر حاجز الخوف، الثقة جعلتها تؤكد أنها لا تريد العودة له على الإطلاق وستعيش لتربية أبنائها.

&العائلة الألمانية أكدت انها كانت تجربة قاسية عليهم ولن يكرروها مرة اخرى مهما كان مستوى التعاطف. لأنها اكّدت لهم مدى الفجوة الثقافية وأنهم الآن وبعد مشاهدتهم لكيفية معاملة الأطفال أصبحوا أكثر خوفا من اثر العنف على شخصية هؤلاء الأطفال.

التجربة الأخرى كانت مع مهاجر صومالي تبنته إمراة ألمانية.. وأمّنت لها مصاريف دروس تعلم قيادة السيارات مما مكنه من الحصول على عمل كسائق. تجربتها معه كانت مليئه بالتفاهم ومن ثم قبوله الطوعي لإرشاداتها. الأمر الذي جعلها تساعده في تأمين إحضار عائلته المكونه من زوجه وطفلين.

ما دفعني لسرد هاتين التجربتين هو أثر العنف النفسي في تشكيل الشخصية.. إضافة إلى أهمية وقدرة التمكين المادي للمرأة لكسر الخوف ولإتخاذ قرارات تتعلق بحياتها مهما كانت قسوة مثل هذه القرارت..&

قبل أيام قليلة كلمتني قناة راديو ال بي بي سي العربية من القاهرة’ لسؤالي حول التقرير الأخير الذي صدر من بريطانيا عن تزايد حالات التبليغ عن العنف المنزلي - الأسري فيها.

لآ ادري لماذا أشعر بعلامات التشفي وربما الإهتمام الكبير, بالغرب من العالم العربي كلما صدر عنه تقريرا ما عن وضع المرأة تتأكد منه المنطقة العربية بأن العنف الأسري لا يقتصر عليها وحدها.. وهي حقيقه علينا جميعا وعيها. وان هذا العنف حقا منتشر وفي كل العالم. وفي كل الأحوال فأنا سعيدة بهذا الإهتمام والترابط العالمي.&

في تقرير صدر من بريطانيا مؤخرا، يستند إلى إحصائيات يؤكد على إزيادة التبليغ عن حالات العنف المنزلي, لدرجة عدم إستطاعة الشرطة التعامل معها بالسرعة وبالإتقان المطلوب في عدة حالات؟؟؟ سألتني مذيعة القناة عن الموضوع.. وكان ردي ليس دفاعا عن الغرب بقدر ما هو تحليل لتوعية المستمع العربي بالتالي.&

أولآ - علينا التاكيد أولآ بأن العنف لا يقتصر على جنسية دون أخرى, ولا يقتصر أيضا على ثقافة دون أخرى, العنف جزءا من الطبيعة البشرية للجميع، ربما تزيد نسبتها عند الرجل نظرا لإختلاف قدراته الجسديه, ولكن هناك أيضا بعض النساء اللواتي يتمتعن بقدرات جسدية مماثله و لا يتوانوا عن إستعمال العنف ضد الرجل.&

ثانيا - زيادة معدلات التبليغ عنها فيجب ان تاخذ في الإعتبار زيادة العدد السكاني في بريطانيا من خلال زيادة أعداد القادمين المهاجرين إليها. وان هذه الزيادة في حالات التبليغ عن هذا العنف تعكس شجاعة المرأة الموجودة. اما في حالة القادمة الجديدة فإنها تعكس إحساسها بالأمان والخروج عن ما هو مألوف وممنوع في ’عرف مجتمعها وتقاليدها.. وبالتالي فهي تعكس شجاعة المرأة ووعيها بحقوقها الطبيعية ورفضها للتحقير باي شكل كان!

ثالثا - موضوع التقصير من البوليس في التعاطي مع حالات العنف. فهو يعكس حاجة البوليس لإعادة تأهيل تحمل معها تأهيله للتعاطف الحقيقي مع ضحايا هذا العنف إضافة إلى الحاجة الكبيرة للزيادة في المخصصات المالية لبرامج إعادة التأهيل وما تتطلبه من زيادة في الوعي.

ولكن يبقى أن نؤكد بأن العنف في المجتمعات الغربية ’يعتبر جريمة يعاقب فيها الجاني تبعا لمدى الأضرار التي تعانيها المعنفة أو المعنف. وأن القانون لا يحمل أي علامة من علامات التمييز أو عدم المساواة بين الطرفين. إضافة إلى وجود اماكن لجوء لمثل هؤلاء النساء المعنفات وبرامج تاهيل مخصصه لإعادة تأهيلهن لخروجهن من الضرر النفسي الذي يسبب الإحساس بالمهانة وفقدان الشعور بالثقة في النفس لتأهيلهن للعودة إلى سوق العمل.&

الصحة النفسية في المجتمعات الغربية تعني الكثير وعياداتها موجوده في كل العيادات الطبية للتعامل مع كل ما قد يمر على الإنسان من صعوبات قد ’تعجزه عن التعامل معها بموضوعية عقلية وتوازن نفسي، مما يؤدي إلى نقص إنتاجيته وفقدانة لعمله ومايترتب من هذا من الناحية المادية على المحيطين حوله بالذات من الأسرة.. ثم أهمية هذا التوازن النفسي في خلق مجتمع صحي.

&قبل أيام قليله قامت الحكومة البريطانية بإصدار قانون لتجريم العنف النفسي الذي قد يستعمله الشريك سواء لفظيا أم فعليا حتى ومن خلال وسائل التواصل الإجتماعي, يؤدي إلى فقدان ثقة الشريك الآخر بنفسه, وإضطرابه نفسيا. برغم أن هذا العنف يقتصر فقط على العنف النفسي ولا يصل إلى مرحلة العنف الجسدي. لوعي الحكومة البريطانية لمدى تأثير مثل هذا العنف على الصحة الذهنية للمعنفه تؤدي إلى حالة من الإكتئاب وتعيق من عملها وإنتاجيتها.&

حقيقة بأنها ستكلف دافع الضرائب ولكنها مهمه ليس فقط للفرد وإنما لصحة المجتمعات ذاتها ولهذا لا يتذمر دافع الضرائب من تكاليفها عليه.&

القانون الذي أصدرته الحكومة البريطانية وسيدخل حيز التنفيذ في ذات يوم إصدار القرار, ليس سوى واحد من مجموعة قوانين جديده ستعمل الحكومة على إصدارها وتقنينها حماية للمرأة.. وحماية للمجتمع.

ما يبعث الغيرة في نفسي.. وسواء ’طبّق القانون بحذافيره أم لا نظرا لتعقيدات إثبات العنف النفسي من الشريك, هو غياب مثل هذا المنطق كليا في المجتمعات العربية الإسلامية. فتحت فقه الولاية الذي ’يعطي الولي حرية التصرف بمستقبل المرأة, تتعرض المرأة العربية يوميا لمثل هذا العنف النفسي من القمع والقهر.. الولي الذي قد يشلها ويعجزها ويصل إلى عدم إستطاعتها إستخراج شهادة ميلاد لأحد أبنائها وعليه تتعرض المرأة العربية مرات ومرات لمثل هذا العنف.

مرة أخرا ما يبث الغيرة في نفسي هو وعي الغرب بالآثار السلبية المترتبة على العنف النفسي وفتح مثل هذه العيادات لإعادة تأهيل المعنفه للعودة للمجتمع بصحة نفسية، بينما تخجل وتخاف المرأة العربية من الإفصاح عن معاناتها, سواء مع الشريك والأدهى حين يكون العنف والقهر صادرا من أخوها. المرأة العربية وبرغم وصفها الدائم بالثرثارة، تكتم في داخلها أوجاع وعقد كثيرة لما تتعرض له من إهانات ممن حولها من الذكور. فتحت ثقافة العيب والستر تبقى المرأة مكتومة وغير قادرة على الحديث بحرية عن معاناتها سواء مع الأب أو الأخ أو الشريك. وكلهم بلا إستثناء لديهم السلطة التامة لتعنيفها باي شكل من الأشكال إضافة إلى التعنيف الجسدي..والمفروض بها السكوت؟؟؟؟ تماما كما كان حال تلك المرأة السورية التي كانت تتعرض للعنف الجسدي وتتقبله إلى أن شعرت بالأمان والحماية!&

التمكين المادي للمرأة من خلال التعليم والعمل وقوانين تؤكد حقوقها المادية بالتساوي مع الرجل هو ما يحفظ كرامتها ويقيها كل اشكال العنف والتعنيف وهو الطريق الوحيد لإستعادة الصحة النفسية لمجتمع ملتهب.